شبكة رصد الإخبارية

ليست «تل الربيع» ولا مدينة فلسطينية.. ما قصة «تل أبيب»؟

مخيمات المهاجرين اليهود على شواطئ يافا المحتلة 1915

يشاع دائما اللغط حول «تل أبيب»، بين من يسمونها على أنها «عاصمة دولة إسرائيل» المزعومة، وبين من يدافعون عن فلسطينية أرضها معتقدين أنها كانت مدينة فلسطينية فيقولون إنها «تل الربيع»، فما حقيقة «تل أبيب»؟

شاطئ يافا، عروس الساحل الفلسطيني

يقيم الاحتلال دولته المزعومة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي أخذها بقتل أهلها أو تهجيرهم تحت ظروف قهرية، حيث هدم مئات القرى، وهجّر مئات الآلاف من بيوتهم، وأكثر هذه المناطق التي أخذها، كانت التي احتلها عام 1948، في النكبة.

وقبل أن يأتي الاحتلال والعصابات الصهيونية وتأخذ الأرض في حرب النكبة، فإنها مهدت لذلك بالاتفاق مع كثير من اليهود المؤمنين بفكرة الصهيونية، قبل الاحتلال بعشرات السنين.

الهجرة اليهودية

هؤلاء اليهود قدموا إلى فلسطين عن طريق الهجرة، فارين من البلاد الأوروبية، إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقبلهما لما كانوا يتعرضون له من معاملةٍ سيئة من قبَل الأوروبيين، ومن طرفٍ آخر، قدم عددٌ منهم كلاجئين وفي قرارة نفسهم أنهم يؤسسون نواة وطنهم القومي المزعوم.

قدموا إلى فلسطين، واستأجروا أراضي وبيوتا في أماكن مختلفة، ومع زيادة هذه الهجرة، التي تبين فيما بعد أنها كانت مرتبة، زاد عددهم، منهم قلة يهودية تعترف بأنها تستأجر أراضي من الفلسطينيين، وأن إقامتهم بغرض الإقامة لا أكثر، تحت اسم دولة فلسطين.

مخيمات المهاجرين اليهود على شواطئ يافا 1915

وكثيرون آخرون من اليهود آمنوا بالصهيونية، وأصبحت هجرتهم بغرض التميهد للدولة المزعومة، تكتّلوا في مناطق معينة، وأصبحت لهم أحياءٌ ذات أغلبية يهودية، ستصبح فيما بعد مهدًا للاحتلال، وبؤرةً للخيانة في الداخل بينما عصابات الصهيونية على أعتاب البلدات.

في البداية كانت حارة

ضمن هذه الأماكن كانت حارة واحدة في شمالي مدينة يافا الفلسطينية المحتلة، وهذه الحارة اسمها «أحوزات بايت»، (تقع الآن جنوب تل أبيب)، ثم بعدها سًميت الحارة «شارع هرتزل» مؤسس الحركة الصهيونية. (هذا الشارع قصفته المقاومة الفلسطينية أثناء ردها خلال العدوان الأخير على غزة، في ذكرى النكبة).

عدد من اليهود الصهيانة في تأسيس تل أبيب عام 1909

عام 1909، (أي قبل النكبة بـ39 سنة وبعد موت هرتزل بـ5 سنوات)، في ظل بقاء فلسطين تحت الحكم العثماني، قررت الجماعات اليهودية بتحويله إلى مدينة، عن طريق زيادة سكان الحي من اليهود وضم الشوارع، (التي كانت في ذلك الوقت بيوتا عادية مستأجرة من فلسطينيين). وأُعلن تأسيس تل أبيب 11 أبريل 1909.

من أين جاءت تسمية تل أبيب؟

كان «هرتزل» مؤسس الصهيونية كاتبًا فاشلًا، نشر روايةً واحدة، واسمها «آلتنويلاند» بمعنى «الأرض القديمة الجديدة»، أشار فيها إلى الهجرة اليهودية، والدولة المزعومة التي يحلم بتأسيسها، تغذيةً لفكرة الصهيونية التي اخترعها وروّج لها.

