وظهرت أرقام هواتفهم المحمولة في سجلات مسربة، ما يشير إلى أنه تم اختيارهم قبل استهداف المراقبة المحتمل من الحكومات المتعاملة مع شركة «NSO Group» الإسرائيلية، التي طورت برنامج التجسس بيغاسوس «Pegasus».
وتم الحصول على السجلات من منظمة «Forbidden Stories» غير الربحية وشاركتها مع تحالف من وسائل الإعلام، بما في ذلك صحيفة «الجارديان».
وقالت «NSO» مرارا إن بيجاسوس، الذي يمكنه الوصول إلى جميع البيانات الموجودة على جهاز الهاتف المستهدف بالإضافة إلى تحويله إلى مسجل صوت أو فيديو، مخصص للاستخدام فقط ضد الإرهابيين والمجرمين الخطرين، بحسب زعمها.
ولكن تقول الصحيفة إن «اختيار الناشطين والمعارضين والصحفيين من قبل عملاء NSO يرسم صورة مختلفة تماما، على الرغم من أن الناشطين سيقولون إن الصورة كانت متوقعة بشكل قاتم إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنه تم بيع البرنامج لبعض أسوأ الأنظمة القمعية في العالم».
الناشطون المعرضون للمراقبة
وقالت الصحيفة إنه «في أذربيجان، حيث لا يتسامح إلهام علييف مع أي معارضة، يظهر العديد من الناشطين في البيانات. ووجد البعض مراسلاتهم الشخصية أو صورهم الخاصة منشورة على الإنترنت أو على شاشات التلفزيون».
وتحتوي البيانات المسربة على أرقام هواتف ستة معارضين وناشطين في البلاد، تم نشر مراسلاتهم الخاصة في برنامج تلفزيوني يهدف إلى تشويههم في عام 2019.
وغالبا ما يتم استهداف الناشطات بالابتزاز الجنسي. وفي إحدى الحالات الفظيعة بشكل خاص في عام 2019، تم تسريب صور خاصة لناشطة المجتمع المدني والصحفية فاطمة موفلاملي، البالغة من العمر 18 عاما آنذاك، إلى صفحة مزيفة على «فيسبوك».
وليس من الواضح كيف تم الحصول على الصور، وتعتقد موفلاملي أنه تم الوصول إلى بياناتها الخاصة عندما صادرت الشرطة هاتفها أثناء استجواب عنيف، وأجبرتها على فتحه. وكان رقمها أيضا في السجلات التي حصل عليها التحالف.
وقالت موفلاملي:«”في عصر لم أكن أدرك فيه تماما أنني امرأة، شعرت بالخجل من أن لدي جسدا أنثويا وأن الناس رأوه عاريا» ووصفت التجربة بأنها «صعبة التحمل». وقالت إن ذلك أدى إلى «أفكار انتحارية»، مضيفة أنه «في هذا البلد، حُكم على المرأة أن تعيش في حدود ما يريده الرجل، ويمكنهم أن يقتلوا المرأة لمجرد إظهار جسدها».
وبدون تحليل الخبراء للجهاز، فإنه لا يمكن تأكيد محاولة أو عدوى Pegasus الناجحة. وقالت موفلاملي إنها تعيد ضبط هاتفها بانتظام أو تغير أجهزتها، لذا فإنه لم يكن التحليل ممكنا.
وفي الهند، تم العثور على أعداد متنوعة من الناشطين في البيانات.
وتم اختيار عمر خالد، وهو طالب ناشط في جامعة جواهر لال نهرو في دلهي وزعيم اتحاد الطلاب الديمقراطي، قبل استهداف محتمل في أواخر عام 2018، قبل وقت قصير من توجيه تهم بالتحريض له.
