نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني تقريرا عن الحرب الأهلية التي مازالت مستمرة في ليبيا، على الرغم من مناشدات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة العالمية بوقف القتال، لمواجهة تفشي وباء فيروس كورونا.
وقال الموقع في تقرير تحت عنوان «ما لا يعرفه كثير من الناس عن دعم إسرائيل لحفتر في الحرب داخل ليبيا»، إن سلطات الاحتلال تقدم الأسلحة والتدريب لقوات الجيش الوطني الليبي الذي يقوده «خليفة حفتر» بمساعدة الإمارات العربية المتحدة.
فيما يلي نص التقرير كاملا:
بعد الهجوم الذي وقع الإثنين الماضي، انقطعت المياه عما يزيد عن مليوني إنسان في طرابلس والبلدات المجاورة. والآن تدور معارك طاحنة غربي العاصمة الليبية.
يسعر الصراع بين الفصيلين الرئيسيين المتنافسين تزايد التدخل الدولي واستمرار تدفق السلاح في انتهاك صارخ للعقوبات الصادرة عن الأمم المتحدة وحظر تصدير السلاح.
توجد في أحد جانبي الصراع حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، وهي الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ويرأسها فايز السراج، البالغ من العمر ستين عاما، والمهندس المعماري من حيث المهنة.
تحظى حكومة الوفاق الوطني بشكل أساسي بدعم كل من قطر وتركيا، التي تحولت إلى مزود رئيسي بالسلاح والجنود لقوات السراج.
وتوجد في الجانب الآخر قوات الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي البالغ من العمر 67 عاما، والذي يسيطر على شرق ليبيا بما في ذلك مدينة بنغازي.
كان معروفا عن حفتر، الذي يحمل الجنسية الأميركية، قربه الشديد من مخابرات الولايات المتحدة (السي آي إيه) عندما كان يعيش في المنفى أيام معمر القذافي. ولا عجب إذن أن يحظى حفتر بدعم إدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي تؤيد في الظاهر جهود السلام الدولية ولكنها تقوم سرا بتشجيع حفتر على شن حملاته.
وهذا ما ينهجه حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ومن بينهم مصر والإمارات العربية المتحدة، وبدرجة أقل الاحتلال.
السلاح والتدريب
رغم أن الصلة الإسرائيلية غير معروفة جيدا إلا أنها في غاية الأهمية. في واقع الأمر، ما يقوم به حفتر من دور إنما هو نتاج محور تشكل خلال السنوات الأخيرة ويتكون من مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والاحتلال.
وهذا الأسبوع بث التلفزيون العربي تقريرا جاء فيه أن الإمارات العربية المتحدة زودت الجيش الوطني الليبي بأنظمة دفاع جوي متقدمة صنعتها شركة إسرائيلية وتم توصيلها عبر مصر. وقال التقرير إن الهدف من تلك الأنظمة هو مواجهة الطائرات المسيرة التركية.
يتولى الملف الليبي جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد»، والذي ينسق عملياته وسياساته تجاه حفتر مع الحكومة المصرية بقيادة «عبدالفتاح السيسي» ومع رئيس مخابراته «عباس كاملإ.
ما بين عام 2017 وعام 2019، التقى مبعوثو الموساد في العديد من المناسبات مع حفتر في القاهرة، ورتبوا له تدريب بعض ضباطه الأساسيين على التكتيكات الحربية وجمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية وكذلك على إجراءات التحكم والقيادة.
إضافة إلى ذلك، ساعد الموساد أيضا قواته في شراء تجهيزات الرؤية الليلية وبنادق القنص.
ثمة مفارقة تاريخية في الروابط الخاصة بين حفتر والاحتلال، وذلك أنه خدم في الجيش الليبي تحت زعامة القذافي وشارك في الانقلاب الذي مكن ذلك المستبد من الوصول إلى السلطة في عام 1969.
في عام 1973، وكضابط شاب، كان حفتر عضواً في القوة الليبية التي ساندت مصر في حرب أكتوبر، إلا أن اللواء الليبي وطياريه الذين كانوا متواجدين في مصر لم يشاركوا في أي من المعارك.
