يطرح اغتيال محمود الورفلي، القيادي في قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مدينة بنغازي تساؤلات عديدة بشأن الجهة التي من الممكن أن تكون وقفت أو لها مصلحة في تحييد “ضابط الإعدامات” من مشهد ليبي جديد يشهد انفراجة سياسية تبشر بإنهاء نزاع دموي.
وبالنظر للأحداث التي سبقت اغتيال الورفلي (43 عاما) المتهم من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، فإن الوصول إلى هذه المرحلة لم يكن مستبعدا بعد تصاعد السخط والغضب بين سكان بنغازي (شرق) وقبائل الشرق ضد الانفلات الأمني بالمدينة، والذي كان الورفلي، الملقب بـ”سفاح حفتر”، أحد أبطاله.
ففي مطلع مارس الجاري، تداول نشطاء فيديو للورفلي، القيادي في “لواء الصاعقة” التابعة لمليشيات حفتر، وهو يقتحم رفقة مجموعة ترتدي الزي العسكري مقر وكالة سيارات “تويوتا” في بنغازي، ويحطمون محتوياتها بشكل همجي.
وأكثر من ذلك، هدد الورفلي، صاحب الوكالة مبارك السوسي، المقيم في الخارج، بـ”القتل” إن عاد إلى البلاد، متهما إياه بـ”الفساد”.
ووصفت قناة “218” المحلية، الداعمة لحفتر، اقتحام الورفلي لوكالة السيارات بـ”المشهد الشنيع.. والإرهابي.. والمليشاوي”.
ونقلت القناة تغريدة لأحد الشهود، ويدعى محمد عطية، يعمل في الوكالة، قال فيها إنهم تعرضوا للضرب، وتم “الاعتداء على مديرة الحسابات نجلاء العقوري”.
** غضب قبلي
لم يمر اقتحام الورفلي لوكالة “تويوتا” دون أن يخلف زوبعة من الاستنكار في الشرق الليبي، وهجوما على “ضابط الإعدامات” من وسائل إعلام وناشطين وشيوخ قبائل وحتى من مسلحين تابعين لقوات حفتر.
إذ أعاد الاعتداء على امرأة داخل الوكالة إلى الأذهان اغتيال المحامية حنان البرعصي، وسط بنغازي عام 2020، واختطاف النائبة سهام سرقيوة من بيتها عام 2019.
لكن أخطر موقف جاء من قبيلة البراغثة في بنغازي، التي هددت باللجوء إلى “تكوين مليشيات لتأمين المدينة وحماية أنفسهم” إذا لم تتحرك قيادات مليشيات حفتر ومديرية الأمن لمحاسبة المسؤولين عن الاعتداء ومعاقبتهم.
وشدد حينها أعيان وشباب القبيلة، في بيان مصور، على أنهم “لن يقبلوا بالمهانة”، و”الموت لديهم أفضل من عيشة الذل”، و”الموضوع لن يمر مرور الكرام”.
وانضمت قبيلة العواقير إلى البراغثة (قبيلتان من أصل واحد)، منددة باقتحام مليشيات مسلحة منزلا لعائلة الشافعي البرغثي العقوري، في منطقة الليثي ببنغازي، ما أدى إلى إصابة 3 نساء.
وبعدها، توالت بيانات قبائل الشرق الليبي المنددة بجرائم المليشيات المنفلتة، على غرار اجتماع في مدينة المرج (شرق بنغازي) التي تقطنها قبيلة العرفة، ثم اجتماع ضم قبائل في بلدة الأبيار (شرق)، واجتماع ثالث في بلدة سلوق (جنوب بنغازي).
وسبق وأن هدد عدد من أبناء قبيلة العواقير في فبراير 2020، بسحب مقاتليهم من محاور القتال جنوبي العاصمة طرابلس (غرب) إذا لم يوقف الورفلي تجاوزاته بحق أراضٍ يمتلكها أبناء القبيلة في بنغازي.
واتُهم الورفلي بالاستيلاء بالقوة على مزرعة في منطقة بوهديمة ببنغازي، وأنه يربي أسودا وحيوانات أخرى بها، وظهر في إحدى الصور رفقة أسدين.
في ظل هذه الأجواء المشحونة، أعلنت وسائل إعلام محلية العثور على 15 جثة ملقاة في بنغازي، ما زاد الضغط على الأجهزة الأمنية في المدينة، التي أصبحت عاجزة عن استعادة السيطرة على الوضع الأمني.
ففي فبراير الماضي، اعترف إبراهيم بوشناف، وزير داخلية الحكومة الموازية السابقة (تابعة لحفتر)، بأن “بنغازي تعيش حالة من الانفلات الأمني يكاد يُخرجها عن السيطرة”.
وطالب بوشناف، خلال كلمة له بمديرية أمن بنغازي، الأجهزة الأمنية بـ”عدم ترك المدينة وجعلها ملاذا آمنا للمجرمين”.
** وضع حفتر
استشعر حفتر خطر تصعيد قبائل الشرق الليبي ضد الورفلي، فاستقبل منتصف مارس الجاري وفدا من أعيان قبيلة العواقير، ووعدهم بأن قواته “ستتدخل لضبط الأمن، وسيتم الضرب بيدٍ من حديد لكل مَن تُسول له نفسه المساس بأمن الوطن والمواطن”.
