شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«فورين أفيرز»: على أميركا التوقف عن توفير الغطاء لنظام السيسي «الغاشم»

طالبت مجلة فورين أفيرز، في مقال للكاتبة سارة ليئة ويتسون، الرئيس الأميركي جو بايدن، بوقف تمويل نظام عبد الفتاح السيسي عبر المساعدات الاقتصادية والعسكرية.

 

ورأت المجلة في مقال ترجمته «عربي21»، أن القمع الذي يمارس في مصر ليس عرضيا أو ليس منتجاً ثانوياً ناجماً عن تجاوزات معينة، وإنما هو استراتيجية متعمدة وأساسية ينتهجها النظام الدكتاتوري من أجل الحفاظ على بقائه.

 

وأضافت أنه وإذ يقترب بايدن من منتصف سنته الأولى في منصب الرئاسة، ينبغي عليه أن يفي بما وعد به من إعادة تعيير مقاربة واشنطن مع القاهرة.

 

ورأت أنه بالنسبة للولايات المتحدة، هذه ليست مشكلة أخلاقية فحسب، وإنما أيضا مشكلة قانونية؛ فالمساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان تمثل انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الأمريكي ذاته.

 

وهذا نص المقال كاملا:

منذ أيامه الأولى في الحملة الرئاسية عام 2020، وعد الرئيس الأميركي جو بايدن بإعادة النظر في علاقة واشنطن بالحكومات السلطوية. وفي تغريدة لم تكن معتادة في فظاظتها في شهر يوليو الماضي، خص بايدن المرشح حينذاك بالذكر واحداً من أبشع الطغاة وأكثرهم انتهاكاً لحقوق الإنسان، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، متعهداً بأنه «لا مزيد من الشيكات على بياض لدكتاتور ترامب المفضل». إلا أن العلاقات الأميركية المصرية حتى الآن لم تزل كالمعتاد.

لا يوجد كثير خلاف على أن حكم السيسي، وهو دكتاتورية عسكرية بكل ما تعنيه العبارة من معنى، هو أكثر أنظمة مصر قمعاً في التاريخ المعاصر. فمنذ أن تولى السيسي السلطة في عام 2014، هوى موقع مصر في المؤشرات العالمية التي تقيس مستوى التحول الديمقراطي، ووثقت منظمات حقوق الإنسان الانتهاكات المنتظمة التي تمارسها حكومته، بما في ذلك المذابح المريعة، والإعدامات خارج القانون، والتعذيب على نطاق واسع.

 

لقد اختفت تماماً الحريات المدنية الأساسية في ظل قوانين جديدة تسمح بمحاكمة النقاد بذريعة الإرهاب. وبوجود ما يزيد عن ستين ألف مصري رهن الاعتقال بسبب «جرائم سياسية» تكاد سجون مصر تضيق بمن فيها. وفي الرابع عشر من يونيو، أصدرت المحكمة العليا في مصر قراراً بإعدام اثني عشر رجلاً، معظمهم من كبار قادة جماعة الإخوان المسلمين، بتهم ملفقة وحكمت على المئات بفترات سجن طويلة في محاكمة جماعية لما يقرب من ثمانمئة شخص.

وإذ يقترب بايدن من منتصف سنته الأولى في منصب الرئاسة، ينبغي عليه أن يفي بما وعد به من إعادة تعيير مقاربة واشنطن مع القاهرة. أنصاف الإجراءات لا تكفي: وآن الأوان للقيام بشكل تام بقطع المساعدات الضخمة التي تقدمها الولايات المتحدة كل عام للنظام المصري، والتي لا تفلح إلا في جعل الأمريكيين متواطئين مع انتهاكات السيسي.

دور نقل الأسلحة

ثمة حراك متنام في الحزبين لاستبدال مقاربة الولايات المتحدة العسكرية تجاه العالم بسياسة الانضباط والتواضع، إلا أن النقاش العام هامشي، بينما يركز أولئك الذين يؤيدون أو يندبون ما يسمى الانسحاب من الشرق الأوسط على نشر القوات وغير ذلك من أشكال الاشتباك العسكري المباشر.

 

قلة هم الذين يأخذون بالاعتبار دور نقل الأسلحة الأميركية في تعزيز قدرات الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان باعتباره الجانب الأكثر علاقة والأكثر إلحاحاً والأكثر إضراراً من حيث الهيمنة التي تمارسها الولايات المتحدة، أو يقومون بفحص ما إذا كان مثل ذلك النقل يحقق فعلاً الأهداف المعلنة له.

