أكد موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن مصر تشن أقوى حملة قمع على الإعلام والصحافيين بمصر خلال أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد، مشدّدة على أن عبد الفتاح السيسي “لم يترك مجالا للمعارضة”.
وأضاف، في تقرير له، الثلاثاء، أنه عندما تم اعتقال رئيس تحرير أهم وسائل الإعلام الاستقصائية في مصر على يد قوات الأمن الشهر الماضي في القاهرة خارج سجن طرة، أخذت الصحفية لينا الديب هاتفها لتخبر أقرب صديق لها، وهو صحفي محلي، فوجدت أنه أرسل لها رسالة نصية تقول: “لقد تم اعتقال لينا عطا الله”.
فرد عليها المنتج التلفزيوني البالغ من العمر 26 عاما: “هذا ما كنت أريد أن أخبرك به. ليكن الله في عوننا، إنه وقت عصيب للصحافة”.
ودفعت عطا الله، الصحفية الاستقصائية الشهيرة والتي تعمل مع “مدى مصر”، أحد مواقع الأخبار المستقلة القليلة في مصر، غرامة صغيرة، وتم إطلاق سراحها بعد ساعات من اعتقالها بعد أن أحدث اعتقالها ضجة تأييد دولية.
ومع ذلك فإن الكثير من الصحفيين المحليين المعروفين بشكل أقل ليسوا محظوظين مثلها، ولا يزالون يقبعون خلف القضبان دون محاكمة.
وكانت مصر ثالث أسوأ بلد يسجن الصحفيين في العالم، ولكن منذ أن دخل فيروس كورونا حدودها سعت الحكومة لمزيد من السيطرة على السردية – وسارع ذلك في حملتها ضد الصحفيين بالاعتقال والإبعاد لمن يواجهون الشخصيات الحكومية.
وآخر ما قام به المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الخميس الماضي، هو الإعلان عن حظر الإعلام من تناول مجموعة من القضايا “الحساسة”.
وقال المجلس:” في المستقبل سيحظر على وسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي تغطية أو مناقشة فيروس كورونا، وسد النهضة الإثيوبي، والصراعات في ليبيا، وشبه جزيرة سيناء”.
وأكد أن المعلومات الصادرة عن السلطات الرسمية فقط هي التي يمكن تناقلها، وأن إجراءات قانونية ستُتخذ بحق المخالفين.
وشجبت مجموعة العمل الوطني المصري، وهي مجموعة معارضة رئيسية، الحظر وقالت إنه لا يجد أي إعلان طوارئ يمكنه تبرير هذا المستوى من الرقابة.
وقالت المجموعة في بيان لها: “يجب عدم تحول هذا المستوى من الاعتداء على حرية التعبير لأن يكون أمرا طبيعيا”.
وأكدت أن “هذا الإجراء ليس خطأ أخلاقيا فقط، ولكنه يشكل تهديدا أمنيا حقيقيا للشعب، بسبب قلة المعلومات وقلة الشفافية وإفلات النظام من المحاسبة”.
وأشار “ميدل إيست آي” إلى أن ثورات الربيع العربي قبل عقد تقريبا، وثورة مصر بالذات، كانت مليئة بالفرحة والأمل بالتحول إلى الديمقراطية.
وكان المنطق في ذلك هو أنه بعد سقوط الحكومات وتبديل الحرس القديم، فإن ذلك سيساعد بدوره على توسيع هامش الحرية للصحفيين والآخرين الراغبين في التعبير عن آرائهم، حتى من المعارضة.
لكن بدلا من ذلك، حصل العكس، بحسب ما قالت الدكتورة سحر خميس، أستاذة الاتصالات في جامعة ماريلاند والخبيرة في الإعلام العربي والإسلامي، لميدل إيست آي.
وقالت إن تونس في العادة تستثنى على أنها البلد الوحيد الذي تمكن من الانتقال إلى الديمقراطية بشكل آمن في العالم العربي “بينما شهدت الكثير من الدول الأخرى، بما فيها مصر، تحولات وتراجعات في طريقها للتحول إلى الديمقراطية”.
