توجه إلى السيد نادر تهمة توصيل ما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار من التبرعات غير المشروعة للحملة من خلال السيد الخواجة، وذلك بهدف شراء النفوذ داخل واشنطن – في بادئ الأمر مع السيدة كلينتون وحلفائها الديمقراطيين خلال حملة عام 2016، ثم مع دونالد جيه ترامب بعد أن فاز بالانتخابات – وذلك لكسب “الحظوة” و “الدعم المالي المحتمل” من حكومة أجنبية غير مسماة.
تكشف القراءة المتأنية للائحة الاتهام المكونة من أربع وستين صفحة عن أن الحكومة غير المسماة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يملك السيد نادر مصالح تجارية ويعمل مستشارا لدى ولي العهد.
في وقت تشهد فيه واشنطن جدلا محتدما حول التدخل الأجنبي في السياسة الأميركية، يقول النقاد إن الخطة المذكورة في لائحة الاتهام هي واحدة من أجرأ المحاولات في التاريخ من قبل سلطة أجنبية لشراء النفوذ في أثناء عملية انتخابات. على الرغم من أن الناشطين في اللوبي لصالح عملاء أجانب يساهمون بشكل روتيني في دعم الحملات الانتخابية، إلا أنه من النادر أن يرتبط رئيس دولة بنفسه وبشكل شخصي بمزاعم تتعلق بتجاوز قوانين تمويل الحملات الانتخابية.
وهذا هو أحدث مثل لمسعى يقوم به من يفترض فيه أن يكون حليفا أميركيا لتشكيل السياسة الأميركية من الداخل، وأكثر ما هو صادم في الأمر أن ولي العهد محمد بن زايد هو واحد من أكثر المنفقين الأجانب على الأشكال القانونية للتأثير – من استئجار مؤسسات اللوبي المسجلة إلى تمويل مراكز البحث والتفكير.
يقول بن فريمان، مدير قسم مبادرة الشفافية للتأثير الأجنبي التابع لمركز السياسة الدولية: “تشتهر الإمارات العربية المتحدة بوجودها المكثف في قطاع التأثير الأجنبي بشكل عام، ولكنهم أيضا يجيدون ذلك. وهذا يثبت إلى أي مدى يمكن أن يذهبوا لإنجاز ما يريدون: زعيم دولة يزعم أنها حليف للولايات المتحدة يتورط شخصيا في انتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية الأميركية ليصب الأموال في جيوب سياسيينا – هذا ضرب من الجنون في رأيي”.
رفض ممثل لسفارة الإمارات في واشنطن التعليق على الموضوع.
لفت السيد نادر انتباه السلطات الأمنية للمرة الأولى بسبب مساعيه لتوثيق الصلة بحملة ترامب وإدارته نيابة عن الأمير محمد بن زايد. وبعد الانتخابات، عمل السيد نادر على مساعدة رجل أعمال روسي مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين في تأمين اتصالات مع فريق ترامب. وقبل وقت قصير من حفل التنصيب، ساعد السيد نادر ولي العهد محمد بن زايد في ترتيب لقاء في منتجعه الكائن في سيشلز جمع رجل الأعمال الروسي بإريك برينس، المقاول الأمني والمتبرع للحزب الجمهوري الذي تربطه صلات وثيقة بفريق السيد ترامب.
أدلى السيد نادر بشهادته العام الماضي في التحقيق الذي يجريه المحقق الخاص حول التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، ويقبع الآن في السجن داخل الولايات المتحدة بتهم لها علاقة بحيازة مواد إباحية لأطفال.
يذكر أن السيد نادر وشريكه السيد الخواجة كلاهما أميركيا الجنسية من أصول لبنانية.