على مدى عقود، ضمن الزعماء المصريون عبر التدفق المستمر للأموال من واشنطن إلى القاهرة -أكثر من خمسين مليار دولار على شكل مساعدات عسكرية إضافة إلى ما يقرب من ثلاثين مليار دولار على شكل مساعدات اقتصادية منذ عام 1978- بأنهم يملكون شيئاً يراه طغاة العالم أكبر قيمة بكثير من حتى الأسلحة الأحدث والأكثر تقدماً، إنه الدعم السياسي من قبل الولايات المتحدة. وهذا التدفق المستمر من الدولارات إلى خزائنهم يبعث برسالة مهمة للمصريين العاديين أيضاً. فهما كان التعذيب أو الرعب الذي يعانونه على أيدي الدولة، فإن الولايات المتحدة تدعم حكومتهم، وفيما عدا بعض التصريحات القوية أو التعبير عن القلق من حين لآخر، لن تفعل واشنطن شيئاً لإنهاء دعمها لمن ينتهكون حقوقهم.

لا تقل المساعدة الاقتصادية الأميركية لمصر أذى عن المساعدة العسكرية. على الرغم من أن واشنطن في أوقات ما كانت توجه المساعدة الاقتصادية نحو منظمات المجتمع المدني المستقلة، إلا أن هذه المجموعات لم يعد لها وجود داخل مصر في عهد السيسي. تتحكم الحكومة المصرية بكل دولار من المساعدات التي ترد إليها، سواء بشكل مباشر أو من خلال ما يسمى المنظمات غير الحكومية التي تتحكم بها وتسيطر عليها.

بالنسبة للولايات المتحدة، هذه ليست مشكلة أخلاقية فحسب، وإنما أيضاً مشكلة قانونية؛ فالمساهمة في انتهاكات حقوق الإنسان تمثل انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الأميركي ذاته. فعلى غير شاكلة «قوانين ليهي» التي تقيد بشكل ضيق المساعدة العسكرية الأمريكية إلى وحدات عسكرية معينة تبين أنها تنتهك حقوق الإنسان، فإن الفقرة 502 ب من قانون المساعدات الخارجية الأمريكية لا يميز بين الأقسام المختلفة لأي حكومة. إذا كانت حكومة ما ضالعة في انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان، فإن أياً من وجميع المساعدات الأمنية الواردة إليها من الولايات المتحدة تصبح محظورة. لم يسبق أن طبقت الفقرة 502 ب لحظر نقل الأسلحة إلى أي حكومة تنتهك حقوق الإنسان، فالقيام بذلك يتطلب أن يقدم الرئيس إشعاراً مكتوباً إلى الكونغرس تحت عنوان “ظروف استثنائية” لتبرير القيام بنقل الأسلحة إلى دولة تخلص وزارة الخارجية إلى أنها تنتهك حقوق الإنسان بشكل منتظم. إلا أن الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء تجاهلت القانون، وعندما سئلت عن ذلك وزارة الخارجية في عام 2014، أقرت بأنها لم يسبق أن طبقت الفقرة 502 ب لأنها «يغلب عليها التعميم». ولكن إذا ما وجدت حالة يستوجب أن تقوم إزاءها إدارة بايدن بعملها، فهذه هي. إذ أن الولايات المتحدة من خلال تقديم الدعم العسكري لحكومة تعتبر انتهاكاتها لحقوق الإنسان منتظمة وواسعة الانتشار مثل مصر، فإنها بذلك تصبح شريكة في جرائم حكومة السيسي. لم يعد من الممكن أن تتظاهر بأن العون الأمريكي لا يلعب دوراً حيوياً في تعزيز الدكتاتورية الغاشمة.

محاولات ربط المساعدات بشروط

على مدى عقود، حاول أعضاء الكونجرس اشتراط أن تكون المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر مرتبطة بقيام الحكومة المصرية باتخاذ مبادرات محددة دعماً لحقوق الإنسان – مثل إلغاء قانون يمارس القمع بموجبه أو إطلاق سراح مجموعة من السجناء السياسيين. ولكن نظراً لأن هذه الجهود -التي يبدأها في العادة أعضاء في الكونجرس يطالبون وزارة الخارجية بالضغط على مصر- تقوم على الفرضية الخاطئة بأن مساعدات الولايات المتحدة سوف تستمر أو ينبغي أن تستمر، ينتهي بهم المطاف إلى تبرير استمرار الدعم المقدم إلى مصر دون إنجاز أي إصلاحات ذات معنى.

