أكدت صحيفة إسرائيلية، أن الإدارة الأميركية الحالية برئاسة المهزوم دونالد ترامب، منحت قبيل مغادرتها التصريح لتصفية العالم الإيراني محسن فخري زاده، لقطع الطريق على الإدارة الأميركية القادمة بشأن العودة للاتفاق النووي مع طهران.
وقالت صحيفة «هآرتس» العبرية في افتتاحيتها اليوم: «قبل لحظة من تبادل الحكم في واشنطن، يبدو أن الرئيس الأمريكي المنصرف دونالد ترامب أعطى مباركته لاغتيال أبي البرنامج النووي الإيراني، محسن زاده»، والذي تم في عملية نفذت في شرق طهران مساء الجمعة الماضي.
ونوهت إلى أن «الحديث يدور عن عملية ذات إمكانية كامنة كبيرة لتصعيد إقليمي هدفه استغلال لحظات نهاية الولاية لتقييد الرئيس الوافد جو بايدن، وإحباط عودة أمريكية للاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى».
وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، بأن «محافل استخبارية تنسب الاغتيال الاستثنائي إلى إسرائيل، وفي القيادة الإيرانية يهددون منذ الآن بـثأر حاد».
واتهم الرئيس الايراني حسن روحاني، «إسرائيل صراحة» وحذر من أن «طهران ستثأر في الزمن المناسب»، في حين اتهم رئيس الأركان الإيراني محمد بكري «الصهاينة»، ووجه وزير الخارجية محمد جواد ظريف هو الآخر أصبع الاتهام إلى تل أبيب، التي «تقرع طبول الحرب».
وأكدت الصحيفة، أن «هذه التهديدات تضع إسرائيل الآن أمام خطر مواجهة جبهوية مشددة مع طهران، ومع ذلك، وبالذات في ذروة أزمة كورونا التي تديرها حكومة منقسمة ولا تؤدي مهامها، بينما يتباهى محيط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإقصاء وزيري الأمن والخارجية لديه عن ما يجري في المجال السياسي-الأمني».
مواجهة خطيرة
وقدرت أن «سكرة قوية كهذه من شأنها أن تؤدي ليس فقط لمواجهة عسكرية خطيرة مع إيران، بل إلى أزمة سياسية أولى مع إدارة جو بايدن حتى قبل أن يدخل إلى البيت الأبيض، وبدون ذلك تقف إسرائيل أمام عملية إعادة بناء معقدة للعلاقات مع واشنطن تحت إدارة ديمقراطية، وها نحن نرى أنه بدلا من الاهتمام بحفظ هذا التحالف الاستراتيجي الضروري في الكفاح ضد طهران، يتعاظم الشرخ فقط».
وأشارت الصحيفة إلى أنه «مع كل هذه التعقيدات، في الساحة السياسية في إسرائيل يكاد لا يسمع نقد أو بدل عن سياسة نتنياهو بالنسبة لإيران»، مبينة أن «المعارضة تسارع إلى مباركة عمليات من هذا النوع، كي لا تعتبر وطنية أقل من اليمين».
وتابعت: «قلة يتساءلون ما هي القيمة الحقيقية لاغتيال هذا الإنسان؟ سيستبدل على أي حال، وقلة يتساءلون كيف كانت إسرائيل سترد لو أن إيران اغتالت في مدنها شخصية رفيعة المستوى؟ فما بالك بأحد العلماء البارزين، وقلة جدا يتساءلون: أين الدبلوماسية؟ ولماذا ألقي بها من صندوق الأدوات؟».
وذكرت «هآرتس»، أنه «يوجد بين إسرائيل وإيران ميزان رعب، يتسلح فيه كل طرف كي يردع الواحد الآخر، دون أي حل في الأفق».
ورأت أنه «في مثل هذا الوضع، فإنه من الواجب البحث في حلول سياسية، وليس فقط عسكرية للتصعيد، وهي مسألة تشق هذه الأيام الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، ولكنها في إسرائيل أصبحت محظورة تماما».
الرد الإيراني المتوقع
وفي سياق متصل، تحدث خبير عسكري إسرائيلي، عن الرد الإيراني المتوقع على اغتيال العالم البارز محسن فخري زاده، حيث الرغبة الإيرانية في الثأر والردع، تعتمد على الفرص المتاحة والقدرات التي تمتلكها طهران.
ونبه المعلق العسكري لدى صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية، أليكس فيشمان، إلى أن «الفرضية الأساس، تقول إنه عشية دخول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، لا يكون لإيران ظاهرا مصلحة في اقتياد المنطقة إلى فوضى عسكرية من خلال عملية حربية صاخبة».
وأضاف: «لكن كل شيء مفتوح، لأن الرغبة في الثأر، في الردع وفي إعادة بناء العزة الوطنية قائمة، وهذه الآن مسألة فرصة وقدرات”، مؤكدا أن رئيس النظام السوري بشار الأسد، “سيبذل جهدا لمنع رد إيراني ضد إسرائيل من سوريا».