وأما السيد الخواجة، والمشهور باسم آندي، فهو مؤسس شركة متخصصة في معالجة القبض المالي عبر الإنترنيت، وكان قد توصل مرتين إلى تسوية لتهم وجهتها له هيئة التجارة الفيدرالية، ومفادها أنه ساعد مواقع إنترنيت غير قانونية على غسيل الأموال – وذلك بتنازله في عام 2009 عن ثلاثة عشر مليون دولار، وفي العام الماضي عن قصر كان يملكه في بيفرلي هيلز قيمته خمسة عشر مليون دولار.
وهو صارخ في سلوكه، ومن أمثله ذلك أنه بينما كانت شركته تنمو، تزوج السيد الخواجة عارضة أزياء من مواليد ليتوانيا، واشترى عدة سيارات فاخرة، بما في ذلك واحدة من طراز فيراري، وبدأ يظهر في الأماكن العامة برفقة زوجته الجديدة، كما يظهر من صور أخذت له في بعض الحفلات وفي بعض متاجر المجوهرات والملابس التي تبيع أفخر الماركات. وفي عام 2014، أنتج السيد الخواجة برنامجا لتلفزيون الواقع اسمه “عارضة تحولت إلى نجمة كبيرة”، تظهر فيه الفتيات وهن يثبن معه على متن قارب بحري.
لم يقدم السيد الخواجا تبرعا سياسيا واحدا قبل أواخر عام 2015 وهو الوقت نفسه الذي التقى فيه مع السيد نادر في أثناء زيارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بحسب ما يقوله أشخاص مقربون من السيد نادر.
وجه السيد الخواجة، الذي يتحدث العربية بطلاقة، رسالة إلى ولي العهد محمد بن زايد يطلب فيها لقاء معه قال فيها: “لكي أعرض على صاحب السمو خطط شركتنا لنقل ما تجمع لديها من خبرات ومعارف في مجال التكنولوجيا والتعليم والخدمات المالية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.”
رغم أنه من غير الواضح ما إذا كان مثل هذا الاجتماع قد حصل، إلا أن السيد الخواجة بدأ بإجراء محادثات مع السيد نادر حول بعض من المشاريع التجارية. في ذلك الوقت نفسه، بدأ السيد الخواجة بالتبرع بمئات الآلاف من الدولارات لحملات الحزب الديمقراطي، وضمن بذلك حضور بعض المناسبات جنبا إلى جنب مع السيدة كلينتون وكبار مستشاريها – بما في ذلك عشاء لجمع التبرعات في منزل السيد الخواجة بحضور بيل كلينتون في يونيو/حزيران من عام 2016 – وكثيرا ما كان يصطحب معه السيد نادر.
في عدد من الرسائل النصية التي تقتبس منها لائحة الاتهام، يظهر السيد نادر وهو يطمئن السيد الخواجة بشأن توصيل كميات كبيرة من المال لدفع التبرعات.
كتب السيد نادر قريبا من الثامن عشر من حزيران/يونيو 2016 يقول: “بقلاوة طازجة في طريقها إليك، صممت خصيصا للمناسبة الخاصة التي تنظم في منزلك في وقت لاحق من هذا الشهر! الصينية الأولى في طريقها إليك. بمجرد أن تتذوقها وتعجبك أنواعها، سيكون المزيد منها في طريقه إليك في القريب العاجل.”
بعد أن تلقت شركته تحويلا بمبلغ مليونين ونصف المليون يورو من السيد نادر، رد السيد الخواجة قائلا: “وصلت البقلاوة الصغيرة. 2.7 قطعة وصلت هذا الصباح.”
وفي رسالة وجهها بعد أسبوعين، وعد السيد نادر “بالضغط على الخباز ليعد لي صينية أخرى من البقلاوة.”