أي حسبة أكثر نزاهة ستخلص إلى أن القمع الذي يمارس في مصر ليس عرضياً أو ليس منتجاً ثانوياً ناجماً عن تجاوزات معينة، وإنما هو استراتيجية متعمدة وأساسية ينتهجها النظام الدكتاتوري من أجل الحفاظ على بقائه. لم يغب عن بال السيسي أن ثورة 2011 المصرية، والتي تمخضت عن الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، إنما انطلقت بعد أن خفف مبارك القيود المفروضة على التعبير السياسي. ومثل جميع الطغاة في المنطقة، يعتقد السيسي أنه يمارس لعبة صفرية: فالمزيد من الحريات يعني خطراً أكبر قد ينجم عنه الإطاحة بنظامه. ولهذا ما كان السيسي لينصاع إلى المطالبات بإجراء أي إصلاحات ذات معنى. إذا ما أجبر على الاختيار بين فقدان المساعدات العسكرية الأمريكية وتخفيف قبضته، فسوف يختار دوماً التخلي عن المساعدات.

والأكثر من ذلك أن فكرة أن الولايات المتحدة سوف تسحب مساعداتها لمعاقبة مصر على انتهاكاتها لا مصداقية لها بكل بساطة، والسيسي يعرف ذلك جيداً. لم يحدث سوى مرة واحدة خلال الأربعين عاماً الماضية أن أمسكت الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية إلى مصر، وحينها حصلت على تنازلات ضئيلة. في عام 2002 عطل الرئيس جورج دبليو بوش الموافقة على طلب مصر زيادة قدرها 133 مليون دولار من المساعدات الخارجية بعد صدور حكم بالسجن سبع سنين على الأستاذ الجامعي المصري الأمريكي سعد الدين إبراهيم بسبب دفاعه عن حقوق الإنسان. بعد أربعة شهور ما لبثت محكمة مصرية أن برأت سعد الدين إبراهيم وتلا ذلك موافقة بوش على الزيادة. كل التوقيفات المؤقتة الأخرى للمساعدات كانت تنتهي دوماً بالإنهاء بفضل الإعفاءات المرتبطة بالأمن القومي وفي بعض الأوقات المزاعم الملفقة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية بأن مصر استجابت للشروط المتعلقة بالأمر.

والآن، ورث بايدن حزمة مساعدات لعام 2022 تتضمن، ولأول مرة، شرطاً «غير قابل للإعفاء» فرضه الكونغرس على 75 مليون دولار من المساعدات لمصر تتطلب «تقدماً واضحاً ومتوافقاً بشأن إطلاق سراح السجناء السياسيين، ومنح المعتقلين إجراءات قانونية عادلة»، وهذا يمثل أقل من خمسة بالمائة من حزمة المساعدات المقدمة لمصر في عام 2022 والبالغة 1.3 مليار دولار. هناك 225 مليون دولار أخرى مشروطة ولكن بالإعفاء المعتاد المتعلق بالأمن القومي، والذي يتوقع أن يمارسه وزير الخارجية أنطوني بلينكن، حيث أنه من المتوقع أن يقوم بإعفاء في شهر أغسطس يتعلق بالشروط المفروضة على 300 مليون دولار من المساعدات المشروطة لعام 2021.

أولت الإدارات المتعاقبة الأولوية لإطلاق سراح المعتقلين من الأمريكيين المصريين ونشطاء حقوق الإنسان المصريين، ونجحت في ضمان إطلاق سراح مواطنين أمريكيين بعد سنوات من التعذيب والسجن. في إحدى الحالات المشهورة، أخفقت التهديدات المتكررة بتعليق المساعدات وحتى المناشدات الشخصية من قبل نائب الرئيس مايك بينس في ضمان إطلاق سراح مصطفى قاسم، وهو أميركي مصري اعتقل لست سنين وتوفي وهو في محبسه في يناير من عام 2020. مع كل إطلاق سراح ناجح، كان السيسي يسارع إلى اعتقال العديد من الأشخاص عوضاً عمن أفرج عنهم، بما في ذلك أفراد عائلات نشطاء أمريكيين مصريين، حيث يستخدمون كأوراق تتم المساومة عليها في الجولة القادمة من مطالبات الإصلاح.

