نشرت وكالة «رويتزر» تقريرًا مطولًا يكشف كواليس مكالمة الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» مع ولي عهد السعودية «محمد بن سلمان»، حول أزمة أسعار النفط والسقوط الكبير له في أميركا.
وتقول «رويتزر» في مقدمة التقرير، إنه وبينما كانت أميركا تطالب السعودية بإنهاء حرب أسعار النفط مع روسيا، وجه الرئيس دونالد ترامب إنذارا لـ«بن سلمان» شخصيًا.
وقالت 4 مصادر مطلعة على التطورات لوكالة «رويترز»، إن ترامب قال لولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» في مكالمة هاتفية في الثاني من أبريل، إنه إذا لم تبدأ منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» خفض إنتاج النفط فلن يكون بوسعه منع أعضاء مجلس الشيوخ من سن تشريع لسحب القوات الأميركية من المملكة.
وكان هذا التهديد محوريًا في حملة الضغط الأميركية التي أدت إلى اتفاق عالمي تاريخي لخفض إمدادات النفط في وقت انهار فيه الطلب بفعل جائحة «كورونا»، وسجلت نصرًا دبلوماسيًا للبيت الأبيض.
وجه ترامب رسالته لولي العهد السعودي قبل عشرة أيام من الإعلان عن تخفيضات الإنتاج. وقال مصدر أمريكي أطلعه مسؤولون كبار في الإدارة على ما دار من حوار إن ولي العهد بوغت بالتهديد حتى أنه أمر مساعديه بالخروج من الغرفة لكي يتمكن من مواصلة الحوار سرا.
وأبرزت هذه الخطوة رغبة ترامب القوية في حماية صناعة النفط الأمريكية من انهيار تاريخي للأسعار في وقت أوقفت فيه الحكومات النشاط الاقتصادي في مختلف أنحاء العالم لمحاربة فيروس كورونا.
كما عكست تراجعا مهما من جانب ترامب عن انتقاداته المتواصلة منذ فترة طويلة للتكتل النفطي الذي كان الرئيس الأمريكي يهاجمه لأنه رفع تكاليف الطاقة على الأمريكيين بتخفيضات الإنتاج التي عادة ما كانت ترفع أسعار البنزين. أما الآن فقد أصبح ترامب نفسه يطلب من أوبك خفض الإنتاج.
وقال مسؤول أمريكي رفيع لرويترز إن الإدارة أبلغت القادة السعوديين إنه إذا لم يتم خفض الإنتاج ”فلن يكون هناك سبيل لمنع الكونجرس الأمريكي من فرض قيود قد تؤدي إلى سحب القوات الأمريكية“.
ولخص المسؤول فحوى الحجة الأمريكية التي تم نقلها عبر قنوات دبلوماسية مختلفة بأنها رسالة للقادة السعوديين مفادها ”نحن ندافع عن صناعتكم بينما تدمرون أنتم صناعتنا“.
وسألت رويترز ترامب عن المحادثات في المقابلة التي أجرتها معه مساء يوم الأربعاء في البيت الأبيض والتي تناول فيها الرئيس عددا من الموضوعات المتعلقة بالجائحة. وردا على سؤال عما إذا كان قد أبلغ ولي العهد السعودي بأن الولايات المتحدة قد تسحب قواتها من المملكة قال ترامب ”لم تكن هناك حاجة لذلك“.
وأضاف ”اعتقدت أن (مواقفهما) هو والرئيس بوتين، فلاديمير بوتين، معقولة جدا. فقد كانا يعلمان أن لديهما مشكلة ثم حدث ذلك“.
وسُئل ترامب عما قاله لولي العهد الأمير محمد فقال ”كانا يواجهان صعوبة في إبرام اتفاق. والتقيت به عبر الهاتف واستطعنا التوصل لاتفاق“ على تخفيضات الإنتاج.
ولم يرد مكتب التواصل الإعلامي بالحكومة السعودية على طلب للتعليق. وشدد مسؤول سعودي طلب عدم نشر اسمه على أن الاتفاق يمثل إرادة جميع الدول في مجموعة أوبك+ المنتجة للنفط التي تمثل أوبك وتحالفا تقوده روسيا.
