إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ سحب قوات بلاده من سورية، تسبب في خلط جميع الأوراق واختلال كافة الموازين، ليس في الساحة السورية وحدها بل في منطقة الشرق الأوسط عموما، حيث بدأت الدول المعنية والقوى الدولية والاقليمية مرحلة إعادة الحسابات والتموضع بناء على المعطيات الأمريكية الجديدة.
لكن الطرف الأميركي، فيما يبدو أنه بشكل متعمد، ترك الأمور ضبابية غير واضحة، سواء فيما يتعلق بالانسحاب حجما وموعدا وجهة وتوقيتا، أو على صعيد تحديد الجهة التي سوف تملأ الفراغ الحاصل جراء هذا الانسحاب، مما أثار موجة من القلق والتردد وغبش الرؤية لدى الجميع دون استثناء.
فجأة .. ترامب يعلن عن سحب قوات بلاده من سورياكيف كانت ردود الأفعال؟
Publiée par شبكة رصد sur Jeudi 20 décembre 2018
** التصعيد الأميركي ضد إيران
تزامن الإعلان الأميركي عن الانسحاب من سورية مع ثلاثة إعلانات لا تقل أهمية عنه. الأول هو التصدي للنفوذ الايراني في سورية وعموم المنطقة، والثاني إعلان نهاية تنظيم الدولة، والثالث إعلان حمزة بن لادن خليفة لأبيه في زعامة تنظيم القاعدة، ووضع واشنطن مكافأة مالية قدرها مليون دولار لمن يسلمه أو يدل عليه.
إعلان نهاية تنظيم الدولة معناه في القاموس الأميركي «إيجاد/ توليد خطر استراتيجي جديد»، كما أن إعلان حمزة بن لادن خليفة لأبيه في زعامة تنظيم القاعدة معناه أن دائرة الخطر الإرهابي القادم في المنظور الأمريكي والغربي عموما، لا زال محصورا في إطار المسلمين السنة!.
ترامب: سأعلن القضاء على داعش «الأسبوع القادم»
Publiée par شبكة رصد sur Jeudi 7 février 2019
حتى اللحظة يبدو أن التصعيد الأخير ضد إيران، والتهديدات المستمرة والمتكررة لها من أعلى شخصيات في هرم السلطة الأميركية، والتي لم تتعد دائرة القول إلى الفعل، مرتبط بمصلحة الاحتلال الإسرائيل بالدرجة الأولى، بهدف ابتزاز الدول العربية، والخليجية منها على وجه الخصوص، من أجل دفعها لقبول «صفقة القرن» التي يسوق لها جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب ومستشاره، والصديق المقرب من رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو.
قد يستفيد مؤقتا من لعبة التجاذبات بين واشنطن وطهران، ما يسمى بالتيار المتشدد، او الدولة الإيرانية «العميقة»، الذي يقوده مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي، ومعه وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي، وقائد العمليات العسكرية الخارجية في الحرس الثوري قاسم سليماني. لكن في جميع الأحوال واشنطن لن تقع في فخ التصنيفات الايرانية بين معتدل ومتشدد، ومحافظ وإصلاحي.
وتعيش الساحة السورية حالة من الاستعصاء والانسداد شبه التام على جميع الصعد، السياسية والعسكرية والميدانية والاقتصادية. فبينما يقف الأمريكي متحكما بالموقف وممسكا بزمام الأمور، يقف الجميع في الجهة المقابلة حذرا متوجسا يقظا خائفا من الجميع.
**إيران قلقة
الطرف الايراني يسعى للتصعيد العسكري واستمرار المعارك في سورية مهما كلف ذلك من ثمن، بهدف تخفيف الحصار والضغوط الأمريكية ضده.
الجيش الأميركي ينشر نظام الدفاع الجوي والصاروخي الأكثر تقدما «ثاد Thaad» في إسرائيل للمرة الأولى، و البنتاجون يعلن فوز شركة لوكهيد مارتن بعقد مرتبط بشراء السعودية المنظومة ذاتها، حيث كانت السعودية قد اتفقت في نوفمبر على شراء 44 منصة إطلاق «ثاد Thaad» وصواريخ ومعدات ذات صلة بالنظام من الولايات المتحدة في صفقة قيمتها 15 مليار دولار، من أجل الحصول على قدرات وتقنيات متطورة تمكنها من إحباط أي هجوم صاروخي محتمل من خصمها الإقليمي إيران.
الصفقة الإستثنائية للسعودية تسجل نقلة مهمة اليوم بإعلان البنتاجون تسليم964 مليون💵لشركة لوكهيد مارتن(دفعة اولى لتصنيع صواريخ ثاد الاستراتيجية ( صائدة الصواريخ الباليستية داخل وخارج الغلاف الجوي)ضمن صفقة ضخمة تصل ٤٤ قاذفة صواريخ #السعودية_العظمى #THAAD
pic.twitter.com/LBpkfve5gd— خالد دراج (@khaliddarraj) March 4, 2019
القيادة الأميركية في أوروبا قالت في بيان لها: «إن «ثاد Thaad هو أكثر النظم الدفاعية الصاروخية والجوية المتكاملة تقدما في العالم، حيث بإمكانها الرد بسرعة تفوق التوقعات على أي تهديد في أي مكان وفي أي وقت».
الإدارة الأميركية تقول إن قرار النقل السريع لنظام «ثاد Thaad» -المصمم لاعتراض الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى- إلى إسرائيل قُصد به «إظهار التزام الولايات المتحدة المستمر بدعم أمن إسرائيل الإقليمي». طبعا الدعم هنا ضد إيران.
يضاف إلى ما سبق تصنيف الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً لميليشيات «حركة النجباء» ضمن التنظيمات الإرهابية.