وقالت لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، إن “التشديد على الحريات الإعلامية في مصر، ليس ناتجا عن جائحة كورونا، ولكنه استمرار في توجه موجود لفترة طويلة، وتم استخدام الفيروس كحجة للحملة بطريقة أكثر وقاحة”.
وقال جاستين شيلاد الباحث في لجنة حماية الصحفيين المختص بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللجنة: “من المهم أن نتذكر بأن حملة ضد الحريات الصحفية بدأت بقيام الرئيس المصري السيسي بإعلان حالات طوارئ مختلفة والإعلان عن مكافحة التمرد في شمال سيناء 2014”.
وأضاف شيلاد: “من ذلك الحين، قالت الحكومة إنه يمنع نشر أي تقارير لا تتماشى مع سرديتها”.
وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن “الصحافة أصبحت تعتبر جريمة مع وجود ما لا يقل عن 37 صحفيا داخل السجون، 20 منهم بسبب عملهم مباشرة”.
وعادة ما يُتهم الصحفيون المعتقلون بانتمائهم لمجموعة إرهابية “وعادة ما يُشار إلى عضوية جماعة الإخوان المسلمين”.
وحاول “ميدل ايست آي” الاتصال بعدد من الصحافيين، المحليين والأجانب، على الأرض في مصر، كلهم ركزوا على أهمية الموضوع، ولكن كانوا خائفين أن يتحدثوا بسبب المخاوف فيما يتعلق بالسلطات بالنسبة لهذا الموضوع ومحتوى “موقع ميدل ايست آي”.
“القمع للجميع”
ولفت الباحث في معهد الدوحة للدراسات العليا، سيف الإسلام عيد، إلى أن “الحملة ضد الصحفيين كانت تستهدف في البداية الصحفيين ذوي التوجهات الإسلامية، ولكن تم توسيعها لاحقا لتشمل أي صحفي يتحدى دعاية الحكومة”.
وتحاول الحكومة أن تسكت منتقديها في الخارج بسجن أقاربهم في مصر.
عيد، الذي كان ناشطا سياسيا في السابق، وتم سجنه لمدة 13 شهرا، يعيش الآن في المنفى بالدوحة.
وعندما داهمت قوات الأمن بيت عائلته لاعتقال والده، قاموا بتحطيم كل شيء وغادروا خائبة آمالهم، لأنهم اكتشفوا أن والده غير موجود ليعتقلوه.
وقال عيد: “إن عائلتي تُهدد كل يوم. إنها كوميديا سوداء بالنسبة للصحفيين والناشطين الذين يعارضون الحكومة حتى من الخارج”.
ومنذ أن دخل فيروس كورونا إلى البلد في أواسط شباط/ فبراير، واجه الصحفيون مثل غيرهم من أصحاب المهن تخفيضا لرواتبهم.
وأحمد، المحرر المحلي الذي يعمل بشكل حر للمنشورات الدولية، تحدث بشرط عدم ذكر اسمه كاملا، لأنه يخشى انتقام الحكومة.
وقال لميدل أيست آي: “أعمل ستة أيام في الأسبوع، سبع ساعات في اليوم، وراتبي حوالي 100 دولار. ويريد مديري أن يخفض راتبي، أو أن أرسل له تقارير مثل تلك التي أنشرها في الإعلام الدولي. لدي مشاكل مالية وأضع كل جهدي في هذه الوظيفة. ولكن الخوف يسيطر عليّ بسبب خطر هذه المهنة هنا”.
وأضاف: “توقفت عن نشر مقالاتي بالإنجليزية على فيسبوك، وقمت بحذف كل التقارير الماضية كإجراء احترازي”.
“حملات القمع”
وكانت لينا عطا الله قامت بمقابلة ليلى سويف، والدة المدون والناشط المعتقل علاء عبد الفتاح، عندما تم اعتقالها في 17 أيار/ مايو.
وبينما تم إطلاق سراح عطا الله، لأن قضيتها أثارت ضجة عالمية، يبقى عبد الفتاح رهن الاعتقال.
وقالت سويف لميدل ايست آي: “منذ 10 آذار/ مارس منعوا الزيارات للسجن تماما بسبب مرض كوفيد-19”.
