علق ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية في تركيا، على أحكام الإعدام الصادرة في قضية “فض اعتصام رابعة”.
وقال أقطاي في مقال على صحيفة “يني شفق”، إنه بصرف النظر عن شرعية الانقلاب من عدمها، إلا أنّ إصدار قرار الإعدام بشكل جماعي بحق مئات الأشخاص لا يمكن تخيله فضلا عن الإقرار به، ولا يمكن أن يصدر كأي قرار عادي عن محكمة شفافة عادلة، مهما كانت مزاعم الاتهام مقنعة.
وأضاف أنه لا يمكن وصف هؤلاء الذين يحاكمون بالإعدام على أنهم جناة أو مجرمون، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك إنصاف على الإطلاق في قيام الانقلابيين بشنّ انقلاب دموي وفوق ذلك بإعدام من تبقى بشكل جماعي.
وربط أقطاي ما بين قرارات الإعدام السياسية في مصر، وخطر الجفاف بسبب ملء سد النهضة، مشيرا إلى أن ما يجري سيؤدي لانفجار اجتماعي بعيدا حتى عن الانفجارات السياسية. وحتى لا يعثر هذا الانفجار الاجتماعي على قائد أو زعيم سياسي ما، بدأت قرارات الإعدام من الآن كإجراء احترازي يهدف لردع الكيانات السياسية الموجودة، ومواجهة أي تحرك اجتماعي محتمل.
وتاليا نص المقال بالكامل:
مع اقتراب الذكرى الثامنة للانقلاب العسكري في مصر، صادقت محكمة مصرية على قرار صدر مسبقًا بإعدام 12 شخصًا بينهم وزراء في الحكومة المنتخبة التي أطاح بها الانقلاب، فضلًا عن شخصيات في حزب تلك الحكومة. من بين هؤلاء الـ12 شخصًا؛ وزير الشباب والرياضة السابق أسامة ياسين، والبروفسور د. عبد الرحمن البر، وصفوت حجازي، إلى جانب محمد البلتاجي الأمين العام لحزب الحرية والعدالة (المنحل)، وهو والد الفتاة الشهيدة أسماء البلتاجي التي سقطت شهيدة برصاص القناصة في ميدان رابعة العدوية.
في الواقع يشير البعض إلى أن الرصاص الذي استهدف أسماء كان يبحث عن البلتاجي ويستهدفه بشكل مباشر عبر ابنته. وفي اليوم الذي قُتلت فيه أسماء قُتل أكثر من ألف إنسان بأقسى الطرق وحشية، بينما أصيب الآلاف أيضًا.
وتم اقتحام مستشفى الميدان حيث كان يتجمع الجرحى هناك، ليُحرق المستشفى مع من بداخله. وعلى الرغم من كل هذا العنف والقسوة فلم يصدر عن المحتشدين في الميدان أي مقاومة هجومية تُذكر. كل ما فعلوه فقط هو التجمّع في الميدان لمدة شهر كي يعلنوا رفضهم الاعتراف بالانقلاب على الحكومة الشرعية.
كل ذلك كان يحدث على مرأى ومسمع من العالم. كان بإمكان الجميع أن يتابع ويشهد على ذلك بشكل حي مباشر، حيث كانت العديد من القنوات التلفزيونية حول العالم تعرض مشاهد الاقتحام على الهواء مباشرة.
حينما نفد صبر إدارة الانقلاب أمام الحشد الذي يتجمع في ميدان رابعة؛ شرعت اعتبارًا من يوم 14 أغسطس/آب بأكبر اقتحام دموي في تاريخ مصر الحديث، لفض هذا الحشد السلمي والذي لم يقم بأي حركة عنف طيلة مدة اعتصامه.
تم اعتقال كل من تم القبض عليهم أحياء خلال فض الاعتصام، ولا يزال هناك عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في أشد الظروف وأقساها داخل السجون.
حوكم بعض المعتقلين بشكل فوري على عجل وصدر حكم الإعدام بحقهم بشكل جماعي. وفي يوم واحد فقط في شهر أبريل عام 2014، قرأت محكمة مصرية قرار الإعدام الصادر بحق 529 شخصًا دفعة واحدة.
بصرف النظر هنا عن شرعية الانقلاب من عدمها، إلا أنّ إصدار قرار الإعدام بشكل جماعي بحق مئات الأشخاص لا يمكن تخيّله فضلًا عن الإقرار به، ولا يمكن أن يصدر كأي قرار عادي عن محكمة شفافة عادلة، مهما كانت مزاعم الاتهام مقنعة.
لا يمكن وصف هؤلاء الذين يحاكمون بالإعدام على أنهم جناة أو مجرمون، بل هم مجرد ضحايا العنف الذي فُرض عليهم. لا يمكن أن يكون هناك إنصاف على الإطلاق في قيام الانقلابيين بشنّ انقلاب دموي وفوق ذلك بإعدام من تبقى بشكل جماعي.
