في محافظة أسوان مركز ادفو كانت زيارتنا تلك المرة ، المكان يبدو للوهلة الأولى أكثر من ساحر النيل يمر على كل جنبات المركز بالإضافة إلى وجود معبد ادفو حيث انتعاش السياحة في تلك المنطقة ، خطوات للأمام قليلا لنخرج من هذا المركز لنمر على القرى التابعة له ، ستجد نفس المنظر الخلاب النيل معك في كل طريق والصحراء على الجانب الآخر ولكن الفارق هذه المرة في حال الناس ومساكنهم وملابسهم ، ماهى إلا مسافات بسيطة ولكن الوضع مختلف ،
فهذا البيت يقع على هذا المنظر
لقد حاول الكثير من المنتفعين طرد هؤلاء لاستغلال تلك الأماكن ، ولكنهم يجهلون إن مثل هؤلاء منازلهم هي أوطانهم التي لا يفرطون فيها أبدا ، ويا ليتهم حاولوا مساعدتهم دون استغلال طيبتهم ، يرحل نظام ويأتي آخر ولا شيء يتغير الوضع كما هو عليه ، يرحلون في سلام دون أن تشعر برحيلهم ، يملكون طاقات من الحمد على ما هم فيه غير طبيعية ..
الساعة التاسعة صباحا قال لنا احد المرافقين سأريكم الاّن منظر لن تروه فى اى مكان اّخر ، فقولت فى نفسى وهل هناك أسوأ مما رأينا ، لعل وعسى هناك أسوأ فنحن هنا وكأننا فى دولة تعانى من مجاعات وغياب لأبسط معانى الانسانية ، لقد كانت الصدمة الكبرى حينما شاهدنا للوهلة الأولى يأكلون من القمامة ، يشاركون الكلاب فى طعامهم ، فى منظر يجعلك تبكى مهما كانت ملتك ومهما كان مذهبك .
كيف لطاقة إنسان أن يتحمل أن ينام في العراء في صحراء قاحلة دون سقف أو بسقف من مجموعة من الغاب لا يحمى من مطر ولا من شور الصحراء ، تغدو حولهم الثعالب والعقارب والأفاعي والحيات وتحرسهم عناية الله ، فلا كائن على وجه يستطيع أن يحميهم من هذا الكم من روائح الموت ، الجوع والعطش والشمس الحارقة والافاعى والعقارب والثعالب والقرضة.
من يمرض او يولد بعاهة مصيره ان يكون طريح الفراش طوال حياته ، فبأي ذنب ، أناس يجوبون العالم للترف واللهو واناس يعيشون حياتهم ملازمين للفارش لأن هؤلاء لا يشعورون بهم ، فأين نحن من قول النبى صلى الله عليه وسلم
{ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى }
أمة يذهب بعضها للمشفى من كثرة الأكل وبعضهم يذهب لانه لا يجده كيف لها ان تقود ؟!!
وأين نحن من قول النبى صلى الله عليه وسلم " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ , ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ " .
بل وأين نحن من قوله عز وجل "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، التوبة/ 34)
كلما زاد الفقر والجوع والأمية زاد الجهل والخرافات ، فتلك معادلة طبيعية ،فالاعتقاد فى الأولياء والأضرحة أمر مبالغ فيه هناك حتى انك لتجد لك قرية ضريحا يقدسون صاحبه ، كان هناك سائق مصاحب لنا حينما تناولنا احد مشايخهم ممن يقومون لهم مقاما قال لى ( متجبش فى سيرته أحسن يأذينا او يحصلنا حاجة ) فأجبته أما سمعت قوله صلى الله عليه وسلم (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك).. غاب التعليم فزاد الجهل والبدع والخرافات ، فتلك صورة لمدرسة أغلقت وتحولت إلى قاعة أفراح.
المؤسف فى الأمر هو حجم الثروات التى يتمتع بها جنوب مصر ، عروق الذهب التى اكتشفت مؤخرا الصحراء الخصبة الممتدة الفوسفات والمنجنيز ، نهر النيل الذى هو مصدر الحياة ، فكيف مع كل هذا يعانى الصعيد ،؟! إن الأمر يحتاج الى تدخل حكومى واسع ونشاط مجتمعى كبير لنتكاتف لحل تلك الأزمة التى تستفحل يوما بعد يوم ، اليوم هناك اناس على قيد الحياة غدا سيتعلون فى رقبتنا ويقولون لنا بأى ذنب قتلنا جوعا ؟!! ..
قلوب الأمة تشتكى وتدعوا الله أن يخرجها مما هى فيه .. فهل من مجيب ؟؟ الصعيد يشتكى إلى الله ..