نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، تقريرا تحت عنوان «مقتل خاشقجي ينشر رسالة مرعبة للمعارضين، أعده كل من سايمون كير، وهبة صالح وأندرو إنجلاند، تحدثوا فيه عن الرسالة التي وجهتها عملية قتل خاشقجي، لكل معارضي الأنظمة الخليجية في الخارج.
واعتبر التقرير الذي ترجمه موقع «عربي21»، إن مقتل خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، بداية أكتوبر الجاري، كان بمثابة رسالة مرعبة من الأنظمة العربية القمعية لمعارضيها في الخارج، تفيد بأنها مستعدة للقيام بأي شيء في سبيل قطع الطريق أمام أي محاولات لثورة جديدة على غرار الربيع العربي الذي اندلع في 2011.
وتحدث كتّاب التقرير، عن استهداف أنظمة الحكم في الإمارات ومصر والبحرين، للمعارضين، بسلسلة من الإجراءات القمعية خلال السبع سنوات الماضية، تمثلت في قيام السلطات في مصر والبحرين باعتقال الآلاف من المعارضين، وتقيد حرية الإعلام، فيما تم اعتقال الكثيرين ممن تحدوا الوضع القائم في السعودية والإمارات العربية المتحدة، وسط هجمات على حرية التعبير، مشيرة إلى أنه نظرا لوعي هذه الأنظمة بالدور الذي أدته وسائل التواصل الاجتماعي في إثارة الثورات فإنه تم إصدار سلسلة من القوانين للسيطرة على الفضاء الإلكتروني في أنحاء المنطقة كلها.
وينقل التقرير عن الصحفي المسؤول عن أحد المواقع التي منعتها السلطات المصرية ضمن مئات المواقع والمدونات على شبكة الإنترنت، خالد البلشي، قوله إن «مقتل خاشقجي بهذه الطريقة يعد رسالة مرعبة لأنه يوضح إلى أي مدى يمكن لهذه الأنظمة أن تذهب في الوقت الذي كان الناس في الماضي يتخيلون إن هناك حدودا للقمع»، وأضاف: «تخيل الناس في الماضي أن هناك حدودا للقمع»، ولاحظ أن معظم الصحافة المصرية تعاملت مع مقتل خاشقجي أولا من خلال تجاهله، والدفاع عن «المتهمين بقتله، بدلا من التعامل مع الضحية».
ويلفت الكتّاب إلى أن حلفاء السعودية في العالم العربي، الذين يعولون على دعمها المالي، مثل مصر والأردن، سارعوا للاحتفاء بتشكيل لجنة تحقيق تركية سعودية للتحقيق في مقتل خاشقجي، على اعتبار أنها مثال للشفافية، في الوقت الذي قوبل فيه هذا القرار في العالم الغربي بالتشكك في الرواية الهشة التي ساقتها الرياض لتبرير الجريمة، وقالت فيها إنه قتل أثناء عراك داخل مقر القنصلية.
وتذكر الصحيفة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف التستر على العملية بأنه «أسوأ عملية تستر في التاريخ»، مستدركا بأنه لبعض الناشطين، فإن حس التهديد تفاقم مع مفهوم أن الغرب، وبالتحديد ترامب، تخلوا عن أي حس من حقوق الإنسان بشكل جرأ القادة لسحق معارضيهم.
ويورد التقرير نقلا عن المعارض البحريني ومدير منظمة في لندن للدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين سيد الوادعي، قوله: «هذا (القمع) كله أثاره أمران.. الأول هو ترامب وعدم اهتمامه في قصة حقوق الإنسان، والثاني هو أجندة بريطانيا للبريكسيت»، فيأس بريطانيا للحصول على عقود تجارية قادها إلى تقديم أولوية العقود التجارية على أي قضية.
