حولت 7 ناقلات غاز مسارها بعيدا عن قناة السويس إلى الخط البحري القديم حول رأس الرجاء الصالح، حسبما قالت شركة “كبلر” لتحليل البيانات الجمعة، ما يشير إلى أن مشغلي السفن باتوا أقل تفاؤلا بقرب انتهاء أزمة السفينة الجانحة في الممر المائي الأكثر ازدحاما في العالم.
ووفق محللي البيانات وشركات تتبع السفن، فإن حوالي 206 سفن عالقة حاليا على مدخلي قناة السويس، الشمالي والجنوبي، وفي وسطها، بسبب جنوح السفينة “ايفر غرين” العملاقة والذي تسبب بتعليق الملاحة في قناة السويس.
ولا يتيح عرض القناة (حوالي 335 مترا)، هامشا أمام السفن للمناورة والالتفاف بعد دخولها القناة، ما يعني أن معظمها مجبر على الانتظار إلى حين حل الأزمة بتعويم السفينة العالقة، وإعادة فتح الممر أمام الملاحة.
وفي حال طالت الأزمة، وهو ما توقعه بيتر بيردوفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة “بوسكاليس” المشاركة بعملية تعويم السفينة، حين قال للتلفزيون الهولندي، الخميس، فإن عملية تعويم السفينة “قد تستغرق أياما أو أسابيع”.
ويعني طول الأزمة، تأثر جداول تسليم البضائع في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك عدد كبير من شحنات النفط والغاز، الأمر الذي يهدد بموجة ارتفاع في الأسعار.
لكن خبراء يقللون من تبعات الأزمة في قناة السويس على الأسعار العالمية، جراء انخفاض الطلب بسبب القيود والإغلاقات التي فرضتها جائحة كورونا.
** النفط والغاز
وفقا لبيانات وكالة “بلومبرغ”، فإن 10 بالمئة من تجارة النفط، و8 بالمئة من تجارة الغاز المسال تمر عبر قناة السويس، بينها نحو ثلثي النفط الخام القادم من منطقة الخليج.
وقالت شركة تحليل البيانات “كبلر”، في مذكرة، أن الأزمة أثرت بشكل فوري على مسار 16 سفينة للغاز.
ووفقا لمذكرة “كبلر”، فإن 7 سفن، بينها قطرية وأمريكية، حولت مسارها بالفعل بعيدا عن القناة نحو طريق الرجاء الصالح، فيما تنتظر 6 سفن أخرى على مداخل القناة.
وفي حال طالت الأزمة، فإنها ستؤثر على جداول التحميل في مصادر توريد الغاز، خصوصا في ميناء رأس لفان القطري، المصدر الأول للغاز المسال في العالم، حسب “كبلر”.
وبين السفن الـ206 العالقة، 10 ناقلات نفط بإجمالي حمولة 13 مليون برميل، تعادل أكثر من 13 بالمئة من إمدادات الخام العالمية.
** روسيا والولايات المتحدة مستفيدتان
ويرى خبراء أن روسيا والولايات المتحدة سيكونان أكبر مستفيدين من تعطل إمدادات الغاز عبر قناة السويس.
وتورد روسيا الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر أنابيب، وتعمل حاليا بأقل من طاقتها الاستيعابية الكاملة.
ويتوقع أن ترفع روسيا طاقة الضخ عبر هذه الأنابيب لتعويض النقص الناتج عن تأخر وصول الغاز المسال بواسطة السفن من الشرق الأوسط إلى أوروبا.
كذلك، فإن أزمة قناة السويس وتعطل إمدادات الغاز والنفط عبرها، يشكل فرصة لتحقيق حلم طالما سعت الولايات المتحدة إلى تحقيقه، وهو أن تشكل بديلا لتوريد هاتين السلعتين الاستراتيجيتين إلى أوروبا بواسطة السفن، عبر الأطلسي.
** الممر الأهم
وتعد قناة السويس، واحدا من أهم الممرات المائية في العالم، وهي الرابط الأقصر بين آسيا واوروبا، إذ يمر عبرها 12 بالمئة من التجارة العالمية، وفق بيانات هيئة قناة السويس.
ووفق البيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة، أيضا، يعبر القناة قرابة 24 بالمئة من إجمالي تجارة الحاويات العالمية، فيما تستوعب القناة نسبة 100 بالمئة من تجارة الحاويات المارّة بين آسيا وأوروبا.
ويعبر القناة حوالي 50 سفينة يوميا، ويتراوح معدل عدد السفن المارة في القناة سنويا بين 16 ألفا و18 ألف سفينة سنويا، وتجاوز عدد السفن المارة في القناة 21 ألفا و400 سفينة في العام 2008، بإجمالي حمولة اقتربت من مليار طن.