وقالت إن ابنها “توقف عن الإضراب عن الطعام، ويبدو أن صحته مستقرة، ولكن بالطبع هو ليس بحالة جيدة. فهو مسجون في العزل، ولا يستطيع قراءة شيء، ولا حتى صحيفة بسيطة، وأنا قلقة بشأن ظروف اعتقاله”.
وأضافت سويف: “لم تكن السلطات المصرية لتكون قادرة على شن حملات القمع بهذا المستوى من الإفلات من العقاب لو لم يكن هناك دعم من الدول التي تسمى ديمقراطية أو تلك التي لديها مؤسسات ديمقراطية مثل أوروبا وأمريكا”.
واستطرت قائلة: “إن هناك صمتا في الدول التي تقول بأن حقوق الإنسان تهمها، وهذه مشكلة كبيرة للأسف”.
“وفاة شادي حبش”
وفي قضية أخرى، توفي شادي حبش، منتج أفلام يبلغ من العمر 24 عاما ومعتقل منذ عامين دون محاكمة، فجأة في زنزانته في أيار/ مايو الماضي.
وفي رسالة مفتوحة لوزارة العدل المصرية الشهر الماضي، طالبت منظمة PEN الأمريكية وأكثر من 60 منظمة شريكة بإجراء تحقيق في وفاة “حبش”.
وأثارت وفاته اتهامات بالإهمال الطبي في السجن، حيث استغاث السجناء معه لساعات من زنازينهم، بينما كان “حبش” يحتضر، ولكن دون جدوى.
وقال تقرير الطب الشرعي الصادر عن مكتب الادعاء العام بأن حبش مات متسمما بسبب شربه معقم أيدي بالخطأ.
وشملت حملة الحكومة الأخيرة ضد حرية الإعلام الصحفي محمد منير، البالغ من العمر 65 عاما، والذي تم اعتقاله في 15 حزيران/ يونيو بتهم نشر معلومات كاذبة والانتماء لمنظمة إرهابية.
وكانت قناة الجزيرة قد أجرت لقاء مع “منير”، وكان قبل ذلك قد انتقد رد فعل الحكومة المصرية لجائحة كورونا.
ويعاني منير من ارتفاع ضغط الدم والسكري واعتلال القلب.
وتشبه قصة اعتقال منير الكثير من قصص اعتقال الصحفيين، حيث داهمت قوات أمنية بلباس مدني بيته ونقلوه إلى مركز شرطة ووجهوا تهمة له بنشر الأخبار الكاذبة، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والمشاركة في مجموعة إرهابية.
“سردية الحكومة”
ولكن الحملة لم تستهدف الصحفيين المحليين الذين شككوا في سردية الحكومة بشأن فيروس كورونا فقط، ولكن المراسلين الأجانب أيضا.
ففي 18 مارس طردت السلطات المصرية الصحفية روث ميكلسون، مراسلة صحيفة الغارديان البريطانية بسبب تقرير قالت فيه إنه يتوقع أن يكون هناك حالات عدوى بفيروس كورونا أكثر مما تذكره الإحصائيات الرسمية.
واستشهدت ميكلسون بما قاله مجموعة من العلماء في جامعة تورونتو قدروا بأن هناك ما بين 6270 إلى 45050 حالة إصابة، عندما كان العدد المعلن ثلاث حالات فقط.
وبعد نشر تقريرها بوقت قصير هاجم “الذباب الإلكتروني” صحيفة الغارديان تحت وسم “كذب الغارديان”، وتم استدعاؤها هي وديكلان وولش من صحيفة نيويورك تايمز إلى مقر الهيئة العامة للاستعلامات. وبعد ذلك وصلتها مذكرة من وزارة الخارجية المصرية تطالبها بمغادرة البلد.
وقالت خميس إن “مصر ليست شاذة؛ فللأسف هناك نموذج يتكرر وسط جائحة كورونا، ويبدو أنه عندما يكون هناك أزمة أبعادها عالمية، تصبح جهود الأنظمة المختلفة للسيطرة على السردية والتأكد من أن سرديتهم فقط هي التي يتم الاستماع لها أكبر بكثير من الأوقات العادية”.