تمر اليوم 7 سنوات على خروج «عبد الفتاح السيسي» للشعب المصري ليبدأ خطوات انقلابه العسكري على الرئيس الراحل «محمد مرسي» بعد عام واحد من وصول هذا الأخير للحكم عبر أول انتخابات رئاسية نزيهة بالبلاد.
ورغم الوعود التي أغرى بها السيسي أنصاره لحشد دعمهم ضد الرئيس المنتخب، إلا أنه قام بعكس كل ما وعد بعد وصوله للسلطة، وأفقر الشعب بدل أن يغنيه، وأضاع هيبة الدولة وسيادتها، ورسخ حكمه عبر قمع المصريين وقتلهم بالشوارع والميادين.
ولعل الوعد الأبرز الذي يتذكره المصريون للسيسي هو أن تصبح مصر «دولة تانية» على حد تعبيره في 30 يونيو 2020، واليوم وبعد مرور سنوات من سيطرته على جميع أركان الدولة وجوانبها، يتساءل المصريون مجددا «أين باتت مصر الآن؟».
غلاء وفقر
توسع «عبدالفتاح السيسي» في الاقتراض من الخارج منذ وصوله للحكم؛ فلم يترك دولة أو جهة دولية إلا واتجه إليها للاقتراض منها، بغرض تمويل مشروعات دون جدوى اقتصادية، على غرار «تفريعة» قناة السويس، وبناء عاصمة إدارية جديدة وقصور رئاسية فارهة، وإبرام صفقات سلاح ضخمة، في محاولة لنيل اعتراف بعض الدول بشرعيته.
وتخطى الدين الخارجي في عهد الجنرال حاجز الـ120 مليار دولار، فيما وصل الدين المحلي إلى ما يزيد عن 270 مليار دولار، وفق بيانات رسمية، ليقفز بالدين الخارجي للبلاد بنسبة تصل إلى 145%، إذ لم تتجاوز الديون الخارجية حينما تولى الحكم حاجز 46 مليار دولار.
ولم يكتف نظام السيسي بأموال القروض الضخمة التي ورط بها البلد والمليارات التي ضختها السعودية والإمارات لدعم الجنرال عقب انقلابه على الرئيس المنتخب، إلا أنه اتجه إلى جيوب المصريين وقرر رفع الدعم وزيادة الضرائب وأسعار الفواتير والمواصلات.
وفي نوفمبر 2016، أدى تعويم الجنيه إلى زيادة معاناة الشعب بعد تدهور قيمة العملة وارتفاع سعر الدولار بشكل كبير، ليواجه المواطن موجة غلاء فاحش ضربت مختلف الخدمات والسلع.
ولم يجد المواطن من السيسي سوى مطالبات بالصبر والتحمل حيث قال «ثلاجتي لمدة 10 سنوات ليس فيها سوى الماء»، و«أنا لو أقدر أديك هديك من عيني، بس أنا مش قادر، هتاكلوا مصر يعني، هتموتوها يعني»، ولا ينسى الشعب تصريحه الشهير «هو محدش قالكم إن إحنا فقرا أوي».
سيادة ضائعة
منذ وصول «السيسي» إلى السلطة منتصف العام 2014، جرى تمرير عدد من الاتفاقيات المثيرة للجدل، كان أبرزها التنازل عن جزيرتي «تيران» و«صنافير» للسعودية، رغم صدور أحكام قضائية بمصرية الجزيرتين، وهو ما قبض السيسي ثمنه باستلام 2 مليار دولار من المملكة.
وفي مارس 2015، وقع «السيسي» اتفاق «إعلان المبادئ» مع إثيوبيا ليمنحها شرعية لبناء «سد النهضة» والتحكم بحصة مصر التاريخية في نهر النيل، وهو ما أوقع مصر في موقف تفاوضي صعب بسبب تعنت إثيوبيا بشأن سنوات ملء السد.