لا يمكن التقليل من قيمة حياة من تم إنقاذهم من السجناء، إلا أن النشاط الحقوقي الذي يركز على ضمان إطلاق سراح السجناء من خلال الإلحاح على فرض شروط على المساعدات قد يساهم أيضاً في خلق مخاطر أخلاقية وسياسية، حيث يشتت طاقات المدافعين الذين لا يسأمون العودة إلى أسطورة فرض شروط على المساعدات في سبيل تحقيق إصلاحات، ويشغل عن التصدي للضرر الأكبر بكثير والناجم عن الاستمرار في دعم دكتاتورية غاشمة غير قابلة للإصلاح.

تمويل السلطوية

دائماً ما يبرز عدد من الاعتراضات رداً على أي اقتراح بأنه ينبغي على الولايات المتحدة التوقف عن تمويل السلطوية المصرية. وهذه ناجمة عن شعارات قديمة عفا عليه الزمن حول المصالح الأمنية للولايات المتحدة الأمر الذي أفضى إلى مقاربة كسولة وانهزامية وغير إبداعية وضارة. لقد أخفقت الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة في تحديث العلاقة مع مصر بطريقة تعكس المصالح الاستراتيجية والأمنية للولايات المتحدة في يومنا هذا. سوف يدعم الشعب الأمريكي قراراً تصدره حكومته بوقف تسليح الطغاة في الشرق الأوسط، ولهذا السبب جعل بايدن من ذلك وعداً مركزياً لحملته الانتخابية. والآن لديه فرصة لتطبيع العلاقة مع مصر بحيث تصبح أكثر انسجاماً مع المصالح القومية الفعلية للولايات المتحدة.

بادئ ذي بدء لم تعد «إسرائيل» بحاجة إلى الولايات المتحدة حتى ترشي مصر للإبقاء على صفقة السلام الإسرائيلية المصرية، فالتحالف بين البلدين في هذه اللحظة أقوى وأكثر فائدة للطرفين مما عليه حال علاقة أي منهما مع واشنطن. تبث وسائل الإعلام الرسمية في مصر بشكل منتظم هجمات لفظية جارفة ضد إسرائيل الغرض منها إرضاء المصريين الذين مازالوا ينتقدون بشدة قهر إسرائيل للفلسطينيين. إلا أن الحكومتين الإسرائيلية والمصرية تتمتعان بروابط قوية عسكرية واستخباراتية متبادلة وتتعاونان معاً للإبقاء على الناس في سيناء وفي غزة تحت السيطرة.

توسعت هذه الروابط بشكل كبير منذ انقلاب عام 2013 والذي أيدته «إسرائيل»، وجاء بالسيسي إلى السلطة. منذ ذلك الحين، نفذت مصر وإسرائيل عمليات عسكرية مشتركة في سيناء تضمنت قيام إسرائيل بالمئات من الغارات الجوية دعماً لمصر في حربها ضد التمرد المستمر هناك. كما يقوم البلدان معاً بإغلاق المنافذ مع غزة ويتبادلان فيما بينهما المعلومات الاستخباراتية حول حماس وغيرها من المجموعات المسلحة. ولم تتوان مصر عن حمل مسؤولية المساعدة في ضمان أمن الحدود الإسرائيلية، بما في ذلك إطلاق النار على المهاجرين وطالبي اللجوء القادمين من أفريقيا وقتلهم إذ يحاولون الوصول إلى إسرائيل عبر مصر.

كما أن مصر و«إسرائيل» والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بينها الآن تحالف إقليمي قوي. وعلى الرغم من أن مصالحها ليست متوافقة تماماً إلا أنها تتعاون فيما بينها في تنفيذ مهام مشتركة الغرض منها الحفاظ على هيمنتها الإقليمية في مواجهة من تعتبرهم خصوماً لها، بما في ذلك إيران وقطر وتركيا وكذلك الحركات الإسلامية والحركات المناصرة للديمقراطية في مختلف أرجاء المنطقة. وتعمل حكومات هذه الدول بتناغم معاً للضغط على واشنطن والدفاع عن مبيعات ونقل السلاح إلى بلدانها. كما يشكل تحالفها سياجاً تسعى من خلالها إلى الحيلولة دون أن تتخذ واشنطن مواقف أكثر تشدداً مع أي منها. والنتيجة هي أن وقف المساعدات الأميركية لمصر لن يكون له أي أثر على ما بات الآن علاقة عميقة وراسخة بين مصر و«إسرائيل».

