يواصل الجوع والفقر إنهاك معظم سكان اليمن، البالغ عددهم نحو 28 مليونا، في وقت يقترب فيه البلد العربي من دخول العام الخامس من حرب دموية أوجدت أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
استمرار الحرب بين القوات الحكومية وجماعة (الحوثي) أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، وسط تحذيرات دولية متكررة من مجاعة محتملة تهدد ملايين اليمنيين.
يؤرخ البعض لبداية الحرب بسيطرة الحوثيين على صنعاء، في سبتمبر 2014، بينما يرى آخرون أنها بدأت بتدخل التحالف العسكري العربي، بقيادة الجارة السعودية، لدعم القوات الحكومية اليمنية، في مارس 2015.
في ظل تلك الحرب المتواصلة، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في بيان الخميس الماضي، أن 80% من السكان (حوالي 24 مليونا)، بحاجة لشكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية، بينهم 14.3 ملايين بحاجة حادة لتلك المساعدات.
ما زال #اليمن يواجه أكبر أزمة إنسانية في العالم. يحتاج 24 مليون شخص إلى المساعدة والحماية. ويعاني أكثر من 20 مليونا من الجوع.https://t.co/yNihEfvZNv pic.twitter.com/y3elmwK35M
— أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) February 15, 2019
وأضاف أن «أكثر من 20 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم قرابة 10 ملايين يعانون من مستويات حادة من الجوع».
وأفاد بأن نسبة المحتاجين للمساعدات «زادت بنحو 27% مقارنة بالعام الماضي».
مع تلك الأرقام المأساوية، يستمر الوضع الإنساني في التدهور مع اقتراب الحرب من عامها الخامس، في مارس المقبل.
وبات ملحوظا في كل المدن اليمنية انتشار المتسولين في الشوارع والأسواق وعلى أبواب المساجد، بحثا عن أموال زهيدة تقيهم من الجوع.
** البحث عن الغذاء
ملايين الأسر اليمنية باتت تعيش دون دخل مستمر؛ مما أجبر الكثيرين على البحث عن أي مصدر للعيش، في رحلة يومية مأساوية.
موت بلا دماء… الجوع يفتك بآلاف الأطفال اليمنيينوالحرب والحصار تفاقم أزمتهم
Publiée par شبكة رصد sur Jeudi 22 novembre 2018
بثياب رثة وجسد هزيل، يتنقل الطفل محمد مقبل (12 عاما) في أحياء صنعاء، لتجميع المواد البلاستيكية وبيعها لمعارض تشتريها كي تعيد تدويرها.
يعمل مقبل يوميا ليعيل أسرته المكونة من خمسة أشخاص يعيشون وضعا إنسانيا صعبا في غرفة واحدة يستأجرونها.
وقال مقبل: «نزحت أنا وأفراد أسرتي قبل أشهر من مدينة الحديدة (غرب)؛ بسبب القتال الدائر هناك».
وبدعم من التحالف العربي تحاول القوات الحكومية اليمنية، استعادة المدينة الساحلية الاستراتيجية على البحر الأحمر، التي يسيطر عليها، منذ سنوات، الحوثيون المتهمين بتلقي دعما إيرانيا.
وأضاف أن والده حاول البحث عن أي عمل في صنعاء، لكن دون جدوى.
ويسيطر الحوثيون على عدد من المحافظات، بينها صنعاء.
وتابع مقابل: «وضعنا المعيشي الصعب أجبرني على العمل في تجميع العلب الفارغة الخاصة بالمياه والمواد الغازية، التي يرميها المواطنون في شوارع أو أماكن النفايات».
وشكى من أنه في بعض الأيام لا يستطيع تجميع قدر مناسب من المواد البلاستيكية لتوفير الغذاء الأساسي لأسرته، مما يجبر الأسرة على جلب غذائها من صدقات الآخرين.
** غياب المساعدات
رغم تقديم المساعدات الدولية بشكل متكرر إلى اليمن، إلا أن ثمة شكاوى من عدم وصولها إلى الكثيرين؛ بسبب التلاعب بها، وهو ما أدى إلى استمرار وتوسع المأساة الإنسانية.
وقالت عفاف الأبارة، وهي صحفية يمنية معنية بالوضع الإنساني، إن «معاناة اليمنيين تزداد كل يوم، بل كل ساعة».
وتابعت: «عندما تخرج مثلا في شوارع صنعاء ترى العشرات من الأمهات الطاهرات يقفن في الشوارع يسألن الناس بعض الريالات وأعينهن تفيض من الدمع؛ فالجوع دفعهن إلى الخيار الصعب، وهو سؤال الناس».
