نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا، قالت فيه إن الحرب في ليبيا أصبحت ساحة للصراعات الدولية وتصفية الحسابات وأن المنتصر الأكبر خلال الفترة الماضية كانت تركيا.
وبحسب التقرير الذي كتبه إيشان ثارور، فإنه “لو كانت أفغانستان نموذج مقبرة الإمبراطوريات، فإن ليبيا أصبحت البوتقة للدول التي تحاول أن تكون قوى إقليمية. فالحرب الأهلية المستعصية التي قسمت الدولة الغنية بالنفط في شمال أفريقيا هي في الحقيقة لعبة شطرنج متعددة الأطراف بين قوى خارجية، تتراوح من تركيا مصر والإمارات العربية المتحدة إلى فرنسا ومصر”.
وأضاف: “فعلى الأرض يشارك في المعركة آلاف من المرتزقة السوريين والسودانيين والمتعهدين الأمنين الروس، وفي الجو نشرت القوى عددا متزايدا من الطائرات من دون طيار ومقاتلات حربية وصواريخ”.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريش، من أن التدخل الأجنبي في ليبيا وصل إلى “مستويات غير مسبوقة”.
ويعلق ثارور بأن “المنتصر الأكبر في هذا الصيف كانت تركيا التي جاءت لإنقاذ الحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة في طرابلس، وأنهى تدخلها حصارا امتد لعام فرضته القوات الموالية لخليفة حفتر”.
وأصبحت الحكومة التي تدعمها تركيا تسيطر على غرب ليبيا، وتأمل بأن تستعيد السيطرة على الهلال النفطي، المنطقة الإستراتيجية في البلاد، “ولو استطاعت القيام بهذا، فستوطد سيطرتها بشكل ستجني فيه تركيا الثمار الجيوسياسية”.
وقال أوزلم كيغوسوز، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أنقرة، في تصريحات لـ “فايننشال تايمز”: “يعتقد أردوغان ومن حوله أنهم يعيدون موقع تركيا في عين حلفائها الغربيين، ويعتقدون أنه كلما لعبت تركيا دورا حازما أصبحت مهمة، ومن الصعب على الدول تجاهل مصالحها في المنطقة”.
إلا أن هذه الطموحات لا تزال معلقة بالهواء، ففي يوم الإثنين صوت البرلمان المصري على منح الصلاحية لنشر القوات المصرية خارج الحدود، وهو تحرك قد يفتح الباب أمام الجنود المصريين لدخول شرق ليبيا من أجل دعم قوات خليفة حفتر، أمير الحرب الليبي الذي تدعمه أيضا الإمارات وروسيا، وبدرجة أقل فرنسا.
وتابع: “في الوقت الذي شعر فيه حلفاء حفتر بالإحباط من عمليته الفاشلة في طرابلس، يبدو الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي راغبا بدخول المعمعة ضد حلفاء تركيا”.
ويرى الكاتب أن هناك بعدا شخصيا وأيديولوجيا، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان طالما شجب الرئيس السيسي منذ انقلابه ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013.
وقال الباحث التركي في معهد واشنطن سونير تشاغابتاي: “هم عدوان لبعضهما البعض” “جنرال علماني سجن الإسلاميين السياسيين، وإسلامي سياسي سجن جنرالات علمانيين”.
ويرى الكاتب أن اللعبة الأوسع مع أنها جزء من التدخل، فقد حققت تركيا اتفاقا مع طرابلس حول الحقوق المائية في المتوسط تعطيها الحق في التنقيب عن الغاز والنفط في الشواطئ الليبية.
وأثارت الإتفاقية غضب بروكسل، حيث يحاول قادة الاتحاد الأوروبي تأمين مصالح اليونان وقبرص في شرق المتوسط. ولكن الإستراتيجيين الأتراك يرون محورا مرعبا مكونا العدوة القديمة اليونان إلى مصر وإسرائيل، ويعمل بشكل قوي ضد مصالحهم في المنطقة.
وقال تشاغابتاي: “لا يوجد صانع سياسة في أنقرة، بمن فيهم من يكرهون أردوغان ممن لا يشعرون بالقلق من هذه فكرة المحاصرة في شرق المتوسط”.
وتركيا ليست وحدها التي تنظر لموطئ قدمها في ليبيا كبطاقة لطموحات أوسع، فالكرملين مرتبط بشؤركة تعهدات أمنية اسمها واغنر، التي نشرت مئات من المرتزقة الروس للقتال نيابة عن حفتر، وأقامت روسيا أثناء الحرب الباردة علاقة قوية مع ليبيا، وتقوم الآن بطريقة انتهازية بوضع نفسها كبلد رئيسي في النقاشات حول مستقبل البلد.
ونقلت الصحيفة في تقرير سابق عن الأدميرال هايدي بيرغ رئيسة الأمن بالقيادة المركزية لأفريقيا: “في الماضي، كان للقوى الوكيلة مقعد على طاولة المفاوضات، وكان لها تأثير فوق ما تستحقه على النتيجة، ولكنها اليوم أصبحت المحاور الرئيسي تقريبا”.
وتابع: “أظهر هذا ما تريده روسيا: المكانة الدولية، والقدرة لفرض ثمن على المجتمع الدولي، وأن تكون الدولة التي تقرر على طاولة المفاوضات”.
وفي نهاية الأسبوع، أصدرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي غويسبي كونتي بيانا مشتركا، دعا الأطراف الخارجية للتوقف عن التدخل في شؤون ليبيا، واحترام قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف تصدير السلاح إلى ليبيا، إلا أن البيان يبدو مفرغا من محتواه في ظل التدخل الفرنسي، حيث تقوم بلعبة تكسير رؤوس مع زميلة أخرى لها في حلف الناتو.
ويتهم المحللون حكومة ماكرون بمحاولة دعم حفتر من أجل المنافسة على التأثير في ليبيا.
وكتب المعلق بوبي غوش بموقع “بلومبيرغ” مقالا الشهر الماضي، قال فيه إن “ماكرون الذي يحاول خدمة نفسه لن يجد صعوبة في رؤية أن تبجحه الكلامي ضد تركيا ما هو إلا محاولة لحرف النظر عن جريمة فرنسا”.
وتابع: “لديه معارك أخرى مع أنقرة، بما فيها التنافس على حقوق الطاقة في شرق المتوسط. ورؤية متسامحة مع ماكرون تفيد بأنه يحمل فنتازيا حول التأثير الفرنسي في جنوب المتوسط”.
وفي الوقت الذي حذرت فيه الأمم المتحدة من المخاطر على 125 ألف مدني حالة، قررت قوات الوفاق الدفع ضد حفتر، فيما اتخذت أمريكا من الجلوس في المقعد الخلفي مكانا لها. وقال مسؤول أمريكي “أولا وأخيرا هذه هي مشكلة أوروبية”.