وفق بيانات هيئة قناة السويس، فقد عبر القناة ما يزيد عن 19 ألف سفينة في 2020، بإجمالي حمولة بلغت نحو 1.2 مليار طن، وذلك رغم تراجع التجارة العالمية جراء جائحة كورونا.
ومنذ افتتاحها عام 1869، شكلت قناة السويس بديلا للطريق الملاحي القديم بين آسيا وأوروبا، الذي يلتف حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح، ما اختصر مسافة سير السفن بآلاف الكيلومترات، ووقتا يتراوح ما بين 5-6 أيام.
بالإجمال، تختصر قناة السويس ما بين 25 بالمئة (للصين واليابان) و80 بالمئة (لمنطقة الخليج) من وقت وطول رحلات السفن بين الشرق والغرب، في حال سلكت السفن طريق رأس الرجاء الصالح.
** مصر على أعتاب أزمة نقد أجنبي
وتشكل قناة السويس أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر، إلى جانب السياحة وصادرات الغاز، إن لم يكن أهمها على الإطلاق.
ويبلغ متوسط دخل مصر اليومي من القناة حوالي 15 مليون دولار.
وخلال العام المالي 2019/ 2020، حققت القناة إيرادات بلغت نحو 5.6 مليار دولار، وفق بيانات هيئة القناة، بانخفاض حوالي 5 بالمئة عن العام المالي 2018/2019، حين حققت القناة أعلى إيراد سنوي في تاريخها، بحوالي 5.9 مليار دولار.
لكن خطط نقل بديلة، برزت في السنوات الاخيرة، أثارت مخاوف مصر من تراجع أهمية قناة السويس في التجارة العالمية، خصوصا في تجارة النفط والغاز.
أحد أبرز هذه الخطط، اتفاق إسرائيل والإمارات على إحياء أنبوب إيلات-أشدود الاسرائيلي لنقل نفط الخليج إلى شرق آسيا، وأيضا خطط إسرائيل مع كل من اليونان وإيطاليا وقبرص الرومية، لبناء أنبوب لنقل الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا.
وأقرت مصر بأن هذه الخطط، ستقلل تجارة النفط عبر قناة السويس بنحو 16 بالمئة، لكن تقديرات بيوت خبرة عالمية ترى أن التأثير على القناة سيكون أكبر من ذلك بكثير.
** إعادة النظر في أهمية القناة
منذ افتتاحها عام 1869، مرت قناة السويس بعدة مراحل للتوسيع، كان آخرها عام 2015، ليستقر طولها عند 193.3 كيلومترا، وعرضها حوالي 335 مترا.
وتهدف هذه التوسعات لإفساح المجال أمام حركة السفن بالاتجاهين في نفس الوقت، بدلا من الاعتماد على نظام القوافل، وما يتطلبه هذا النظام من انتظار يؤثر على مواعيد التسليم.
بعد هذه التوسعات، تقول هيئة قناة السويس إن القناة تستطيع استيعاب 100 بالمئة من الأسطول العالمي لسفن الحاويات، و93 بالمئة من أسطول سفن الصب الجاف، ونحو 62 بالمئة من ناقلات البترول ومنتجاته، و100 بالمئة من الأساطيل الأخرى.
لكن أزمة السفينة الجانحة “إيفر غرين” التي يتجاوز طولها (400 مترا) عرض المسطح المائي للقناة (حوالي 335 مترا)، وارتباك السلطات المصرية في التعامل معها، قد يدفع مشغلي السفن إلى البحث عن بدائل، وإن كانت بكلفة أعلى.
كما “تؤكد الأزمة فشل مشاريع التوسعة المصرية في تجنب حوادث وأزمات تسبب كل هذا الإرباك في التجارة العالمية”، وفق خبراء دوليين.
ويرى خبراء، أنه بعد أزمة السفينة الجانحة، فأن مصر أمام استحقاق إعادة النظر في مشاريع توسعة القناة، بما يضمن عدم تكرارها.
** مطالب محتملة بتعويضات ضخمة
وبادرت الشركة المالكة للسفينة “شو كيسن” اليابانية للاعتذار عن حادثة قناة السويس، إلا أن هناك تقديرات بأن تواجه الشركة مطالب بتعويضات ضخمة من مشغلي السفن المتعطلة، وتلك التي ستجبر على تغيير خططها ومساراتها، وكذلك من موردي ومستوردي البضائع المحملة على متن هذه السفن.
وليس واضحا حتى الآن حدود مسؤولية السلطات المصرية في هذه الأزمة، وإن اضطرت للمساهمة في التعويضات، فإنها ستضاف إلى الخسائر المباشرة، التي تتراكم يوما بعد يوم جراء تعطل الملاحة في القناة.