كان من بين مؤلفي ومؤرخي الحركة الصهيونية، مترجم ذائع الصيت حينها، اسمه «ناحوم سوكولوف»، حين كان اليهود المقيمون بالمنطقة يخططون لبناء المدينة وتسميتها، ظلوا يفكرون باسمٍ لها، وأطلقوا أسماءً عديدة لم يستقروا عليها، إلى أن فكّر مترجم الرواية الهرتزلية، سوكولوف، في المدينة التي سيبنونها، ممَّ تتكون؟ هي عبارةٌ عن أرضٍ قديمةٍ سيجرفونها، ويبنون فوقها مدينتهم الجديدة، «التل» يشير إلى القِدَم، و«أفيف» الربيع تشير إلى التجديد، وهي ترجمة شِبه دقيقة لما قاله هرتزل بالألمانية، وهي أيضا مذكورةً بالوصف نفسه في نصوصٍ يعتقدونها، «الأرض القديمة الجديدة»، أو اسم بابلي قديم معناه «تل سنابل القمح»، فكانت «تل أفيف» المحرّفة إلى «تل أبيب»، وتقع المدينة اليهودية، التي كانت تحمل في طياتها عاصمةً للصهيونية.

من شارعٍ إلى مدينة

إذَن كانت هذه في البداية بيوتٌ مستأجرة، توسّعت على أراضي الفلسطينيين المستأجرة، ثم تحولت الحارة لشارع يشمل عددا أكبر من البيوت، ذات أغلبية يهودية، ثم زادت الشوارع فتحولت إلى حيّ، هذا الحي اعتبروه مدينة مصغرة، أطلقوا عليها اسم «تل أبيب»، بين زعمين متكاملَين، أنها الأرض القديمة الجديدة، أو تل سنابل القمح، المذكورين في نصوص قديمة يزعمونها، وكذلك ترجمة المؤرخ الصهيوني سكولوف، لرواية مؤسس الصهيونية هرتزل، التي حملت اسم «آلتنيولاند».

أميركيون في تل أبيب عام 1942

وبقيت فيها الحركة قائمة، والهجرة تزيد إليها، حتى جاء عام النكبة، وغزت العصابات الصهيونية مدينة يافا، عروس البحر، الفلسطينية، التي كانت عاصمة الجمال والحضارة والثقافة والتجارة، للفلسطينيين.

شارع روتشيلد بمدينة تل أبيب العبرية في بدايات تأسيسها

احتلال يافا وترميز تل أبيب

قام الصهاينة بمجازر واسعة في صفوف أهالي يافا التي كان يقطنها أكثر من 100 ألف نسمة، تم تهجيرهم نحو البحر، منهم مَن نجا، وكثيرون منهم غرقوا، فضلا على الذين ذبحوا في بيوتهم وقُتلوا أثناء المقاومة.

تهجير أهالي يافا عبر البحر 1948

وانتشر آلاف الصهاينة في هذه المنطقة، خصوصا مع زيادة هجرة اليهود إلى فلسطين عموما، من 600 ألف شخص إلى نحو مليون و300 ألف. ولم يبقَ في يافا كلها من 100 ألف فلسطيني، إلا 4000 فقط، دفعتهم العصابات الصهيونية إلى حي العجمي، هذا الحي أحاطه الصهاينة بأسلاك شائكة، مكدّس خلفها آخر من تبقى في المدينة.

ويافا هي مدينة من أقدم المدن الفلسطينية أنشئت على ساحل البحر المتوسط، شرقًا، قبل الميلاد بـ4000 سنة، وتبعد عن القدس غربًا بنحو 55 كيلومترا.

على أنقاض يافا

في عام 1950، سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى قلب الحقائق أكثر، فصدر قرار بضم يافا (التي كانت المدينة الحقيقية في الأصل) إلى تل أبيب (المدينة المزيفة التي بناها الاحتلال).

توسعت تل أبيب، أكثر فأكثر، لتقوم فوق أنقاض 7 قرى فلسطينية، أكبر هذه القرى هي قرية مؤنس، التي حوصر أهلها لأسابيع ودُكوا، حتى قُتل معظمهم وهُجر البقية، ومن القرى التي مُحيت أسماؤها هي «ساقيّة، الجمّاسين، أبو كبير، سلمة، صُمّيل، الشيخ مونس، المنشيّة، سارونا، السافِّرية ، العباسية، عرب السوالمة، فجة، كفر عانة، الحميدية، يازور، الخيرية، بيار عدس، أرسوف، الحرم».

وهُودت المدينة، أي صارت يهودية بفعل الحركة الصهيونية، وأصبح العرب الفلسطينيون قلةً محدودة في حي العجمي المحافظ على مظهره وطبعه القديم، جنوب يافا المحتلة، ولا يشغلون إلا نحو 3% من السكان، بينما توسعت تل أبيب وبدّلت بالأحياء القديمة أخرى جديدة، ونُسفت مظاهر القدم والتاريخ والحضارة والعراقة عن عروس فلسطين القديمة. ويصل عدد المستوطنين اليهود في تل أبيب المقامة على أنقاض قرى يافا المحتلة، إلى نحو نصف مليون نسمة.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023