نشرت صحيفة «فاينانشال تايمز» تقريرا لكل من كاترينا مانسون وديفيد بوند، تحت عنوان «مقتل خاشقجي يعمق شكوك الاستخبارات الغربية في محمد بن سلمان».
ويقول الكاتبان إنه عندما أصبح الأمير محمد بن سلمان وليا لعهد السعودية العام الماضي، فإنه لم يصبح فقط وريثا لعرش المملكة، بل حل محل «شخصية عزيزة» للاستخبارات الغربية، أي ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف.
وينقل التقرير، الذي ترجمته «عربي21»، عن مسؤولين استخباراتيين غربيين حاليين وسابقين، قولهم إن الأمير نايف، الذي حل محمد بن سلمان محله، عمل بصورة وثيقة مع المسؤولين الأمنيين الغربيين، ولأكثر من عقدين، وإن الكثيرين كانوا يشعرون بالقلق إزاء ولي العهد الجديد «الطموح المتهور».
وتقول الصحيفة إنه بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد شخصيات أمنية سعودية منذ ثلاثة أسابيع، فإن محمد بن سلمان يواجه النظرة الفاحصة للمخابرات الأميركية، وشكوكا متزايدة من بعض أقرب حلفائه حول كيفية استمرار العمل معه.
وينقل الكاتبان عن مسؤول استخباراتي غربي بارز سابق، قوله: «سيكون من الصعب تحت سيطرة محمد بن سلمان أن نحتفظ بالمستوى ذاته من الثقة للعمل مع السعودية في ضوء مقتل خاشقجي الوحشي».
ويشير التقرير إلى أن ثقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تراجعت مع تبدل التفسيرات السعودية لمقتل خاشقجي، حيث وصف رد الفعل السعودي بأنه «أسوأ عملية تستر على الإطلاق»، وبدأ يثير شكوكا في تأكيد ولي العهد السعودي الشخصي له في عدم الضلوع في الحادث.
وتعلق الصحيفة قائلة إن انهيار الثقة البطيء الذي يجري أمام الرأي العام، يشير إلى تحول عن العلاقة السرية التي بنتها المخابرات الأمريكية والاستخبارات البريطانية «أم آي6 » مع ولي العهد السابق ابن نايف.
ويلفت الكاتبان إلى أن محمد بن نايف كان يعمل في وزارة الداخلية في التسعينيات من القرن الماضي، عندما بدأ يوطد العلاقات مع الاستخبارات الأميركية، وأصبحت أقوى بعد «الحرب على الإرهاب» التي أعقبت هجمات سبتمبر2001، وأصبح في عام 2012 وزيرا للداخلية قبل أن يصبح وليا للعهد ولفترة قصيرة عام 2015.
ويورد التقرير نقلا عن المسؤول السابق في «سي آي إيه» بروس ريدل، قوله: «كان (أم بي أن/ محمد بن نايف) أوثق شريك حصلت عليه الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم القاعدة في أي مكان في العالم»”، وأضاف أنه “حظي باحترام واسع في (سي آي إيه) والبيت الأبيض في أثناء إدارتي بوش وأوباما.
وتنقل الصحيفة عن المسؤول الأمني الغربي، قوله إن طريقة عمل «أم بي أن» جذبت المحترفين في الأجهزة الاستخباراتية، «فقد كان منفتحا على الأفكار الغربية، ولهذا أصبح الشخص الأكثر قربا من أجهزة الاستخبارات الغربية»، مشيرا إلى أن العلاقات الشخصية أدت إلى إنجازات مهمة.
ويفيد الكاتبان بأن المسؤول أشار إلى أن معلومة قدمها ابن نايف في عام 2010 للاستخبارات الأميركية والبريطانية عن متفجرات في طائرة تجارية كانت ستقلع من مطار دولي شرق أوسطي إلى شيكاغو، عبر مطار إيست ميدلاند البريطاني، أدت إلى إحباط العملية، وقدم السعوديون المعلومة الاستخباراتية عن وجود متفجرة مخزنة في محبرة طابعة، وكانت كافية لتحطيم الطائرة.
ويورد التقرير نقلا عن ريدل، قوله إن الكثيرين داخل مجتمع الاستخبارات حذروا من تعيين «أم بي أس» الذي كان وزيرا للدفاع ونائبا لولي العهد، وعينه والده عام 2017 وليا للعهد، وقالوا إن تعيينه سيؤثر على كفاءة الاستخبارات السعودية، وأضاف ريدل: «افترض أن هناك من سيذكر قائلا: لقد حذرتكم»، في إشارة إلى حالة الإحباط بين الاستخبارات من تسرع ترامب للمصادقة عليه.
وتنوه الصحيفة إلى أن صهر ترامب، جارد كوشنر، أقام علاقة مع ولي العهد السعودي، في وقت شن فيه ابن سلمان حربا مثيرة للجدل في اليمن، وقاد حملة لحصار قطر الحليفة للولايات المتحدة، ورتب عملية احتجاز غريبة لإجبار رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة، مشيرة إلى أن عددا من مسؤولي الحكومات الأجنبية وصفوه بالمتهور، وعبروا عن قلق من حماسه للتحديث وسياسة مكافحة الفساد، التي يقول ناقدوه إنها تفضح ميوله الديكتاتورية وقد تنقلب عليه.
ويجد الكاتبان أنه في الوقت الذي تردد فيه مسؤولون أجانب في دعمه، إلا أن المخابرات اعترفت بأن نجمه في صعود، ولهذا فإنها حاولت التعامل معه على أنه شريك على المدى البعيد، لافتين إلى أن المسؤولين افترضوا أن الشاب البالغ من العمر 33 عاما سيتفوق على ابن عمه، الذي يكبره بـ25 عاما، وكونه الولد المفضل لوالده، ولهذا بدأوا في العمل معه منذ عام 2015، وتقديمه لطرق الاستخبارات الغربية، وعقد صلات طويلة الأمد معه.
وينقل التقرير عن المسؤول الأمني الغربي، قوله: «كان (أم بي أس) يدير الأمور، ولديه أفكار خاصة بعد وفاة الملك عبدالله.. وبحلول عام 2017 كان واضحا أن السلطات كلها أصبحت في يديه».
وتبين الصحيفة أن الولايات المتحدة تريد حماية مصالحها الاستراتيجية في السعودية، التي تتراوح من النفط إلى مواجهة إيران، فيما كان ترامب محاطا بالمستشارين الذين نصحوه بضبط ابن سلمان، لكنهم تعرضوا للتعنيف في السر والعلن.
وتختم «فايننشال تايمز» تقريرها بالإشارة إلى أن الداعمين لولي العهد حاولوا إقناع ترامب بأن الالتزام بدعمه سيؤدي إلى عوائد جيدة «فالرجل يمشي على الحبل وهو يعرف أنه يمشي على حبل.. لو أنقذته، فإنه سيضاعف ولاءه لك أضعافا ثلاثة».