إن مشاهد وصور هذه الإعدامات الجماعية المتكررة في العصر الحديث لمصر التي تعتبر مركز الحضارة القديمة، تعتبر مروّعة وكارثية.
مصر اليوم ليست دولة تستحق أن تُذكر بمثل هذه الإعدامات الجماعية، أو تُميّز بأنها بلد الإعدام. في حين أن منظمات حقوقية دولية تشير إلى أن مصر من بين أسوأ دول العالم تطلعًا من حيث مسألة حقوق الإنسان.
إن مشاهد الإعدام الجماعية تشير إلى واقع يريد قتل من لم يتمكنوا من قتله خلال فض اعتصام رابعة ومطاردة الناس، حيث إن من لم يتمكنوا من قتله آنذاك يُقتل اليوم عبر قرارات الإعدام الجماعية. بيد أنه من المفترض بكل الأحوال أن تتم محاكمة من قام بفض ميدان رابعة بهذه الطريقة الوحشية وتسبب بمقتل أكثر من ألف إنسان.
حتى الآن لم يتم تحميل المسؤولية لأحد، ولم يحاكم أحد بسبب مقتل الأبرياء هناك. إلا أن ما جرى هو اعتقال الآلاف تحت ظروف سجن قاسية للغاية، وتطبيق حكم الإعدامات الجماعية، ليتم بهذه الطريقة قتل من لم يُقتل خلال فض الاعتصام.
من المؤكد تمامًا أنه لا علاقة على الإطلاق بين العدالة وبين قرارات الإعدام السياسية، لا سيما وأنها أصبحت ديدنًا عقب انقلاب من هذا النوع، لتصبح نظامًا روتينيًّا. وإن مثل هذه الإعدامات حينما تصدر فإنما تصدر بدافع إما الانتقام أو تصفية المعارصين السياسيين، وبهذا الشكل تتحول إلى جريمة ضد الإنسانية لا تهم مصر وحدها، بل الإنسانية جمعاء.
لا أحد يمتلك رفاهية اللااكتراث ليقول بأن هذه القرارات مسألة داخلية في بلد ما ثم يتنحى جانبًا بصمت. وكذلك لا تحمل التبريرات الصادرة عن السلطات المصرية في هذا الصدد أي قيمة.
وإن مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان يهمني بشكل كبير للغاية، لأنني إنسان أولًا ومسلم ثانيًا.
حتى خلال حقبة الاستعمار البريطاني في مصر، لم تشهد إصدار أحكام إعدام جماعية بهذا الشكل.
إن الذين يتعرضون للإعدامات الجماعية هم أبناء مصر ذاتها، ولديهم من الحقوق التي سلبت منهم كمدنيين وما تعرضوا له من اضطهاد يفوق ما ينسب إليهم من اتهامات.
في الحقيقة، إن استمرار مصر في أحكام الإعدام الانتقامية في وقت هي بأمس الحاجة فيه إلى مزيد من الدعم الشعبي، والمزيد من إدارة التفهم والتصور الدبلوماسي على صعيد الساحة الدولية بسبب ملف سد النهضة مع إثيوبيا، يشير إلى أن العقل السياسي الجاد معطّل تمامًا.
وفي الواقع هناك تحليل آخر، يقول إن قرار الإعدام الأخير جاء كإجراء احترازي في ظل الدعم الشعبي المتضائل، أملًا في أن لا يصل إلى مستوى الغليان والانفجار.
إن مصر معرضة لخطر الجفاف الشديد وبالتالي المجاعة، بسبب ملء سد النهضة. ومن المرجح جدًّا أن يؤدي هذا الجفاف ومن بعده المجاعة إلى حالة انفجار اجتماعي بعيدًا حتى عن الانفجارات السياسية. وحتى لا يعثر هذا الانفجار الاجتماعي على قائد أو زعيم سياسي ما، بدأت قرارات الإعدام من الآن كإجراء احترازي يهدف لردع الكيانات السياسية الموجودة، ومواجهة أي تحرك اجتماعي محتمل.
لكن مهما فعلوا فإنهم لا يخدمون مصر في النهاية. لأن مصر يجب أن تكون دولة لا ترتكب فيها المجازر عبر الانتقام السياسي ومن بوابة القضاء بالتحديد. ولا يمكن لهذه الإجراءات اللاعقلانية أن تقضي على الخطر، إن وجد، بل إنها بحد ذاتها في الواقع لا تفيد إلا في تضخيم الخطر.
والأهم من ذلك، لا ينبغي أن تكون مصر كبلد مسلم واحدة من الأماكن التي تصبح فيها حياة الإنسان رخيصة لهذا الحد. وإن الناس الذين يتم تجاهل حياتهم واسترخاصها هم أناسنا. الشعب المصري جميعه إخوة لنا، وأي شيء سيء يحدث لهذا الشعب يحزننا كثيرًا للغاية.