ونوه إلى أن «الأسد منذ سنتين وهو يبث للإيرانيين، أن نظامه يستصعب امتصاص ثمن المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية على أرضه، ولما كان يسود في لبنان ميزان رعب بين إسرائيل وحزب الله فسيكون معقولا الافتراض بأن الرد الإيراني على تصفية العالم محسن فخري زاده، رئيس البرنامج النووي العسكري الإيراني، سيكون في الخارج».
وأشار فيشمان، إلى أنه «هذا الأسبوع فقط تحرر في إطار صفقة تبادل الجواسيس ثلاثة إيرانيين اعتقلوا في تايلاند في 2012 بعد إحباط خطتهم لضرب ممثلية إسرائيلية، وكان الثلاثة جزءا من موجة عمليات إيرانية ضد ممثليات إسرائيلية في عدد من الدول، كرد على سلسلة تصفيات لعلماء في إيران نسبت إلى إسرائيل».
ومع تنامي التوقعات برد إيراني، «تستعد إسرائيل لعملية ثأر إيرانية موضعية ضد مؤسسات وشخصيات إسرائيلية في الخارج، وبالتوازي، إذا كانت للإيرانيين بنية تحتية سرية في نطاق الخط الأخضر أو في المناطق، فهذه فرصتهم لاستخدامها».
تصفية العلماء
وبين المعلق العسكري، أن «المبدأ الذي يوجه إسرائيل في حربها ضد النووي العسكري الإيراني، أن تكون كل الوقت في الهجوم؛ تبادر، تشوش، تعرقل، تكسب الوقت، ومثلما لا يوجد عمل واحد يصفي النووي الإيراني، فإنه لا توجد جهة واحدة في سلسلة إنتاج القنبلة».
وقال: «هذه الحرب تتضمن ضربا للمنشآت؛ إما بشكل مباشر أو بهجوم سايبر أو من خلال الضغط الاقتصادي أو الدبلوماسي، وكذا ضربا للعامل البشري؛ للأدمغة، للمدراء والمساعدين».
ونبه إلى أن العالم الإيراني فخري زادة الذي اغتيل في عملية سرية مساء الجمعة الماضي، «كان على بؤرة الاستهداف لسنوات طويلة، ومنذ توقفت موجة تصفية العلماء، وعندما استأنفت إيران السباق النووي واقتربت جدا من القنبلة، قرر أحد ما تغيير السياسة وأعاد تحديد شارة الثمن».
وذكر المعلق الإسرائيلي، أن «الكل يصفي باسم المصلحة الوطنية؛ الأمريكيين، الفرنسيين، البريطانيين، الروس وكذا إسرائيل، غير أنه في السنوات الأخيرة أصبح تبجح قمة الحكم بالنشاطات التي تجري تحت الرادار العام وباء إسرائيل».
ولفت إلى أن «تل أبيب تأخذ بشكل مباشر أو بالغمز الحظوة على أعمال سرية، تصفي بيديها مجال النفي للعدو وتكاد تجبره على أن يرد، وهذا ما يجب أن يتوقف».
كيف تنفذ عملية سرية؟
من جانبه، سلط خبير عسكري إسرائيلي بارز، الضوء على الخطوات المعتمدة لدى الاحتلال الإسرائيلي وكافة أجهزته الأمنية والعسكرية، عندما يقرر تنفيذ عملية سرية ما.
وأوضح المعلق العسكري لدى صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية، أليكس فيشمان بشكل مقتضب، أن «القاعدة؛ أنه عندما تقرر إسرائيل تنفيذ العمليات السرية المنسوبة لها فإنها تجري سلسلة سياقات مرتبة جدا».
وتابع: «يبدأ هذا من فكرة في الجسم المحرك للعملية؛ الجيش، المخابرات، الموساد، ويمر في سياقات عمل دراسة مستمرة، جمع معلومات استخبارية، فحص بدائل، عشرات المداولات التي تدرس حالات وردود فعل هامة لكل خطوة، وهنا تشارك مستويات العمل والأجسام الأخرى المشاركة أو المتأثرة بالعملية السرية».
ونوه فيشمان إلى أنه «عندما تتبلور الفكرة العملياتية تنتقل إلى النقاش والقرار في لجنة رؤساء الأجهزة، ويجب على القرارات أن تتخذ بأغلبية واضحة من رؤساء أجهزة الاستخبارات، وإلا فإن الفكرة تسقط».
وأردف قائلا: «بعد ذلك يصل القرار إلى القادة؛ بشكل عام إلى الكابينت أو إلى مجموعة ضيقة من الوزراء حول رئيس الوزراء، ويمكن لهذا أن يستغرق أشهرا طويلة».