انفرد بخطاب متميز، وكلمات منتقاة ومرتبة، واكتسب حضور إعلامي طاغ، إثر مناكفاته وكلماته الرنانة تحت قبة البرلمان، كان أبرزها «أنا لا أحب الرئيس ولا أثق فيه»، وفي المقابل جاء القائل «عازمون على أن نروق أنفسنا».
بالتأكيد بعد قراءتك للفقرة الأولى المختصرة ستعرف من أتحدث عنهما، فالأخير سمعناه وشاهدناه وهو يتحدث للنواب من أجل اختياره المحسوم مسبقا كوكيل للبرلمان، ألا وهو محمد أبو العنين رجل الأعمال المعروف والقيادي بالحزب الوطني المنحل و المستقيل من حزب مستقبل وطن ضمن ترتيب الأوراق الذي يقوم به حزب النظام، وأما عن الأول فهو معروف للجميع أيضا وبرز نجمه على مدار السنوات الخمس الماضية، وتحول إلى أيقونة جديدة للمعارضة في مصر، وانضم لصفوف المعارضة خارج البرلمان بموقع جديد كرئيس لحزب الكرامة، فهو البرلماني السابق أحمد الطنطاوي.
لم تكن معركة الانتخابات البرلمانية آخر مراحل تطور الطنطاوي وصعوده إلى قمة السياسة في مصر كمعارض بارز ومعروف، وكانت تجربته في الانتخابات الأخيرة ذات صيت واسع علم بها كافة المصريين، بل إن الطنطاوي حظي بدعم شعبي جارف في مقابل آلة النظام المعروفة والتي أعادت المصريين لما قبل ثورة يناير ومشاهد الانتخابات والمال السياسي وتدخلات الأمن في اختيار الفائزين.
تصفية الحسابات
وبالحديث عن المال السياسي، فقد كان ضيفنا في هذا المقال رجل الأعمال المعروف محمد أبوالعنين من ألمع نجوم الانتخابات منذ عهد المخلوع مبارك عبر توزيع المال السياسي والحملات الإعلامية الضخمة التي قادتها قنواته ورموزها الإعلامية مثل مصطفى بكري وأحمد موسى، حيث كان يخوض المنافسة ضد «عبدالرحيم علي» الصحفي المعروف وصاحب التسريبات الصوتية الشهيرة، علاوة على نجل مرتضى منصور الذي حاول المنافسة بذات طريقة أبوالعنين ولكن كما يقولون «كل برغوت على قد دمه».
لعل توزيع مناصب البرلمان من وكالة المجلس لأبو العينين وأحمد سعد الدين، وصولا لرئيس المجلس الجديد «حنفي جبالي» رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، والإطاحة بعلي عبدالعال من منصبه السابق كرئيس للبرلمان، يبرز التدخل الواضح من جهاز الأمن الوطني في إعادة توزيع الكراسي، وأن الأجهزة الأمنية باتت تدير بشكل مباشر النقاش المتوقع تحت قبة البرلمان، أخذة في حسبانها بألا تسمح بأن يكون للطنطاوي أو غيره سبيلا في تغيير هذا الشكل أو حتى الحديث عنه.
لعبة تبديل الكراسي
عملية إعادة التدوير التي تمت في لجان البرلمان والاستحواذ الكامل لحزب مستقبل وطن الظهير السياسي للسيسي ونظامه، والمدار بعناية من جهاز الأمن الوطني سارت على نفس المنوال الذي يعتمده السيسي منذ انقلابه، وهو عدم الاحتفاظ بأي رمز لفترات طويلة، وتفعيل عملية المداورة، فمثلا علي جمعة الذي اختفى من المشهد بعد أول سنوات الانقلاب، عاد بالتعيين كنائب برلماني ليحصل على منصب رئيس لجنة الشؤون الدينية، وبذات الطريقة يوسف الحسيني الذي أصبح رمزا لحزب مستقبل وطن بعد استبعاده وحرمانه من الظهور الإعلامي لفترة طويلة، انتخب ضمن قوائم الحزب وتولى منصب وكيل لجنة الإعلام، وغيرهما الكثير علاء عابد ودرية شرف الدين وآخرون.
أحجار الشطرنج التي احتلت الرقعة يتخذ محركها من برلمانات مبارك نموذجا للعبة السياسية القائمة على مفهوم «موافقون موافقون» ورفض كل أشكال المعارضة بأي مسمى، ومن يتحكم باللعبة الآن لا يأبه بنتائج السخط المتوقع سواء من السياسيين أو حتى من الشعب، ويرتب رقعة الشطرنج بعناية بالوجوه التي تساعده على تنفيذ أفكاره وإقرار أجندته باسم الشعب خلال الفصل التشريعي الجديد.
مراوغة ناجحة لطنطاوي
واستكمالا لمفاسد الانتخابات وخلال لعبة الشطرنج التي تأخذ وقتا طويلا في العادة، فإن الإطاحة بأحمد الطنطاوي كما شاهد المصريون، نجحت في إظهار نقاط ضعف النظام، بعد فترة برلمانية لمع فيها اسمه وكان نجم المجلس الأول في رصانة تعبيراته وحججه في التعليق على كافة القضايا المجتمعية والاقتصادية والسياسية.
كانت توقعات المصريين أيضا جزء من نجاح الطنطاوي في خطته الجديدة، ليتفادى ما هو أسوأ مثل عشرات الآلاف القابعين داخل السجون، وبذكاء استطاع الطنطاوي استقراء الموقف وتحديد طريقة التعامل واللعب مع محرك قطع الشطرنج في نظام السيسي وكيف يكون مدخله للاستمرار بالحياة السياسية، وهو ما تم ترجمته بإعلان اختياره رئيسا لحزب الكرامة الناصري.
يلاعب الطنطاوي ومعه زميله هيثم الحريري الذي انضم إلى حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، النظام بذات الطريقة عبر رقعة الشطرنج، و يستخدمان في تحركاتهم الأحجار التي تساعدهم في مرواغة خصمهم، لأنه رغم حالة الغشم التي يتعامل بها النظام إلا أن الغرب يردعه في عدد من الملفات مثل اعتقال شخصيات مقربة لهم أو شخصيات تحمل بعد سياسي يوازن الحياة في مصر، وكان ذلك واضحا جليا في الإفراج عن معتقلي المبادرة المصرية، وباتت أوراق اللعبة السياسية في مصر معروفة، رغم حالة التنكيل المستمرة من أدوات النظام ولكن تبقى هنالك زاوية يمكن اختراق هذا النظام من خلالها.
مقال للصحفي عوض أبو حسين