كما أقدم الجنرال على ترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص، وقام بالتنازل لأثينا على شريط مائي تساوي مساحته تقريبا ضعف دلتا النيل، وذلك دعما للتحالف الذي أنشأه السيسي مع تلك الدول لمواجهة تركيا في شرق المتوسط.
ومقابل الدعم السعودي الإماراتي للسيسي، صارت مصر رهينة الأجندة الإماراتية السعودية، وتم دفعها لدعم «خليفة حفتر» في الحرب الليبية ضد الحكومة الشرعية، بالإضافة إلى مشاركة القاهرة في حصار قطر، والانضمام لمخطط محمد بن زايد ومحمد بن سلمان لإجهاض ثورات الربيع العربي.
كما حصدت الإمارات جملة من الاتفاقات والاستثمارات النوعية في البلاد، لإدارة ميناء العين السخنة، وتنمية منطقة قناة السويس الاقتصادية، وقطاعات حساسة كالدواء والاتصالات والنقل البحري، إضافة إلى مشاركة وتواجد استراتيجي في قواعد عسكرية مصرية.
ولا يمكن ذكر الاتفاقات التي إبرامها في عهد السيسي دون الحديث عن اتفاق استيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي بقيمة 15 مليار دولار لمدة 10 سنوات، وذلك رغم اكتشاف مصر لعدد من حقول الغاز الطبيعي والنفط ووصولها لمرحلة الاكتفاء الذاتي.
قمع وتنكيل
أصبح المصريون يعيشون تحت حكم حالة الطوارئ التي جددها السيسي أكثر من 12 مرة على مدار 3 سنوات، ولم يكتف الجنرال بقمع الإخوان بعد إزالتهم من السلطة، بل شمل القمع جميع أنواع المعارضة، حتى وصل إلى حد التنكيل بأنصاره الذين وقفوا بجواره بعد الانقلاب.
وامتدت الاعتقالات ليشمل محامين وأكاديميين وحقوقيين، بتهم منها «استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية محظورة والاحتجاج دون تصريح»، حيث وصل عدد المعتقلين السياسيين في مصر إلى نحو 70 ألف معتقل.
ووفق بيان حقوقي وقعت عليه 9 منظمات محلية ودولية، العام الماضي، فقد فارق الحياة 917 سجينا في أماكن الاحتجاز خلال الفترة ما بين يونيو 2014 وحتى نوفمبر 2019، بينهم 677 نتيجة الإهمال الطبي، و136 نتيجة التعذيب.
واحتلت مصر في عهد السيسي مركزا متقدما في قائمة الدول الأكثر تنفيذا لأحكام الإعدام، كما ارتفعت وتيرة القتل خارج إطار القانون، خلال عمليات مزعومة لتبادل لإطلاق النيران، ما أسفر عن مصرع المئات، تبين لاحقا أن من بينهم مختفون قسريا، بحسب مركز «كارنيجي» للشرق الأوسط.
وأدت السياسة القمعية للسيسي إلى اختفاء المعارضة الداخلية واكتفاء المواطنين بالسكوت على الأوضاع المزرية خوفا من البطش، حتى طفح الكيل بالمصريين في سبتمبر 2019، وخرج الآلاف إلى الشوارع للمطالبة برحيل السيسي، وهو ما واجهه الجنرال بالقمع واعتقال كل من كانت تطوله أيادي القوات الأمنية.
وبذريعة الحرب المستمرة على الإرهاب منذ 7 سنوات، قام السيسي بإخلاء العشرات من المناطق السكنية في سيناء وتدميرها بحجة ملاحقة العناصر الإرهابية، ما أدخل الجيش في مواجهة طويلة الأمد وغير متكافئة مع أطراف متنوعة، وعمّق الخصومة بين المواطنين والدولة.
وبعد مرور 7 سنوات من حكم الجنرال، يعيش المصريون في خوف من تقلص مكانة بلادهم خارجيا، بينما يواجهون الغلاء والفقر والفساد داخل الوطن، وعصا السيسي تلوح بالأفق مهددة كل من يعترض على حكمه أو سياسته في مشهد ديكتاتوري حزين لا يُعرف متى نهايته.