تعدّ تونس من الدول الأكثر تأثرا بالأحداث في ليبيا؛ نظرا للحدود المشتركة بين البلدين، وحجم التبادل التجاري، الذي وصل بينهما عام 2018 إلى حوالي 3 مليارات دولار، إضافة لإمكانية تشغيل العمالة التونسية في مختلف قطاعات العمل في الجارة النفطية.
ونظرا لهذه الارتباطات الجغرافية والاقتصادية، فقد كرر سياسيون تونسيون أكثر من مرة أن بلادهم تتضرر من الوضع في ليبيا. وكان آخر هذه التصريحات البيان الذي تمخض عنه اجتماع للرئيس قيس سعيد مع عدد من الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية في 30 أبريل الماضي، وجاء فيه «أن تونس هي أكثر الدول تضررا من تفاقم الوضع في ليبيا. وعلى المجموعة الدولية أن تضع في الاعتبار الأضرار التي لحقت تونس ومازالت تطالها».
«ارتباك تونسي رسمي»
ويرى محلل سياسي تونسي أن سياسة الرئيس قيس سعيد «غير واضحة تماما» تجاه الصراع في ليبيا، وأنه لم يحسم وقوفه إلى جانب حكومة الوفاق الليبية، التي تعترف بها الأمم المتحدة.
وقال المحلل السياسي، في حديث لـ«عربي21»، إن هناك ارتباكا في مواقف السياسة الخارجية التونسية، التي تتبع دستوريا للرئيس تجاه ليبيا، وأن هذا الارتباك «لا يصب في مصلحة تونس، لأن الاستقرار في ليبيا سيعود بالمنافع الاقتصادية والسياسية على تونس».
وتابع المحلل السياسي التونسي بالقول: «صحيح أننا نتفهم عدم اتخاذ مواقف تونسية حادة تجاه حفتر لمنع وقوع تداعيات خطيرة على تونس، ولكن على الأقل يجب أن يكون الموقف واضحا تجاه دعم الاتفاقات السياسية التي أنتجت حكومة الوفاق المعترف بها دوليا».
ودلل المحلل التونسي على كلامه بأمثلة، قال إنها تثبت حالة عدم الوضوح في موقف السياسة الخارجية التونسية، ومنها تصريحات الناطقة باسم الرئاسة رشيدة النيفر بعد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس سعيد، في ديسمبر الماضي، التي قالت فيها «إن الرئيس قيس سعيّد رفض صراحة وبشكل قاطع السماح لتركيا باستخدام الأراضي في أي عمليات ستنفّذها في ليبيا»، وهو ما دفع الرئاسة لإصدار بيان رسمي ردا على هذه التصريحات، نفت فيه بحث سعيّد وأردوغان إمكانية استخدام المجال الجوي أو البحري لتونس في عملياتها في ليبيا. وأثارت تلك التصريحات جدلا واسعا، وفق تقرير نشرته «بي بي سي».
ولم تكن هذه المناسبة الوحيدة التي ظهرت فيها تصريحات متضاربة ومرتبكة تونسية تجاه ليبيا، فقد اضطر الرئيس لإجراء اتصال هاتفي مع رئيس حكومة الوفاق الليبية في السادس عشر من أبريل الماضي، أكد فيه دعم بلاده لحكومة السراج، وقال سعيد في اتصال هاتفي مع السراج، إن «أي تصريح يخالف الموقف التونسي الرسمي يجب ألّا يشوش على العلاقة المتينة والعميقة بين البلدين الشقيقين»، وفقا لما نقلت الرئاسة التونسية.
وجاء حديث سعيد كرفض غير مباشر لتصريحات أدلى بها وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، وصف فيها جميع الأطراف المتقاتلة في ليبيا بـ«المليشيات»، بما فيها الوفاق، وهو ما أعقبه لقاء بين الحزقي وقيس سعيد، قبيل مهاتفة الأخير للسراج.
ويرى المحلل السياسي التونسي أن هذا التصريح ربما يكون الوحيد من الرئيس أو فريق السياسة الخارجية، الذي يتحدث بوضوح عن دعم حكومة الوفاق الشرعية، فيما كانت معظم التصريحات تتحدث بضبابية عن دعم الحلول السياسية، دون الإشارة بوضوح لدعم الحكومة الليبية التي أفرزتها الاتفاقات السياسية ودعمتها الأمم المتحدة.
وأضاف المحلل التونسي أن الموقف الرسمي المرتبك للسياسة الخارجية التونسية تحت الرئيس سعيد ليس في صالح تونس، لأن «مصلحتنا هي في حكومة مدنية منتخبة تعترف بها دول العالم، وليس مع حكم عسكري يقوده جنرال انقلابي»، بحسب قوله.
محاولات الفوضى في تونس.. سر التوقيت
تصاعدت في الآونة الأخيرة دعوات قد تؤدي للفوضى في تونس، بالتزامن مع الانتصارات التي حققها الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق في الحرب ضد اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وقد تزامنت محاولات إثارة الفوضى في البرلمان من قبل النائبة عبير موسى، رئيسة الحزب الدستوري الحر، التي تتهم بالتبعية لدولة الإمارات العربية، مع دعوات مجهولة طالبت بالتوقيع على عريضة للتحقيق بما أسمته «الثروة المالية» لرئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي.
