نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالا لمستشارة الأمن القومي الأميركية السابقة سوزان رايس، تحت عنوان «شريك لا يمكننا الاعتماد عليه»، تقول فيه إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كشف منذ قت طويل عن أفعاله الشريرة والمتهورة.
وتقول رايس إن «الأزمة في العلاقات الأميركية السعودية، التي عجلت بها الجريمة الوقحة التي تعرض لها الصحافي جمال خاشقجي، تطرح سؤالا حيويا على إدارة دونالد ترامب، التي تحاول وبشكل واضح تجنبه: هل يمكن للولايات المتحدة مواصلة التعاون مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان؟ فتورط الأمير شبه المؤكد في مقتل خاشقجي يؤكد تهوره المتطرف ولاأخلاقيته، وكشف في الوقت ذاته عن خطورته وعدم مصداقيته ليكون شريكا للولايات المتحدة».
وتشير الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته «عربي21»، إلى أن «أي مراقب ذكي يجب أن يندهش لاكتشاف أن الأمير محمد قادر على فعل كهذا، نعم، ربما صدمنا بشناعة مقتل خاشقجي، ووقاحة الأكاذيب الكثيرة التي رواها السعوديون، طبعا، هناك الكثير من الأميركيين، في سيلكون فالي إلى محرري الصفحات في الصحف المهمة، غمروا بوعود الأمير الإصلاحية وحملة التسويق الماهرة لقيادته، لكن الذين لديهم استعداد لرؤية ما خلف سحر حملة التسويق للأمير محمد يعلمون حقيقة شخصيته من خلال عدد كبير من الأفعال المتهورة والشريرة».
وتلفت المسؤولة السابقة إلى أن «العرض الأكثر فتكا هو الحرب في اليمن، التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين، بمن فيهم الأطفال؛ وذلك لأن السعوديين يرفضون وبغطرسة استخدام أساليب مسؤولة، وكانت عملية الأمير محمد منذ البداية، ويتحمل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن المسؤولية ذاتها التي يتحملها الحوثيون الذين يلقون دعما من إيران، فهم مسؤولون جميعا عن أكبر كارثة إنسانية يشهدها العالم، في وقت استمرت فيه الولايات المتحدة، ودون حياء، في دعم هذه الحرب الدموية».
وتقول رايس، التي عينها باراك أوباما مستشارة للأمن القومي في ولايته الثانية، إنه رغم أن إدارة أوباما دعمت في البداية الحرب للدفاع عن الأراضي السعودية، ومنع التوغل الحوثي فيها، إلا أنها قامت في النهاية بالحد من صفقات السلاح عندما توسعت أهداف الحرب، وتم التلاعب بالقيود التي فرضتها.
وتنوه الكاتبة إلى أنه في داخل السعودية قام ولي العهد بسجن الناشطين من رموز المجتمع المدني، واعتقل، ولأشهر، عددا من الأمراء وغيرهم من الناس المؤثرين في فندق ريتز كارلتون، وطلب منهم التخلي عن أرصدة ضخمة من ثرواتهم مقابل الإفراج عنهم، وأجبر منافسيه وأقاربه المقربين، بمن فيهم ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، على التخلي عن مناصبهم، وقام بحملة ملاحقة للمعارضين السعوديين أينما كانوا.
وتفيد رايس بأن «ولي العهد اختطف رئيس الوزراء اللبناني ثم أنكر هذا، وفرض حصارا كاملا مدفوعا بالحقد على قطر، الحليف الآخر المهم للولايات المتحدة، وحاول جر الولايات المتحدة في نزاع مع إيران. وعندما تم لسعه بتغريدتين خفيفتين من وزيرة الخارجية الكندية، قام، ودون داع، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع كندا، وجلب 7 آلاف طالب سعودي من الجامعات الكندية، وحد من الرحلات الجوية والعلاقات التجارية».