وتم القبض عليه في سبتمبر 2020 بتهمة تنظيم أعمال شغب، وادعت الشرطة أن الأدلة ضده تضمنت أكثر من «مليون» صفحة من المعلومات التي تم جمعها من هاتفه المحمول، دون توضيح كيفية الحصول على المعلومات. وهو في السجن في انتظار المحاكمة.
وكانت أرقام الهواتف المحمولة للكتاب والمحامين والفنانين الذين دافعوا عن حقوق مجتمعات السكان الأصليين والهنود من الطبقة الدنيا أيضا في البيانات. وتم القبض على أعضاء الشبكة خلال السنوات الثلاث الماضية ووجهت إليهم تهم الإرهاب، بما في ذلك التآمر لاغتيال رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي. وضمت الشبكة الكاهن اليسوعي ستان سوامي البالغ من العمر 84 عاما، والذي توفي هذا الشهر بعد إصابته بكوفيد-19 في السجن.
وتظهر السجلات أن العديد من الأشخاص المتهمين بأنهم شركاء سوامي، بما في ذلك هاني بابو وشوما سين ورونا ويلسون، تم اختيارهم لاستهدافهم المحتمل في الأشهر التي سبقت اعتقالهم والسنوات التي أعقبت ذلك.
وتم اختيار لجين الهذلول، أبرز ناشطة في مجال حقوق المرأة في السعودية، لاستهدافها المحتمل قبل أسابيع قليلة من اختطافها عام 2018 في الإمارات، وإعادتها قسرا إلى السعودية، حيث سُجنت لمدة ثلاث سنوات وتعرضت للتعذيب. ويعتقد أن الإمارات، وهي عميل معروف لـ NSO وحليف وثيق للسعودية، اختارت الهذلول.
وعلى الرغم من إطلاق سراحها من السجن في فبراير 2021، فإنه لا يُسمح للناشطة السعودية بالتحدث إلى الصحفيين أو التنقل بحرية داخل السعودية، ولا تزال تخضع لحظر سفر. وتعذر الحصول على هاتفها المحمول أو اختباره بحثا عن دليل على أنه مصاب بالعدوى أو الاختراق.
وكانت الهذلول قد كشفت في وقت سابق أن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بها قد تم اختراقها.
وقالت هالة الدوسري، وهي ناشطة سعودية مقيمة في أميركا تواصلت مع الهذلول قبل اعتقالها في 2018: «أفترض أنهم كانوا يخترقون هاتفها لمعرفة شبكات الأشخاص الذين تنظم معهم».
وأضافت أن السلطات السعودية حصلت على معلومات غير عامة عن مدفوعات يومية تبلغ حوالي 50 يورو «43 جنيها إسترلينيا» في اليوم تم دفعها للهذلول في ما يتعلق بمناصرتها، ربما عبر هاتفها المحمول.
وفي المكسيك، تُظهر البيانات مجموعة واسعة من النشطاء والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان لاستهدافهم المحتمل، بما في ذلك إدواردو فيرير ماك غريغور بوايسو، القاضي الذي كان رئيسا لمحكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، وأليخاندرو سولاليندي، وهو قس كاثوليكي نصير لحقوق المهاجرين.
وقال سولاليندي إنه يعتقد أن الحكومة المكسيكية السابقة كانت «تبحث عن شيء يضر بسمعتي واستخدامه كابتزاز» بسبب دعمه لخصم سياسي، وقال إنه حذر من قبل عميل سابق في وكالة المخابرات الوطنية «Cisen» بأنه تحت المراقبة.
وقال جون سكوت رايلتون من Citizen Lab، الذي أصدر تقريرا عن استهداف الناشط الإماراتي أحمد منصور ببرنامج Pegasus في عام 2016: «استهداف المعارضين «يجب» أن يصنف في نفس الصندوق الذهني مثل استهداف رؤساء الدول، استهداف السفراء كاستهداف الشركات الكبرى ومقاولي الدفاع».
محامون معرضون لخطر المراقبة
ويبرز المحامون بشكل كبير في البيانات المسربة.
