مؤتمر ميونيخ للأمن، هو الأشهر من بين مؤتمرات السياسة والأمن في العالم الذي يحرص على حضوره زعماء دول عظمى ومسؤولون وقادة عرب في دورات انعقاده السنوية في شباط من كل عام في مدينة ميونخ بألمانيا منذ 56 عاما.
ولا تصدر عن المؤتمر بيانات ختامية، إنما تقتصر فعالياته على اجتماعات ونقاشات تتضمنها أكثر من 30 جلسة يتحدث فيها نحو 120 متحدثا من قيادات العالم وصناع القرار في القضايا الدولية التي تهم دول العالم.
في دورته الحالية، شارك أكثر من 600 من صنّاع القرار الدوليين من سياسيين ورجال أعمال وقيادات أمنية ورؤساء شركات كبرى وشخصيات دولية ومراكز أبحاث ومنظمات دولية، منهم 35 رئيس دولة وحكومة و50 وزيرا للخارجية والدفاع.
وبدا واضحا في ختام مؤتمر ميونيخ للأمن أن المؤتمر ركز على ثلاثة محاور أمنية رئيسية تتعلق بالسياسات الأمنية وعلاقاتها بالسياسات التجارية، والسلام الدولي وصلته بالهجرة غير الشرعية، وأيضا ما يتعلق بالتسليح.
وإضافة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حضر جلسات المؤتمر زعماء دول ورؤساء حكومات ووزراء خارجية ودفاع ومسؤولون آخرون، من بينهم نائب الرئيس الأميركي ووزير الخارجية الروسي وأمير دولة قطر والسيسي ورئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا.
ناقش المشاركون على مدى ثلاثة أيام (15 و16 و17 فبراير) الأزمات الدولية الشائكة والتعاون الأمني والدفاعي بين دول العالم والتجارة الدولية وقضايا تهم دول العالم مثل الصراعات في الشرق الأوسط، ليبيا وسوريا واليمن، والخطر الإيراني والسلام الفلسطيني الإسرائيلي وغيرها مثل الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.
أشار التقرير السنوي لمؤتمر ميونخ للأمن إلى الخلافات الأميركية الروسية حول التسليح والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مشددا على تزايد انعدام الأمن على مستوى العالم، مؤكدًا أن «النظام العالمي يتفكك».
وتأتي أهمية مؤتمر ميونيخ للأمن من كونه منصة عالمية يتم من خلالها بحث القضايا الأمنية حول العالم عبر منح الفاعلين السياسيين وصناع القرار فرصة التواصل المباشر بشكل غير رسمي.
ومن بين المواضيع التي أخذت أولوية في جلسات المؤتمر، التعاون الأمني والدفاعي لدول الاتحاد الأوروبي ومستقبله، وما يتعلق بتحقيق التعاون والرغبة الأميركية بمشاركة «أكثر عدالة في الأعباء داخل حلف شمال الأطلسي»، وما يستوجب عمله لمنع إنشاء هياكل عسكرية متنافسة وخلق استراتيجيات تعاون بديلة عن المواجهة، إضافة إلى مستقبل التجارة الدولية.
الخلافات الأوروبية الأميركية:
خلص مراقبون إلى أن مؤتمر ميونيخ للأمن كشف حقيقة التباين في المواقف السياسية بين الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي بشكل أكثر وضوحا وغير مسبوق على منصات المؤتمر التي عبّر مسؤولون أوروبيون عن استيائهم من قرارات «معادية» دأب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على اتخاذها.
شملت الخلافات الأميركية الأوروبية علنا أو في أروقة المؤتمر قائمة مواقف حول قضايا تتعلق بالملف النووي الإيراني والمناخ والتجارة الدولية والالتزام الأوروبي بدفع المستحقات لحلف شمال الأطلسي، وأيضا حول الانسحاب الأميركي من سوريا والحرب في اليمن وغيرها.
وفي دلالة على عمق الخلافات الأوروبية الأميركية، قوبلت كلمة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بالصمت عندما نقل للحاضرين تحيات الرئيس الأميركي لهم في دلالة «عملية» على حجم الاستياء الأوروبي والعالمي منه.
الملف السوري:
وعقد وزراء دفاع دول التحالف الدولي ضد تنظيم داعش اجتماعا مغلقا على هامش أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن، تناول انحسار داعش في سوريا، غير أنه لم يصدر عنه أية إشارة حول مستقبل النظام السوري والتسوية السياسية في هذا البلد، ما قد يعني ضمنا اقرارا بالواقع.
وفي الوقت الذي أكد فيه نائب الرئيس الأميركي على مواصلة بلاده ملاحقة فلول تنظيم داعش مع اقتراب سحب قواتها من سوريا؛ فإنه شدد على أن الولايات المتحدة «تحتفظ بوجود قوي في منطقة الشرق الأوسط».