وتعلق الكاتبة قائلة: «بناء على هذه القائمة، فإن الأمير محمد لا يمكن النظر إليه على أنه حليف عقلاني وذو مصداقية، سواء للولايات المتحدة أو حلفائنا، ولو فشلنا في معاقبته مباشرة، واستهدفنا فقط من حوله، فإنه سيشعر بالجرأة على القيام بأعمال متطرفة أخرى، ولو قمنا بمعاقبته، وهو ما يجب أن نفعله، فمن المحتمل أن يقوم الأمير محمد، المعتز بنفسه والعدواني بأفعال لا مسؤولة، بإظهار استقلاليته والانتقام من حلفائه الغربيين المقربين إليه، وأيا كانت الحال فإن على إدارة ترامب الافتراض أن الأمير محمد سيواصل دفع العلاقات الثنائية إلى الهاوية».
وتقول رايس: «للأسف، فإن الملك سلمان ليس مستعدا، أو غير قادر على التحكم في ابنه المارق، فقد تم دفع النقاد إلى الانصياع وتهميش المنافسين، ما يعني عدم وجود بديل ينتظر قادر على تقديم قيادة هادئة ومسؤولة للسعودية».
وتجد المسؤولة السابقة أنه «في ظل غياب التغيير على مستوى القمة فإن على الولايات المتحدة أن تحضّر نفسها لسعودية من الصعب حكمها وأقل استقرارا، وضمن هذا السيناريو فإن المخاطر على المصالح الأمريكية الاقتصادية والأمنية ستكون عظيمة».
وترى رايس أن «الولايات المتحدة كانت مخطئة للتعويل في حماية عربتها على الأمير محمد، لكننا سنكون أغبياء إن واصلنا عمل هذا، وعلى الولايات المتحدة العمل وهي تنظر للأمام لتخفيف مخاطر الوضع على المصالح الأميركية، ويجب ألا نخرق علاقتنا المهمة مع المملكة، لكن يجب علينا أن نكون واضحين بأن العلاقة لن تكون كما كانت طالما واصل الأمير محمد ممارسة قوة غير محدودة، ويجب أن تكون سياستنا بالتزامن مع حلفائنا لتهميش ولي العهد؛ من أجل زيادة الضغط على العائلة المالكة لتقديم بديل أكثر ثباتا».
وتدعو المسؤولة السابقة الولايات المتحدة إلى قيادة الجهود الدولية لتحقيق دولي محايد في مقتل خاشقجي، و«في الوقت ذاته يجب أن تكون الإدارة أكثر تماسكا ووضوحا، والاعتقاد بأن القتل لم يكن ليتم دون مباركة أو أمر من الأمير محمد».
وتدعو رايس الولايات المتحدة لـ«وقف الدعم العسكري كله للحرب غير الشرعية في اليمن، والضغط على السعوديين للتوصل إلى تسوية تفاوضية، ويجب وقف صفقات السلاح الأمريكية مع المملكة كلها، والقيام بمراجعة شاملة للصفقات كلها في المستقبل، ووقف من تعتقد الإدارة أنها غير صحيحة، بالتشاور مع الكونغرس، والتأكيد على المصالح القومية الأميركية».
وتذهب الكاتبة إلى القول إن «الولايات المتحدة يجب أن تتوقف عن المشي كالأعمى وراء ولي العهد، والتساؤل والشك في طريقة التعامل معه، خاصة تلك التي تعتمد على رأيه وحكمه».
وتختم رايس مقالها بالقول إنه «يجب وقف النظر للعلاقة بين جاريد كوشنر وولي العهد على أنها تميز، وملء منصب السفير الشاغر في المملكة؛ ليتعامل مع المسؤولين السعوديين البارزين، ويجب وقف هذا الوله الذي يكنه ترامب لولي العهد، الذي لا يمكن تعليله، وأن يعيد تشكيل السياسة الأمريكية، بحيث تخدم المصالح الأميركية وليس مصالحه الشخصية ومصالح ولي العهد».