وتثير النائب موسى، بحسب معارضيها، الفوضى بسعيها الدائم لطرح مواضيع غير مدرجة على جدول أعمال جلسات البرلمان، تتعلق جميعها باتهامات توجهها لرئيسه الغنوشي، بسبب اتصالات يجريها مع مسؤولين سياسيين في تركيا وليبيا. ورد عليها الشيخ راشد في آخر محاولة لها لإثارة الموضوع بمطالبتها «بضرورة احترام النظام الداخلي وجدول الأعمال للجلسة الذي سبق الإعلان عنه»، واعتبر تمسكها بعرض طلب كتلتها على التصويت إصرارا على الفوضى.
أما العريضة التي تطالب بالتحقيق «بثروة» الشيخ راشد الغنوشي، والتي لم يعرف مصدرها، فقد تناولتها صحف عربية محسوبة على الدول التي تتهم بأنها تمثل «ثورة مضادة»، في مصر والسعودية والإمارات، «واحتفت بها هذه الصحف كأنه انتصار كبير».
ونشر موقع قناة «العربية» تقريرا بعنوان «تحول لأبرز أغنياء تونس.. مطالب بالتحقيق بثروة الغنوشي»، وفي تقرير مشابه عنونت صحيفة الشرق الأوسط «عريضة شعبية في تونس تطالب بالتحقيق في ثروة الغنوشي». وذهب موقع «العين» الإماراتي لعنوان أكثر إثارة «ثروة الغنوشي تحت مجهر التونسيين.. من أين لك هذا؟»، فيما عنون موقع «العرب» الموالي للسعودية والإمارات: «الطرابلسية الجدد: الغنوشي وحاشيته يراكمون الثروة والغضب التونسي».
واستغرب المحلل السياسي هذه المحاولات لإثارة الفوضى، وتساءل عن سر توقيتها مع تقدم حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، مشيرا إلى أن هذا التزامن يشير إلى أنها تتم «بدعم وتنسيق من الإمارات وحلفائها، بهدف تحقيق انتصار في تونس، بعد أن بات واضحا أن هذا المحور يخسر في ليبيا خسارة كبيرة».
وأضاف المحلل السياسي التونسي، أن ليبيا تمثل ركنا أساسيا «في حركة الثورة المضادة التي تقودها الإمارات، لأنها تؤثر بشكل مباشر على تونس، وهو ما يعني أنها إذا حققت أهدافها في ليبيا فستتمكن من تحقيق أهدافها في تونس بضرب الانتقال الديمقراطي فيها»، معتبرا أن هذا ما يفسر «محاولات الإمارات الأخيرة لنقل الفوضى إلى تونس في ظل خسارتها في ليبيا».
دور الرئاسة
وتأتي التحركات الأخيرة ضد البرلمان ورئيسه بعد أيام من تصريحات مثيرة للرئيس قيس سعيد، وجه فيها اتهامات لأعضاء البرلمان، وطالب بالتفريق بين ما أسماه «الشرعية» و«المشروعية»، ولوح بنزع الشرعية عمن انتخبهم الشعب بالقول إن «الشعب قادر على سحب الوكالة ممّن خان الأمانة والوكالة».
وجاء خطاب الرئيس «التصعيدي» في ظل أجواء متوترة تشوب علاقات الرئاسة بالبرلمان، وفي ظل تصاعد دعوات مجموعات أطلقت على نفسها اسم «أنصار الرئيس قيس سعيد» للخروج إلى الشارع مطلع يونيو المقبل، في تظاهرات أطلق عليها ثورة الجياع، تضع على رأس أهدافها حل البرلمان، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، وتشكيل المحكمة الدستورية.
واعتبر سياسيون تونسيون تصريحات الرئيس سعيد «غير مناسبة». وقال المحامي أحمد صواب في تصريح لموقع «الشارع المغاربي» إن «تصريحات الرئيس خاطئة في المكان وفي المضمون، لأنها تبنت مضامين سياسية في موقع عسكري هو المستشفى الميداني العسكري، ولأن مضمونها لا يساعد على الوحدة، مع أن دور الرئيس في الدستور هو ضمان الوحدة».
أما النائب عن حركة النهضة السيد فرجاني، فقد طالب الرئيس بمنشور على صفحته على «فيسبوك» بالتوقف عن مهاجمة البرلمان. وقال الفرجاني: «السيد رئيس الجمهورية، رجاء توقف عن تحريضك المتواصل من الجنوب على البرلمان. ومن له علاقة بأنصارك يدعو إلى الفوضى وسفك الدم».
وأضاف: «لقد تجاوزت مربع صلاحياتك منذ أصبح بقصرك من يعمل على تعيين المدراء العامين في الأمن، فلا أدري هل أنتم بصدد تركيز تنظيم مواز للدولة؟ وأنصارك يشحذون السكاكين لإسقاط البرلمان والحكومة. وأنت لا تحرك ساكنا».
السيد رئيس الجمهورية رجاء توقف عن تحريضك المتواصل من الجنوب على البرلمان. و من له علاقة بأنصارك يدعو إلى الفوضى و سفك…
Posted by السيد الفرجاني نائب الشعب بالبرلمان التونسي on Monday, May 11, 2020
ويرى المحلل السياسي، أن خطابات الرئيس غير مفيدة، ولا تصب في مصلحة الوحدة بالبلاد، مضيفا أن «مهاجمة البرلمان دون سبب من الرئيس الذي يفترض أن يصون المؤسسات الدستورية جميعها، يقوض العملية السياسة في تونس، ويدفع باتجاه المجهول والفوضى»، وهو الأمر الذي لا يصب في مصلحة تونس واستقرارها، «ولا يخدم سوى دول الثورة المضادة»، بحسب قوله.