شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تركيا.. كي لا تكون كالتي نقضت غزلها

كتب-إسماعيل ياشا:

طلبت أنقرة قبل أيام من إعلاميين مصريين معارضين لنظام السيسي الانقلابي التوقف عن أنشطتهم الإعلامية من داخل تركيا، استجابة لمطالب القاهرة، في ظل المباحثات الجارية بين البلدين للوصول إلى المصالحة، والتفاهم في الملفات الإقليمية، وترميم العلاقات التركية المصرية.

هذه الخطوة كانت متوقعة بعد أن أبدت أنقرة رغبة شديدة في التقارب مع مصر، من أجل الحفاظ على حقوقها ومصالحها في شرق المتوسط، بالإضافة إلى مواجهة الخطط التي تهدف إلى محاصرتها. ويبرر مقربون من الحكومة التركية المباحثات الجارية بين أنقرة والقاهرة بأن الأزمة التي تفجرت بين البلدين بعد الانقلاب العسكري في مصر لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، وأن القطيعة لا بد من أن تنتهي يوما، حتى وإن لم يحكم مصر نظام ديمقراطي يمثل إرادة الشعب المصري.

تركيا وقفت إلى جانب الشعوب، وأيدت مطالبتها بالديمقراطية خلال ثورات الربيع العربي، ودفعت ثمن هذا الموقف المشرف غاليا، إلا أنها كسبت قلوب الشعوب الثائرة. ومن المؤكد أنها لن تستطيع أن تتحمل وحدها أعباء هذا الموقف لمدة طويلة، في الوقت الذي تخلت فيه كافة دول العالم عن دعم مطالب الشعوب، باستثناء دولة أو دولتين، ووقفت معظمها، بما فيها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الأنظمة الدكتاتورية.

أنقرة قد تكون مضطرة إلى تخفيف التوتر والمصالحة مع مصر وغيرها للحفاظ على حقوقها ومصالحها، إلا أنها في ذات الوقت يجب أن توازن بين متطلبات الأمر الواقع والتطلعات للمأمول، وبين الواقعية السياسية والمواقف المشرفة المبنية على القيم والمبادئ، وأن لا تعمل اليوم أو غدا ما يمحو حسنات الأمس، حتى لا تكون “كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا”، لتفقد رصيدها لدى الشعوب الحرة. كما أنها يجب أن لا تنسى أن الأنظمة تأتي وتذهب، وأن الشعوب هي الباقية.

النظام الانقلابي في مصر لا يراعي حقوق الشعب المصري ومصالحه، بقدر ما يراعي الحفاظ على كرسي قائد الانقلاب واستمرار وصاية الجيش على الشؤون السياسية والاقتصادية وكافة مناحي الحياة. ولذلك لا تتطابق أولويات القاهرة مع أولويات الشعب المصري، وما أخشى منه هو أن النظام الانقلابي المتلكئ قد يضع أمام أنقرة شروطا أخرى أبعد من وقف برامج الإعلاميين المعارضين، ليدفع تركيا باتجاه الاعتذار عمليا عن جميع مواقفها المشرفة.

الحكومة التركية قد تتقدم بخطوات لتحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة، إلا أن الشعب التركي لم يتغير موقفه من الانقلاب العسكري، ولا من السيسي ونظامه الدموي. إلا أنه يؤيد أيضا تلك الخطوات التي تهدف إلى التقارب والتفاهم بين تركيا ومصر، كي لا يصطدم البلدان.

الدول قد تغير سياساتها الخارجية وفقا للظروف والمصالح والتوازنات، وتقترب من هذه وتبتعد عن تلك، إلا أن الحقائق لا تتغير. وبالتالي، ليس من الضروري أن تغير الشعوب آراءها حسب تحالفات الدول وعلاقاتها. ويبقى عبد الفتاح السيسي، على سبيل المثال، انقلابيا مجرما غدر بأول رئيس منتخب، وأسقطه، وقتله بدم بارد، كما اغتصب إرادة الشعب المصري بقوة السلاح، وحوَّل البلاد إلى منصة كبيرة للإعدمات، وضيَّع حقوق مصر ومصالحها.

الشعب التركي تعاطف مع الشعب المصري حين ملأ الأخير ميدان التحرير، وثار على نظام حسني مبارك، مطالبا بالحرية والكرامة والديمقراطية وإنهاء وصاية الجيش على النظام السياسي. وشارك في حزنه يوم الانقلاب على إرادته الديمقراطية، وقتل وجرح عشرات المدنيين العزّل خلال فض الاعتصامات في ميداني النهضة ورابعة العدوية. وما زال يؤمن بأن الشعب المصري يستحق حكومة منتخبة تدير شؤون البلاد دون تدخل الجيش، ومن المؤكد أنه سيقف إلى جانب الشعب المصري في أي ثورة أخرى تنفجر في وجه الانقلابيين.

الإعلاميون المصريون المعارضون الذين طلبت السلطات التركية منهم وقف أنشطتهم في الأراضي التركية، أبلوا بلاء حسنا في كشف الحقائق وفضح فساد الانقلابيين. ولذلك، أصبح إسكاتهم على رأس مطالب نظام السيسي في المباحثات الجارية بين أنقرة والقاهرة. ويؤسفني، كصحفي تركي مؤيد لثورة الشعب المصري، أن لا يجد هؤلاء الزملاء متسعا في بلدي لأنشطتهم الإعلامية، إلا أن أرض الله واسعة. وأسأل الله أن يوفقهم في نضالهم الإعلامي، ويبارك فيه، حتى يعودوا إلى بلادهم بعد سقوط النظام الانقلابي، ليواصلوا أنشطتهم في أم الدنيا بكل حرية تحت حكم نظام ديمقراطي يمثل إرادة الشعب المصري.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023