تحدثت مجلة «إيكونوميست» في تقرير نشرته مؤخرًا، حول «النمو المتزايد في مصر»٬ والتي تقول عنه إنه «لا ينعكس على وضع الفقراء ولا يزيد دخلهم».
ويؤكد التقرير، الذي ترجمته «عربي 21»، أن النظام المصري يقوم بإصلاحات اقتصادية أدت إلى زيادة مستويات الفقر.
وتقول المجلة: «باستثناء شعاع الهاتف النقال خلف كوم البطيخ، فإن بقالة الخضار والفواكه في شارع مزدحم في القاهرة تبدو فارغة٬ ويقول صاحبها إن بضائعه سعرها أعلى بنسبة 25% من الصيف الماضي. ومع تزايد الأسعار يتراجع الزبائن، فمن اعتاد على شراء كيلو يشتري اليوم نصف كيلو، وعادة ما يطفئ الضوء بين زبون وآخر لتوفير بعض الجنيهات على فاتورة الكهرباء، ولم يكن هناك ضوء في محل الجزارة القريب منه، الذي قال صاحبه إن موارده تراجعت بنسبة 20%، قائلا: “أبيع الكثير من العظام لعمل الشوربة”».
ويشير التقرير إلى أن مصر تعهدت في العام الماضي بتخفيض مستويات الفقر إلى النصف بحلول عام 2020، والقضاء عليه بحلول عام 2030، إلا أنها تسير في الطريق الخاطئة. ففي 29 يوليو أعلنت هيئة الإحصاء الوطني عن تقرير تم تأخيره حول دخل أصحاب البيوت المصرية، ووجدت أن 33% من 99 مليون مصري يعدون فقراء حتى العام الماضي، وهي نسبة أعلى بـ 28% مسجلة في عام 2015.
وتستدرك المجلة بأن هذه النتائج المحزنة قد لا تكون محزنة بدرجة كافية، فحددت الحكومة مستوى الفقر بمن لديه دخل شهري بـ 736 جنيها مصريا (45 دولارا)، وهو رقم يراه الاقتصاديون منخفضا جدا، مشيرة إلى قول البنك الدولي في نيسان/ أبريل إن نسبة 60% من المصريين إما فقراء أو عرضة للفقر.
ويجد التقرير أن هذه الأرقام هي تقييم لاذع للإصلاحات الاقتصادية التي أشرف عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدعم من صندوق النقد الدولي، الذي صادق على حزمة قروض بـ 12 مليار دولار عام 2016، بشرط قطع الدعم عن الوقود، والسماح بانخفاض قيمة العملة، وفرض دخل قيمة مضافة بنسبة 14%، وهو ما سمح لمصر بالحصول على فائض، وخفف العجز بنسبة 8.3% من الناتج المحلي العام من 12.5% قبل ثلاثة أعوام.
وترى المجلة أن المكاسب التي تم تحقيقها جاءت بثمن دفعه المصريون أنفسهم، فأدى قطع الدعم عن الوقود إلى ارتفاع كلفة النقل والسفر، فبالنسبة للمصري الذي يعيش تحت خط الفقر الرسمي فإن رحلة قصيرة بالمترو تعني اقتطاع نسبة 25% من دخله الشهري، فيما زاد المعدل العام للإنفاق عند أصحاب البيوت إلى 43% منذ عام 2015، مشيرة إلى أن نسبة الدخل لم ترتفع عن 33% خلال الفترة ذاتها، في وقت زاد فيه الدين للبنوك بنسبة 58%.
وينوه التقرير إلى أن “المصريين تكيفوا مع التضخم الذي وصل إلى 33% عام 2017، ولم يعودوا يحصلون على دخل كما كانوا قبل ثلاثة أعوام، ومع أن التضخم قد خف إلا أن صندوق النقد الدولي يتوقع بقاؤه في العشرات حتى 2021 على الأقل”.
وتذكر المجلة أن “المصريين الأكثر فقرا، الذين ينفقون نسبة 48% من دخلهم لشراء الطعام، هم الأكثر تضررا، فقد أصبح اللحم من الكماليات، فكيلو لحم بقري يعني إنفاق 9% من دخلهم الأسبوعي، وحتى صحن الكشري، الذي يعد الغداء لمعظم المصريين فقد زاد سعره، وتبيع المطاعم الصحن اليوم بخمسة أضعاف أو أكثر من سعره السابق”.
ويشير التقرير إلى أنه “يضاف إلى هذا إصرار الحكومة على الضغط على كل جنيه من المواطن المصري، ما زاد أجرة الخدمات من الحصول على رخصة قيادة إلى الحصول على رخصة حيازة سلاح، وارتفعت كذلك كلفة المدارس الخاصة بنسبة 20-50%، فيما يواجه أصحاب التكاسي مشكلة زيادة الحصول على رخصة لأخذ الركاب من المطار، فوصلت الرخصة إلى ألفي جنيه مصري في الشهر، بالإضافة إلى سعر استخدام موقف السيارات الذي تضاعف أربعة أضعاف، وتم الضغط على ركاب السيارات أيضا، فيجب عليهم دفع 25 دولارا ضريبة مغادرة، وهناك خطة لأخذ نسبة 0.25% من موارد الأعمال والشركات للمساهمة في تمويل خطة جديدة للصحة العامة”.
وتبين المجلة أن “الكثير من التغييرات جاءت متأخرة، مثل قطع الدعم على الوقود، لكن حكومة السيسي تبدو غير أبهة لأثرها على الفقراء، وهي تشير إلى توسع الاقتصاد بنسبة 5.6% العام الماضي من مجمل الناتج المحلي، وهو ما جعل مصر الأكثر نموا في الشرق الأوسط، لكن هذا النمو مرتبط بالازدهار في مجال النفط والغاز الطبيعي، أما بقية القطاعات فتبدو راكدة، ورغم خلق فرص عمل، إلا أنها في الأعمال ذات الأجر المتدني أو القطاعات غير الرسمية”.
ويجد التقرير أنه “مع أن الدعم كان يقع في قلب شبكة الحماية الاجتماعية المصرية، إلا أن شيئا لم يحل محله عندما تم قطعه، فبرنامج توفير الدعم المعروف تكافل وكرامة يغطي 9.4 مليون مصري، أي أقل من 10% من السكان، بالإضافة إلى أن الدعم الشهري للعائلات التي لديها أطفال لا يكفي لشراء علبة حليب، وتوفر بطاقات الحصص التموينية الفرصة للحصول على المواد الأساسية، لكن أحدا لا يمكنه العيش على الزيت والأرز فقط”.
وتقول المجلة إنه “في مواجهة الأخبار السيئة فإن الحكومة تصرفت بالطريقة التي تتقنها، وهي لوم حامل الأخبار، وكان من المفترض صدور تقرير الفقر في شهر فبراير، وتم تأخيره مرتين، وطلب من المشرفين عليه مراجعة النتائج”.
وتختم “إيكونوميست” تقريرها بالإشارة إلى أن “السيسي بحاجة للتحرك، من الإصلاحات المالية، وتخفيف القيود على التجارة، وإبعاد الجيش عن التجارة”.