كما تشير الرسائل المتضمنة في لائحة الاتهام أيضا أن السيد نادر كان يبلغ ولي العهد محمد بن زايد أولا بأول بالجهود التي يبذلها السيد الخواجة؛ ففي السادس من حزيران/يونيو، كتب السيد نادر إلى مسؤول إماراتي يبدو أنه ولي العهد نفسه قائلا: “أسافر صباح السبت لألحق بأختنا الكبيرة وبزوجها: سوف أراه يوم الأحد وسوف أراها هي يوم الثلاثاء، يا سيدي. أود رؤيتك غدا في الوقت الذي يناسبك .. لأسعد بتوجيهاتك وتعليماتك ومباركتك!”
وبحسب ما ورد في لائحة الاتهام، كتب في مناسبة أخرى يقول: “عقدت اجتماعا رائعا مع الأخت الكبيرة هـ. (هيلاري كلينتون) ولسوف يسعدك كثيرا ما جرى في اللقاء”.
إلا أن السيد نادر كان يعمل في الوقت نفسه على بناء علاقات مع فريق ترامب، كما أرسل يقول للمسؤول الإماراتي. فقد كتب السيد نادر في تموز/يوليو من عام 2016 يقول: “أتواصل مع الشخصيات الرئيسية في كلا المعسكرين، وأعمل على إقامة علاقة دائمة وثابتة وبناءة مع كلا المعسكرين!”
حضر كل من السيد الخواجة والسيد نادر حفلة ليلة الانتخابات التي نظمتها السيدة كلينتون في مانهاتن، وذلك بحسب ما شهد به أشخاص على معرفة بتفاصيل الحفلة.
ولكن مباشرة بعد يوم الانتخابات، كما ورد في لائحة الاتهام، قرر السيد نادر والسيد الخواجة كلاهما نقل دعمهما غير المشروع ليصب في صالح السيد ترامب، بدءا بتبرع قدره مليون دولار لحفلة التنصيب.
في رسالة وجهها إلى السيد نادر بعد شهر من ذلك، قال السيد الخواجة: “لا أستطيع أن أحكي، فأنا الآن مع السيد ترامب.” وأرفق الرسالة بصورة له مع الرئيس المنتخب في نشاط لجمع التبرعات في مانهاتن، وذلك بحسب ما رواه شخص رأي الرسائل بنفسه.
يبدو أن الجمهوريين بدورهم لم يثيروا سوى القليل من الأسئلة حول التغير المفاجئ الذي طرأ على موقف السيد الخواجة أو حول مصدر أمواله.
سرعان ما بدأ إليوت برويدي، أحد كبار جامعي التبرعات لصالح الحزب الجمهوري، يتواصل مع السيد الخواجة باعتباره متبرعا كبيرا. ثم ما لبث السيد برويدي، الذي كانت مؤسسته التي تعمل في مجال المقاولات العسكرية تسعى حينها للحصول على عقود من ولي العهد محمد بن زايد، أن بدأ بالعمل عن كثب مع السيد نادر في عام 2017، وهو الآن رهن التحقيق من قبل المباحث الفيديرالية لاحتمال أن يكون قد عمل وكيلا أجنبيا غير مرخص لصالح الإمارات.
بحسب نص حصلت عليه نيويورك تايمز، كتب أحد العاملين في الحزب الجمهوري في وقت مبكر من عام 2017 يقول للسيد برويدي: “اتصل بآندي الخواجة في وقت لاحق اليوم (في حدود الساعة الخامسة) لتذكره بأننا نحتاج منه أن يحول غدا مئتين وخمسين ألف دولار.” بعد خمسة أيام، تبرع السيد الخواجة وزوجته بما مجمله مئتين وخمسين ألف دولار للجنة الوطنية في الحزب الجمهوري.
وبعد أن علم بأن السيد الخواجة ينوي التبرع بالمزيد من المال، بعث السيد برويدي لاحقا برسالة نصية إلى الموظف في الحزب الجمهوري يقول له: “أظن أننا نعلم بأن جميع المال في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري أخضر. اطلب الحد الأعلى من المبلغ المتبقي. وتأكد من أن تتم دعوة السيد والسيدة الخواجة إلى حفلة الإجازة بالبيت الأبيض”.