واعتُبر هذا التصريح تهديد مباشرا للورفلي، الذي يبدو أنه خرج عن سيطرة حفتر، وأصبح يتصرف كأنه الآمر الناهي في بنغازي دون الرجوع إليه.
فوضعُ حفتر بعد هزيمته في طرابلس (2019-2020) بات حرجا على المستويين الداخلي والخارجي، وهو مهدد بالخروج من المشهد السياسي في البلاد إذا لم يحصل على منصب وزير دفاع أو قائد أركان.
كما أن المجتمع الدولي يرفع في وجه حفتر عصا العقوبات، إذا ما خرج عن السلطة التنفيذية المؤقتة الجديدة، التي تسلمت مهامها في 16 مارس الجاري.
وجاءت “خرجة” الورفلي الأخيرة المتهورة والمنشورة بالصوت والصورة (اقتحام وكالة السيارات)، لتضع حفتر مجددا في دائرة الاتهام وتُحمله مسؤولية تردي الوضع الأمني في بنغازي، وهو الذي برر إطلاقه “عملية الكرامة” في 2014 بمحاولة وقف عمليات الاغتيال المجهولة في المدينة.
كما أن وقوع الورفلي في يد المحكمة الجنائية الدولية (مقرها في لاهاي بهولندا)، قد يؤدي إلى كشف حقائق عديدة لا يرغب حفتر في إطلاع الرأي العام الدولي عليها، خاصة ما يتعلق بالاختطافات والاغتيالات منذ 2014.
** أبناء حفتر
السيناريو الآخر بشأن من يقف وراء اغتيال الورفلي يتجه نحو أبناء حفتر والمقربين منهم، على اعتبار أنهم أول المستفيدين من قتله، لتحميله -ميتًا- معظم أو جميع جرائم الاغتيال التي وقعت في بنغازي.
وتجزم الناشطة الليبية نادين الفارسي، في تصريح لقناة “ليبيا الأحرار”، بأن أبناء حفتر وحاشيته هم من قاموا باغتيال الورفلي، لجعله “منشفة لمسح كل الجرائم به، وفتح صفحة جديدة”.
وتشير الفارسي إلى أن الورفلي لم يتورط في قتل سهام سرقيوة ولا حنان البرعصي، ولكن التهمة ستُلصق به.
واتهمت أبناء حفتر وحاشيته بالوقوف وراء مقتل 15 شخصا، الذين وجدت جثثهم ملقاة خلف مصنع الأسمنت في بنغازي، قبل اغتيال الورفلي، لتحميله مسؤولية قتلهم أيضا.
ولم تُقدم الفارسي ما يثبت مزاعمها، لكن طريقة اغتيال الورفلي تشبه عملية اغتيال حنان البرعصي، حيث أطلقت مجموعة مسلحة الرصاص عليه داخل سيارته، في وضح النهار، وعلى مرأى من الناس، ثم اختفت دون أن يوقفها أحد.
** اتهام لـ”ثوار بنغازي”
بعض أنصار حفتر يميلون إلى اتهام عناصر “مجلس شورى ثوار بنغازي” باغتيال الورفلي على اعتبار أنه خاض ضدهم معارك عديدة في بنغازي، وأن بعضًا من 43 شخصًا الذين قام بتصفيتهم بين 2016 و2018 ينتمون إلى المجلس.
و”شورى ثوار بنغازي” تَشَكل في 2014، لمنع حفتر من السيطرة على المدينة، وضم مجموعة من كتائب الثوار في بنغازي الذين شاركوا بالإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، واندمجوا فيما يسمى بـ”الدروع” كقوات رديفة للجيش.
لكن في العام 2017 تمكنت مليشيات حفتر من السيطرة على بنغازي بالكامل، وقتل معظم قادة “شورى ثوار بنغازي”، وتفكيك هذا التحالف الذي ضم أيضا جماعة “أنصار الشريعة”.
وولد من رحم المجلس “سرايا الدفاع عن بنغازي” في 2016، التي تمركزت في قاعدة الجفرة الجوية (وسط)، وشنت هجمات على الهلال النفطي، لكنها انسحبت إلى جنوب مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، بعد سيطرة حفتر على القاعدة.
ومنذ 2018، لم يثبت أي نشاط مسلح “لشورى بنغازي” أو “سرايا الدفاع” في المدينة، لذلك من المستبعد أن يكونوا وراء اغتيال الورفلي.
وقد تُتخذ هذه التهمة سبيلا للتغطية على الفاعل الحقيقي أو للقيام بعمليات انتقامية ضد عائلات المهجرين من بنغازي، أو ذريعة لمنع النازحين من العودة إلى ديارهم، رغم دعوات المصالحة التي ينادي بها كل من رئيس المجلس الرئاسي الجديد، محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الجديدة، عبد الحميد الدبيبة.
فالورفلي يمكن أن يكون تم اغتياله إما من حفتر أو أبنائه أو من مسلحين قبليين في الشرق بدافع الثأر أو من خلايا نائمة “لشورى ثوار بنغازي” التي اندثرت في 2017، لكن من السابق لأوانه الجزم بالجهة التي أعطت الأوامر أو نفذت الاغتيال.
(الأناضول).