وتم اختيار رودني ديكسون، المحامي البارز المقيم في لندن، والذي تولى العديد من قضايا حقوق الإنسان البارزة، للاستهداف في عام 2019. وأظهر تحليل الخبراء لجهازه نشاطا مرتبطا ببرنامج Pegasus، ولكن لم تكن هناك إصابة ناجحة.
وكان من بين عملائه ماثيو هيدجز، طالب الدكتوراه البريطاني الذي سُجن في الإمارات، وخديجة جنكيز، خطيبة الصحفي السعودي المقتول جمال خاشقجي. وتم استهدافها أيضا باستخدام Pegasus، حيث أظهر فحص الخبراء للهاتف دليلا على نجاح العدوى.
وقال ديكسون: «لا ينبغي استهداف أي شخص بهذه الطريقة. بالنسبة للمحامين، فإن هذا مثير للقلق بشكل خاص لأنه ينتهك المبادئ الأساسية لعلاقة المحامي والموكل المميزة والسرية، وهما أمران أساسيان للإجراءات القانونية العادلة».
يُظهر تحليل الخبراء لهاتف محامي حقوق الإنسان الفرنسي جوزيف بريهام أنه تعرض للاختراق عدة مرات من بيجاسوس في عام 2019، وتشير السجلات المسربة إلى أنه تم اختياره سابقا للاستهداف المحتمل من قبل المغرب.
وقال: «لا يوجد مبرر محتمل لدولة أجنبية للتجسس على محام فرنسي.. لا يوجد مبرر على المستوى القانوني أو الأخلاقي».
وظهر في البيانات المسربة اثنان من المحامين الذين رفعوا دعوى قضائية ضد NSO نيابة عن عمر عبد العزيز، وهو سعودي يعيش في المنفى في كندا. كان عبد العزيز متعاونا وثيقا وصديقا لخاشقجي. ولم يعثر تحليل الهواتف المحمولة للمحامين على أي دليل على أي محاولة لاستخدام برنامج Pegasus ضدهما.
وقال أحد المحامين، طالبا عدم ذكر اسمه: «لا يقتصر الأمر على اختراق الأشخاص بسبب أنشطتهم السياسية، ولكن إذا كان هؤلاء «الضحايا» يسعون إلى أي نوع من المساءلة، فسوف يلاحقون الأشخاص الذين يساعدونهم».
وقال متحدث باسم الحكومة الهندية: «المزاعم المتعلقة بالمراقبة الحكومية لأشخاص محددين ليس لها أساس ملموس أو حقيقة مرتبطة بها على الإطلاق». و لم تستجب حكومات المغرب وأذربيجان والمكسيك لطلبات التعليق حتى وقت النشر.
وزعمت NSO Group أنها ستقطع طريق العملاء إذا أساءوا استخدام Pegasus. وردا على التحالف، نفت أن تكون السجلات المسربة دليلا على استهداف شركة Pegasus، وقالت إنها «ستواصل التحقيق في جميع الادعاءات الموثوقة بشأن إساءة الاستخدام واتخاذ الإجراءات المناسبة بناء على نتيجة هذه التحقيقات».
ويمكن أن يكون لاستخدام برامج التجسس والقرصنة في بلد مثل أذربيجان، حيث يبدو أن تشويه سمعة الناشطين سياسة حكومية، تأثير مخيف ليس فقط على المستهدفين، ولكن عبر المجتمع المدني.
وقال صامد رحيملي، محامي حقوق الإنسان الأذربيجاني، والذي ورد رقمه في البيانات، إن استخدام الابتزاز الجنسي جعل الحياة صعبة على الناشطين في البلاد، وخاصة الناشطات. «ويخشى الكثير من الناس أن يعيشوا حياتهم الشخصية بطريقة طبيعية. كما يواجه الكثيرون مشاكل نفسية وقد لجأوا للمختصين».