فجأة .. ترامب يعلن عن سحب قوات بلاده من سورياكيف كانت ردود الأفعال؟
Publiée par شبكة رصد sur Jeudi 20 décembre 2018
وبالتزامن مع اقتراب خسارة تنظيم داعش آخر مساحة يسيطر عليها في سوريا، وهي أقل من كيلومترين مربع، أعلن نائب الرئيس الأميركي أن بلاده ستبدأ «لاحقا» بتسليم المهمات القتالية لمطاردة فلول التنظيم لشركائها في المنطقة بينما تقوم بإعادة قواتها إلى بلادهم، فإن هذا ليس أكثر من تغيير في الخطط المرحلية وليس تغييرا في المهمة أو الخطط بعيدة المدى.
وناقش وزراء دفاع لبنان وتركيا والأمين العام لجامعة الدول العربية ونائب وزير الدفاع الروسي والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ملف «الصراع السوري بين الإستراتيجية والمأساة»، وما يتعلق بالمنطقة الآمنة وهزيمة تنظيم داعش في ظل إجماع على وجوب الاستماع إلى معاناة الشعب السوري وضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254.
منصة ميونخ لتحسين صورة النظام المصري:
في محاولة منه لتحسين علاقاته مع الدول الأوروبية بسبب الانتهاكات الحادة لحقوق الإنسان، حيث تحدثت منظمات حقوقية دولية عن أكثر من 60 ألف حالة اعتقال سياسية لمعارضين، استعرض السيسي جهود بلاده في مكافحة الإرهاب، وهو شأن يحظى باهتمام تلك الدول، والإشارة إلى الانفتاح الاقتصادي على دول العالم والسعي المصري لاستثمار رئاسة الاتحاد الأفريقي في ما بدا عكس صورة عن استعادة مصر لدورها الإقليمي وما يتطلبه من تعاون وتنسيق دولي.
السيسي لأوروبا: راقبوا المساجد
السيسي يدعو دول أوروبا لتشديد الرقابة على المساجد
Publiée par شبكة رصد sur Dimanche 17 février 2019
إلا أن ذلك لا يعني الكثير أمام المزيد من التناقضات التي يحاول النظام المصري الظهور أمام العالم بأنه مثالا للتعايش بين الأديان ورأس حربة في مكافحة الإرهاب في ذات الوقت الذي تتزايد ممارسات الأجهزة الأمنية في قمع المعارضين وكبت الحريات في عهد عبد الفتاح السيسي، وهو ما يدركه العالم وتؤكده المنظمات الحقوقية الدولية.
من جانب آخر، وبعيدا عن الانتهاكات لحقوق الإنسان والانتقادات الموجهة للحكومة المصرية على خلفية التعديلات الدستورية المنتظرة والتي تسمح للرئيس الحالي بالبقاء في السلطة إلى عام 2034، أي «مدى الحياة»، عكست تصريحات القادة الأوروبيين خلال جلسات المؤتمر على أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار في مصر بصفتها دولة إقليمية مهمة لقضايا الشرق الأوسط ورئيسة للاتحاد الأفريقي، المنظمة الأهم في القارة الأفريقية.
فورين بوليسي: لماذا يدعم الغرب الدكتاتورية في مصر؟
Publiée par شبكة رصد sur Vendredi 15 février 2019
إيران في مؤتمر ميونيخ:
وإلى جانب الخلافات حول القرار الأميركي بالانسحاب من سوريا، والذي اعتبره وزير الخارجية الفرنسية وحلفاء آخرون بأنه سيخلّف المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، وأنه سيخلق فراغا قد يفيد «عدوتها» إيران، برزت خلافات أكثر أهمية حول دعوة مايك بنس الدول الأوروبية لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، الذي ترفض هذه الدول الانسحاب منه وتتمسك بتطبيقه «كاملا» من أجل «أمن أوروبا»، وفقا لمسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي في ردها على انتقادات مايك بنس بشأن قرارات فرنسا وألمانيا وبريطانيا السماح للشركات الأوروبية بمواصلة نشاطاتها في إيران رغم حزمة العقوبات الأميركية.
تعتقد الولايات المتحدة أنها اتخذت خطوات حاسمة، وفقا لنائب الرئيس، في مواجهة ما وصفه «أكبر تهديد للسلام والأمن في الشرق الأوسط والذي تمثله إيران» الدولة الراعية للإرهاب حول العالم والتي تدعم «الوكلاء لها والميليشيات وحماس وحزب الله»، وتقوم على تصدير الصواريخ التي تغذي الصراعات في سوريا واليمن وتنادي علانية بتدمير «دولة إسرائيل».
من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها وإيران هي العدومكتب ناتنياهو يسرب تصريحات لوزراء خارجية خليجيين
Publiée par شبكة رصد sur Vendredi 15 février 2019
وشبّه مايك بنس إيران بألمانيا النازية متهما إياها بالسعي لخلق «محرقة جديدة» لليهود الإسرائيليين.
ووصف وزير خارجية إيران جواد ظريف تصريحات مايك بنس بأنها «مثيرة للسخرية» مؤكدا على أن بلاده «حمت اليهود دوما لكنها تناهض الصهيونية» بينما اتهم إسرائيل بالبحث عن الحرب محذرا من أن التصرفات الإسرائيلية والنشاطات الأمريكية تزيد من فرص حدوث «اشتباك في المنطقة».