وينوه الكتّاب إلى أن الوادعي ترك البحرين في عام 2012، بعدما اعتقل خلال ثورة عام 2011، وقضى 6 أشهر في السجن، وقال إن البحرين استفزت عائلته وأضرت بها بسبب نشاطاته، وسجنت ثلاثة من أقاربه، بينهم حماته التي لا تزال في السجن، وأضاف أن الغرب فضل التعامل مع ما رآى فيه اجندة إصلاحية لولي العهد السعودي، رغم ما شاهد من ميول ديكتاتورية، وقال: «لو قال البعض إن (أم بي أس) جيد لأنه سمح للمرأة بقيادة السيارة، وهذا لأن نيتهم رؤية ما يريدون رؤيته منه».
وتفيد الصحيفة بأن الأسرة المالكة السنية في البحرين، التي تحكم أغلبية شيعية، تعتقل في سجونها الآن نحو 3 آلاف معارض منذ اندلاع الاحتجاجات عام 2011، فيما جردت المئات من جنسياتهم، مستدركة بأن البحرين تظل حليفا مهما للغرب، وفيها يرسو الأسطول الأمريكي الخامس، وفتحت بريطانيا فيها قاعدة بحرية هذا العام.
وبحسب التقرير، فإن ملك البحرين حمد بن خليفة يقود نظاما قمعيا، بعد وفاة والده عام 1999، مشيرا إلى أنه فتح الباب أمام مشاركة الناشطين، وشجعهم على العودة من المنفى، لكنه سحق المعارضين عام 2011 بعد الثورة.
ويقول الكتّاب إن ولي العهد في أبو ظبي الغنية بالنفط الشيخ محمد بن زايد أل نهيان (57 عاما)، الذي جاء بعد وفاة والده عام 2004، يعد من أشد المعارضين للإسلاميين، واستخدم ثروة أبو ظبي من أجل متابعة سياسة التنويع الاقتصادي، واتبع سياسة خارجية قاسية، متحالفا مع السعودية.
وتشير الصحيفة إلى أن الإمارات، التي تعد مركزا سياحيا، أغلقت أي مجال لحرية التعبير، وشنت الحكومة حملة من الإجراءات القمعية بحق المعارضين الذين طالبوا بإصلاحات ديموقراطية، واعتقلت المعارضين والنشطاء، سواء كانوا إسلاميين أو حقوقيين، وصحبت ذلك حزمة من القوانين الجديدة التي تجرم انتقاد النظام، حتى على منصات التواصل الاجتماعي.
ويلفت التقرير إلى أنه حكم على الناشط الحقوقي أحمد منصور هذا العام بالسجن 10 أعوام؛ بتهمة «تشويه سمعة الإمارات» على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما حكم على الطالب البريطاني ماثيو هيجز في بداية هذا الشهر بتهمة التجسس على الحكومة الإماراتية، حيث قضى خمسة أشهر في الحجز الانفرادي، رغم أن أبو ظبي تعد حليفا لبريطانيا.
ويفيد الكتّاب بأن عبد الفتاح السيسي كان وزيرا للدفاع عندما قاد انقلابا عسكريا عام 2013 ضد محمد مرسي، ويقود منذئذ نظاما قمعيا يستهدف الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء، ويحظى السيسي بدعم من السعودية والإمارات، مشيرين إلى أن السلطات ألقت بداية هذا الشهر القبض على عبد الخالق فاروق؛ بسبب كتاب عنوانه “هل مصر دولة فقيرة؟”، وفيه هجوم على سياسات السيسي الاقتصادية.
وتختم «فايننشال تايمز» تقريرها بالقول إن البعض يرى أن اغتيال خاشقجي يمهد لإصلاحات قادمة على المنطقة، ومنهم المعارض السعودي المقيم في لندن منذ عام 1994 سعد الفقيه، الذي أعرب عن اعتقاده بأن ما حدث يمكنه أن يفتح الباب أمام تغيير كبير في البلاد، بحيث يصبح أمام المعارضين هامش أكبر من الحرية، وقال إن “هذا قد يفتح الباب أمام تغيرات مهمة في البلد، حيث يعود المعارضون لبلادهم، أو يسمح بهامش من الحرية للمعارضة”.