اهتمام تاريخي
كانت سلطات الاحتلال في عهد القذافي تبدي اهتماما خاصا بليبيا، فقد كان الزعيم الليبي يمول النضال الفلسطيني كما استضاف في بلاده مقاتلين فلسطينيين، بما في ذلك مقاتلين من مجموعة أبي نضال.
ورداً على ذلك قامت المخابرات والقوات الخاصة الإسرائيلية بتعقب المسؤولين الليبيين ورصدت طيران بلادهم، وأنزلت قوة على سواحل هذا البلد الشمال أفريقي لزرع أجهزة تنصت وتنفيذ بعض العمليات.
في إحدى العمليات التي نفذت في عام 1995، قامت وحدة مغاوير بنصب كمين للدكتور فتحي الشقاقي، زعيم حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، لقتله ولكنها تلقت أوامر بالانسحاب بعد أن عسكرت مجموعة من السواح الأوروبيين بالجوار في واحة صحراوية. وبعد شهور قليلة تم اغتيال الشقاقي على يد عملاء الموساد في مالطا.
كما أبدى الاحتلال اهتماما كبيرا في نوايا القذافي إزاء تطوير القدرة على إنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية.
جمع عملاء المخابرات الإسرائيلية بيانات ومعلومات حول تطوير هذه التقنيات ولكنهم أدركوا بأثر رجعي أن معلوماتهم لم تكن كافية. فقد تمكنت ليبيا، بمساعدة من الباكستان، من تطوير قدرات نووية أكثر تطوراً مما كانت تظن المخابرات الإسرائيلية.
في نهاية المطاف، تعاونت كل من المخابرات الأميركية السي آي إيه والمخابرات البريطانية MI6 مع القذافي وأقنعوه في عام 2004 بالتخلي عن مشاريعه تلك.
وخلال تلك الفترة من العلاقات الدافئة مع الغرب، والتي استمرت حتى قتله في عام 2011 في انتفاضة دعمها الناتو، كان الزعيم الليبي يغازل الاحتلال، ولقد بادر ببعض الإيماءات السياسية.
كان هو وابنه سيف الإسلام يدعون إلى السلام بين الاحتلال وفلسطين على أساس الدولة الواحدة، والتي أطلقا عليها اسم إسراطين.
باستخدام شخصيات يهودية إيطالية بارزة من أصول ليبية، قاما بإرسال حجاج مسلمين إلى القدس وأطلقا سراح إسرائيليين من أصول ليبية كانوا قد سافروا إلى موطنهم الأصلي ووجهت لهم تهم باطلة بالتجسس.
وحتى بعد قتل القذافي على يد الثوار، حاول أفراد من عائلته التواصل مع الاحتلال طلبا للمساعدة. بينما وجدت ابنته عائشة ملاذاً لها في الجزائر، إلا أنه قيل إنها بعثت برسائل عبر وسطاء إيطاليين تسأل إن كان يسمح لها بالانتقال إلى الأراضي المحتلة، زاعمة أن جدتها كانت يهودية. إلا أن محامياً إسرائيلياً يمثل عائشة نفى أن تكون قد تقدمت بمثل هذا الطلب.
والآن، وبينما تستمر الحرب الأهلية، يوجد لدى الاحتلال اهتمام آخر في البلاد. وذلك أن تركيا من خلال توسيع وجودها في ليبيا تهدف إلى زيادة نفوذها في المتوسط حتى يتسنى لها إعاقة الخطط الإسرائيلية القبرصية لمد خط أنابيب غاز إلى كل من اليونان وإيطاليا.
على الرغم من أن الصراع يفضي إلى تحالفات غريبة، إلا أنه ينبغي ملاحظة أن مشاركة الاحتلال ونفوذه في عمليات حفتر داخل ليبيا تعتبر ثانوية. أما روسيا، والتي ترسل أيضاً المرتزقة والسلاح لمساعدة الجنرال، فتلعب دوراً أكبر وأهم بكثير.