والتبرير الآخر المألوف للدفاع عن بقاء المساعدات الأميركية لمصر هو المعاملة التفاضلية التي توفرها مصر للسفن الحربية الأمريكية التي تمر من خلال قناة السويس وحقوق التحليق الجوي التي تقدمها القاهرة لواشنطن وتستفيد منها الطائرات العسكرية الأميركية أثناء عبورها المجال الجوي المصري. إلا أن ثمة خديعة في الزعم بأن 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية بإمكانها ضمان هذه الامتيازات أو أن ذلك هو ثمن مناسب مقابل تلك الفوائد. لو كان هذا العبور الخاص ذا قيمة معتبرة بالنسبة للجيش الأميركي، حينها بإمكان واشنطن أن تدفع مقابلها بموجب خطة تسعير مصممة، في أحسن الأحوال على شكل علاوة على الأسعار التي تفرضها مصر على البحرية الأمريكية وعلى الدول والشركات الأخرى مقابل كل سفينة تمر عبر قناة السويس. ينبغي على إدارة بايدن معاملة شراء مثل هذا العبور باعتباره تعاقداً تجارياً لا أكثر.

 

وإذا لم تتمكن الحكومتان من التوصل إلى اتفاق حول السعر، فلن تكون تلك نهاية المطاف. بل يمكن إيجاد خطوط بديلة، بحراً وجواً، وقد تكون هذه أعلى تكلفة وتتطلب وقتاً أطول، ولكنها موجودة. يعتبر تنويع خطوط الملاحة البحرية والجوية أمراً حكيماً من الناحية الاستراتيجية، ولا أدل على ذلك من الأزمة التي انبثقت عن الانسداد الذي تعرضت له قناة السويس مؤخراً.

كما يحذر المدافعون عن الوضع القائم من أن مصر سوف تسعى نحو استبدال الحماية الأمريكية بدعم من الصين أو روسيا. وهذا يفترض خطأ بأن المساعدات الأميركية تحد من تعاملات مصر مع منافسي الولايات المتحدة وتضمن ولاء القاهرة حين يتعلق الأمر بمشتريات السلاح. إلا أن مصر قامت فعلاً بالتنويع، ولم تعد الولايات المتحدة هي المزود الرئيسي لأسلحة مصر، حيث تشتري مصر الآن ما نسبته خمسة عشر بالمائة من أسلحتها من الولايات المتحدة مقارنة بنسبة 47% في عام 2010.

إعادة التفكير في العلاقة

لا يعني إنهاء المساعدات الأميركية العسكرية والاقتصادية لمصر إنهاد العلاقة بشكل تام. لا يوجد سبب يحول دون أن يستمر البلدان في البحث عن فرص المشاركة والتعاون فيما يعود عليها معاً بالفائدة مثل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب أو التنسيق بشأن الصراعات الإقليمية، مثل استضافة مصر للحوارات حول وقف إطلاق النار الأخير في غزة. كما لا يوجد سبب يحول دون أن تتمكن الولايات المتحدة من الاستمرار في السعي لإبرام صفقات تجارية وتشجيع الاستثمار في مصر أو القيام بتبادلات تعليمية وثقافية.

لا عجب أن يكون أكبر الداعمين لاستمرار المساعدات هم الذين يربحون من وجودها، ألا وهم الحكومة المصرية ومقاولو الدفاع الأميركيين، بما في ذلك رايثيون ولوكهيد مارتن، التي تصنع أنظمة التسليح التي تشتريها القاهرة بالأموال التي تصلها من واشنطن. ينبغي على إدارة بايدن إنهاء هذه الممارسة المستمرة منذ عقود والتي تسمح لأصحاب المصالح الخاصة برسم سياسة الولايات المتحدة. إن المساعدة الأميركية لمصر خطأ تاريخي ضار، ولقد آن لهذا الخطأ أن يصوب.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023