كما هو معلوم فإن «حركة النجباء» أحد فصائل الحشد الشعبي، الجيش الموازي والداعم للجيش العراقي، الذي منحته الحكومة العراقية صفة رسمية، بالرغم من جميع الاعتراضات عليه، كونه يتلقى تعليماته وأوامره من طهران.
القرارات والخطوات والحصار والعقوبات الأميركية ضد إيران، رسائل واضحة لطهران، إما أن تذعن وتنصاع للتوقيع على اتفاق بالشروط الأميركية، أو أنها ستواجه الحصار الخانق.
العقوبات الأميركية ضد إيران تدخل حيز التنفيذ وإيران يهدد التعاونين معهافكيف ستتضرر إيران من هذه العقوبات؟
Publiée par شبكة رصد sur Mardi 7 août 2018
طهران قلقة وخائفة، لأن جميع مكتسباتها في سورية وبقية دول المنطقة قد تصبح في مهب في مهب الريح في أي لحظة، إذ من اليسير محاصرتها واتهامها باستخدام العنف والإرهاب، حيث ميليشياتها لا تزال ترابط على الأرض السورية، وهذا ما بدأ الأمريكان يدندنون به بوتيرة منخفضة، لكنها قابلة للتصعيد.
**تركيا قلقة
تركيا قلقة جدا وتخشى من صفقة بين واشنطن وموسكو بخصوص منبج وشرق الفرات. زيارات المبعوث الأميركي الخاص لشؤون سورية جيمس جيفري المتكررة لأنقرة، والتطمينات التي يقدمها الأميركان للطرف التركي لا تبدو كافية لبناء الثقة، بعد كم كبير من الوعود الأميركية التي لم تلتزم بها واشنطن.
حتى هذه اللحظة لم يقدم الطرف الأميركي أي سيناريو من شأنه إزالة مخاوف أنقرة حول مصير الأسلحة الثقيلة التي تم تسليمها لميليشيات قسد. كما أنه لا يوجد أتفاق حول هوية وطبيعة وحجم القوات التي ستتولى مهمة حفظ الأمن في المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها في الشريط الحدودي بين تركيا وسورية.
في احدث تصريحاته بخصوص الانسحاب الأمريكي من سورية، عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن هواجس بلاده قائلا: «يمكنهم (الأميركان) أخذ أسلحتهم معهم إذا رغبوا، أو بيعها لنا، لكن عليهم أن لا يمنحوها للإرهابيين».
هل كذب ترامب في قرار الانسحاب من سوريا؟تركيا غاضبة من تصريحات أميركية وأردوغان يهدد بشن عملية شرق الفرات
Publiée par شبكة رصد sur Jeudi 10 janvier 2019
يضيف الرئيس أردوغان: «يجب أن تكون المنطقة الآمنة في سورية بعمق ٣٠ كيلومترًا من الحدود مع تركيا، وبالتأكيد لابد أن تكون تحت سيطرتنا، كما أن تركيا لا يمكن أن توافق على منح السيطرة على هذه المنطقة لأي جهة غيرها».
**روسيا قلقة
حتى اللحظة ينظر الروس بعين الريبة إلى أي تقارب وتفاهم يتم بين واشنطن وأنقرة، فيقومون بدفع قوات النظام والميليشيات الايرانية وتحريضها على خرق اتفاق سوتشي، باستهداف إدلب وريفها وريف حلب الشمالي وبقية المشمولة باتفاق وقف التصعيد.
أكثر من ذلك تطالب موسكو بأن تسلم واشنطن منطقة منبج وشرق الفرات لنظام الأسد، وتبدي استعدادها للعب دور في حفظ الأمن هناك، الأمر الذي ترفضه أنقرة رفضا قاطعا. حيث يعني ذلك بالنسبة لها استمرار تهديد مليشيات ب ي د / ي ب ج لأمنها الاستراتيجي.
جلب إيران لبشار الأسد إلى طهران على الطريقة الروسية الاستعلائية المهينة، التي لم تقم له أي اعتبار بوصفه رئيسا للجمهورية العربية السورية، رسالة واضحة للروس تحديدا، بأن طهران هي من يملك قرار البت في مصير النظام السوري.
أعلن استقالته على إنستجرام وأغلق هاتفه..لماذا غضب وزير الخارجية الإيراني من زيارة بشار الأسد؟
Publiée par شبكة رصد sur Mardi 26 février 2019
التجاذبات الروسية الايرانية في سورية لم تعد بالحجم الذي يمكن تجاوزه أو تغطيته ببرقع التحالف الاستراتيجي بين الطرفين. خصوصا بعد الاتفاق بين بوتين ونتنياهو الأخير.
روسيا قلقة أيضا من اتفاق قد يحصل في أي لحظة بين واشنطن وطهران. بالرغم من جميع التجاذبات بين أميركا وإيران، فإن الطرف الروسي يخشى من صفقة بينهما تأتي الدقيقة الأخيرة من المباراة، رغم كل مظاهر التصعيد بين الطرفين.
** خلاصة
تؤكد الأطراف الفاعلة في سورية على ضرورة الحل السياسي وحده، واستبعاد جميع ما سواه. لكن جميع هذه الأطراف تسعى في الوقت ذاته إلى زيادة مكاسبها الميدانية، باعتبار ان السيطرة الميدانية تنعكس بشكل طردي على موقعها وأوراقها التفاوضية في المستقبل.
هذا التناقض إذا أضيف إليه الشك وغياب الثقة بين الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في سورية، فإن الحديث عن مسار سياسي في المستقبل القريب، أيا كانت صفته وطبيعته، سيبقى ضربا من التفاؤل المفرط.