وقال المسؤول السعودي الذي امتنع عن التعليق على النقاش بين القيادات الأمريكية والسعودية ”السعودية والولايات المتحدة وروسيا لعبت دورا مهما في اتفاق أوبك+ لخفض النفط لكنه لم يكن ليحدث لولا تعاون الدول الثلاثة والعشرين التي شاركت في الاتفاق“.
وقبل أسبوع من مكالمة ترامب مع الأمير محمد كان السناتور كيفن كريمر والسناتور دان ساليفان الجمهوريان قد اقترحا تشريعا لسحب القوات الأمريكية كلها وصواريخ باتريوت ونظم الدفاع المضاد للصواريخ من المملكة ما لم تخفض السعودية إنتاج النفط.
وكان هذا الاقتراح يلقى تأييدا متزايدا وسط غضب في الكونجرس بسبب حرب أسعار النفط التي نشبت بين السعودية وروسيا في توقيت سيء. وكانت المملكة أطلقت الإنتاج في أبريل نيسان وأغرقت الأسواق بالنفط الخام بعد أن رفضت روسيا زيادة تخفيضات الإنتاج تمشيا مع اتفاق سابق مع أوبك لتقليص الإمدادات.
وفي 12 أبريل نيسان وتحت ضغط من ترامب وافقت أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم خارج الولايات المتحدة على أكبر تخفيض في الإنتاج على الإطلاق. فقد قلصت أوبك وروسيا ومنتجون متحالفون معهما الإنتاج بواقع 9.7 مليون برميل يوميا أي حوالي عشرة في المئة من الإنتاج العالمي.
وكان مصدر نصف هذه الكمية هو تخفيضات قدرها 2.5 مليون برميل يوميا من جانب كل من السعودية وروسيا اللتين تعتمدان على إيرادات النفط والغاز في تمويل ميزانية كل منهما.
ورغم الاتفاق على خفض عُشر الإنتاج العالمي واصلت أسعار النفط تراجعها إلى مستويات تاريخية متدنية. وهبط الخام الأمريكي في المعاملات الآجلة دون الصفر في الأسبوع الماضي عندما اضطر البائعون لدفع المال للمشترين لتجنب تسلم كميات من النفط لا توجد لديهم إمكانيات لتخزينها.
وتراجع مزيج برنت في التعاملات الآجلة مقتربا من 15 دولارا للبرميل وهو مستوى لم تشهده الأسواق منذ انهيار سعر النفط في 1999 بعد أن كان سعره في مطلع العام 70 دولارا.
غير أن من الممكن أن يؤدي اتفاق تخفيض الإمدادات في النهاية إلى ارتفاع الأسعار عندما تبدأ الحكومات في مختلف أنحاء العالم استئناف النشاط الاقتصادي ويرتفع الطلب على الوقود مع نمو حركة السفر.
وأيا كانت النتيجة فإن المفاوضات تمثل استعراضا غير عادي للنفوذ الأمريكي على إنتاج النفط العالمي.
وقال السناتور الجمهوري كريمر لرويترز إنه تحدث مع ترامب عن تشريع سحب القوات الأمريكية من السعودية في 30 مارس آذار أي قبل ثلاثة أيام من اتصال الرئيس بالأمير محمد.
وسُئل وزير الطاقة الأمريكي دان برويليت عما إذا كان ترامب قد قال للسعودية إنها قد تفقد الدعم العسكري الأمريكي فقال إن الرئيس من حقه استخدام كل الأدوات المتاحة لحماية المنتجين الأمريكيين بما في ذلك ”دعمنا لاحتياجاتهم الدفاعية“.
وترجع الشراكة الاستراتيجية بين البلدين إلى العام 1945 عندما التقى الرئيس فرانكلين د. روزفلت والعاهل السعودي الملك عبد العزيز بن سعود على متن الطراد الأمريكي كوينسي.
توصل الاثنان إلى اتفاق مؤداه الحماية العسكرية الأمريكية مقابل الاستفادة من احتياطيات النفط السعودية. واليوم تنشر الولايات المتحدة حوالي ثلاثة آلاف جندي في المملكة كما أن الأسطول الخامس الأمريكي يحمي صادرات النفط من المنطقة.
وتعتمد السعودية على الولايات المتحدة في الحصول على السلاح والحماية من الخصوم الإقليميين مثل إيران. غير أن نقاط الضعف في المملكة انكشفت في أواخر العام الماضي في هجوم شنته 18 طائرة مسيرة وثلاثة صواريخ على منشآت سعودية رئيسية.