هاجم قضاة مجلس الدولة، التعديلات الدستورية، التي يناقشها مجلس النواب، معتبرين أنها “أسرفت في هدم استقلال القضاء، وأفرطت في النيل منه، لتقضي على ما تبقى من استقلال، وتحوله إلى مرفق تديره السلطة التنفيذية”.
وقال قضاة المجلس، في مذكرة مرسلة، أمس الخميس، إلى رئيس مجلس النواب، علي عبدالعال: “يؤلمنا أن نصرح بأننا نستشعر عدم الاطمئنان والاستقلال في أداء رسالتنا، بيد أن القضاء المستقل لا يوفر فقط للمواطن الطمأنينة على حريته وعرضه وماله، وإنما يؤمن الحاكم كذلك، ومن شأنه أن ينشر الأمن على ربوع البلاد، فيوفر للأمة فرص استمرار وجودها، ويصد عنها النكبات والكوارث“.
وأضافت المذكرة أن “مقترح التعديلات الدستورية يتجافى بالقضاء عن استقلاله، ويتراخى عن حيدته وتجرده، وهو الاستقلال الذي حرصت كل المبادئ والقيم الدستورية على صونه“، مستطردة “لا عدل من دون استقلال القضاء، والذي ليس هو أسبق من الأمن فحسب، بل هو سببه وأساس وجوده“.
وتابعت أن “تعديل الدستور يجب أن ينطلق من ضرورة اجتماعية وسياسية وقانونية، ويستهدف مسايرة تطورات وأحداث استجدت بعد نفاده، أو معالجة مثالب أفرزها واقع تطبيقه، بهدف كفالة العيش الكريم للمواطن، وتحقيق المؤسسات الدستورية لأهدافها، وكذلك المزيد من الضمانات الأساسية للحريات، وإلا غابت كل حكمة من وراء التعديل، وأضحى من دون هدف مشروع“.
وتساءلت المذكرة: “كيف لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وقد اصطفاه رئيس الجمهورية بموجب التعديلات، أن يفصل في مدى دستورية قانون أصدره الأخير؟ فمن غير المستساغ أن يختار الشخص (رئيس الجمهورية) من يحاكمونه إذا اقتضى الحال!”، منتقدة قصر دور مجلس الدولة في مراجعة القوانين التي تُحال إليه فقط، بعد أن كان اختصاصه بالمراجعة ملزماً.
وزاد القضاة في مذكرتهم: “إتاحة التعديلات لغير مجلس الدولة الإفتاء في المسائل القانونية هو أمر غير مبرر، بل يتصادم والصالح العام. كما أن عدم النص على اختصاص مجلس الدولة بمراجعة العقود الإدارية يُثير الدهشة والغرابة، فهو اختصاص يمارسه المجلس منذ نشأته عام 1946، أي ما يربو على اثنين وسبعين عاماً“.
واعتبر قضاة نادي مجلس الدولة أن إلغاء الموازنة المستقلة لكل جهة أو هيئة قضائية “يمثل ردة إلى الماضي، وإفساح المجال للسلطة التنفيذية للسيطرة على القضاء، ومصائر القضاة، إذ يسمح لوزارة العدل بتحديد كيفية معاملة القضاة مالياً، منحاً ومنعاً، وهو أمر يناهض استقلال السلطة القضائية“.
وختمت المذكرة بالقول إن “استقلال السلطة القضائية بميزانيتها ليس بدعة، وإنما هو الحال مع السلطة التشريعية، ومؤسسة الرئاسة، والقوات المسلحة، والجهاز المركزي للمحاسبات، وغيرها من الجهات التي تُدرج رقماً واحداً في الموازنة العامة للدولة. بل إن السلطة القضائية أولى من كثير من هذه الجهات بهذا الاستقلال“.