وأردفت: «مشهد آخر يؤلمك أكثر عندما تمر في بعض الشوارع، وترى عمال الأجر اليومي ووجوههم شاحبة وعليها علامات اليأس، فهم أحد أكثر الشرائح تضررا، بعد أن انعدمت أعمالهم بسبب الحرب؛ مما دفعهم إلى سؤال الآخرين طلبا للعون».
وشددت على أن «الوضع الإنساني يزداد تفاقما في كل يوم، في ظل استمرار الحرب على كل المستويات.. لا شىء يوقف الكارثة بحق الإنسان اليمني سوى السلام وعودة المواطنين إلى مصادر دخلهم».
حصار سعودي مشدد على #اليمن و7 ملايين إنسان مهدد بالموت جوعا ومليون بالكوليرا
Publiée par شبكة رصد sur Samedi 11 novembre 2017
وتابعت: «نجد بيانات وإنذارات متكررة لمنظمات الأمم المتحدة عن الجوع والمجاعة وغيرهما، لكن منذ أكثر من أربع سنوات لم يلمس الكثيرون المساعدات على أرض الواقع.. المواد الغذائية لم تصل إلى الجميع، بل لفئة قليلة من الناس».
ودعت الأمم المتحدة إلى «الكشف بشفافية عن كيفية توزيع مساعداتها.. أين تذهب ومن الذين يوزعونها.. اليمنيون يموتون جوعا والمساعدات الأممية تُباع في السوق السوداء ولسان حال المحتاجين يقول: نسمع جعجعة ولا نرى طحينا».
** مقترحات لتخفيف الأزمة
استمرار تفاقم الوضع الإنساني رغم تواصل المساعدات دفع خبراء إلى الحديث عن ضرورة البحث عن بدائل لتخفيف الأزمة.
وقال الباحث الاقتصادي، سعيد عبد المؤمن، إن «الوضع الإنساني يزداد سوءا في كل المجالات، خاصة في مجال المواد الغذائية».
وأضاف: «في العام الماضي كانت مطاحن البحر الأحمر بمحافظة الحديدة تعمل وتغطي جزءا كبيرا من احتياجات الناس من الدقيق، واليوم اختفى الدقيق بشكل كبير وارتفعت أسعاره».
وتابع: «نلاحظ أيضا في العام الحالي أن المواد التي يتم استيرادها من الخارج، ولاسيما القمح، تزداد رداءة بشكل كبير».
ومضى قائلا: «أسعار القمح والدقيق ترتفع والكميات لا تتوفر بشكل مناسب، وهو ما ينطبق أيضا على السكر والأرز».
وزاد بأن «الأمطار كانت قليلة في الفترة الماضية، ما أدى إلى انخفاض المنتجات الزراعية محليا».
وحذر من أن «الأشهر المقبلة ستكون صعبة جدا على غالبية اليمنيين، فلا يوجد مؤشر على انتهاء أزمة الحديدة (المدينة ومينائها) أو تشغيل الموانئ الأخرى بشكل جيد، أو إيجاد بدائل محلية بدعم دولي حقيقي».
ولم يفلح اتفاق وقعته أطراف النزاع، برعاية الأمم المتحدة أواخر العام الماضي، في تسوية الوضع في الحديدة والموانىء.
وشدد على أنه «يجب أولا إيقاف الحرب لتخفيف الأزمة الإنسانية، فهذه الحرب باتت عبيثة وكلما طالت زاد ضررها بشكل أكبر، خاصة في المناطق الزراعية التي يعاني أصحابها من مشاكل متعددة، كارتفاع أسعار الوقود وصعوبة التنقل».
الملك وابنه وحدهما من يديران الأمور..شقيق الملك سلمان ينتقد حرب اليمن ويهاجم محمد بن سلمان
Publiée par شبكة رصد sur Mardi 4 septembre 2018
ودعا عبد المؤمن إلى «ضرورة أن يبحث المجتمع الدولي عن آليات أفضل لتحسين الجانب الغذائي، كدعم بعض التجار المحليين الموثوق بهم من أجل استيراد المواد الغذائية وإيصالها إلى اليمن بأسعار مناسبة».
واقترح على المنظمات المانحة «تقديم مبالغ محددة بالدولار عبر البنوك اليمنية للموظفين الذين انقطعت رواتبهم منذ أكثر من عامين، على أن تصل إلى حسابات بنكية خاصة بهم لتخفيف الوضع الإنساني المتفاقم».