نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على إفادة الحكومة السعودية في ما يتعلق بوفاة جمال خاشقجي. ويبدو أن المزاعم التي تقضي بأن الصحفي السعودي توفي نتيجة دخوله في عراك في القنصلية السعودية بتركيا لم تتمكن من إقناع المجتمع الدولي.
وقالت في التقرير الذي ترجمته «عربي21»، إن السيناريو المفبرك الذي تروج له السعودية في ما يتعلق بوفاة جمال خاشقجي يعد زائفا في نظر الكثيرين. ويعتبر هذا الاعتراف المتأخر من طرف حكومة ابن سلمان تشويها فاضحا للحقائق، وهو ما يستوجب تحرك النقاد والصحفيين والمجتمع الدولي ضده.
وأضافت الصحيفة أن العديد من الحكومات الغربية تعتبر البيان الذي أصدرته السعودية مخرجا محتملا لأزمة دبلوماسية واسعة النطاق. والأمر سيان بالنسبة لإدارة دونالد ترامب، التي تعتبر هذا المنعرج قادرا على تدمير علاقاتها السياسية والأمنية والاقتصادية المربحة مع السعودية، والتي يبدو أنها غير مستعدة للتنازل عنها.
وبينت أن دونالد ترامب يسعى منذ أيام إلى نزع فتيل القضية وإخماد نيرانها القادرة على التهام عرش محمد بن سلمان، إلا أن محاولاته الضعيفة لصرف النظر عن جريمة النظام السعودي باءت بالفشل. نتيجة لذلك، قام الرئيس الأميركي بإقناع الأمير الشاب بضرورة ابتكار قصة ما وقصها على وسائل الإعلام لإنهاء الجدل والاتهامات التي طالته طوال الأسابيع الماضية.
على الرغم من محاولة ابن سلمان تهدئة الأوضاع من خلال قصته الملفقة، فيبدو أن مجهوده الضئيل لم يؤت أكله في نهاية المطاف. ويمكن تبين مواطن الخلل في رواية ولي العهد السعودي، والتي يقدر أي محقق دولي أو مبتدئ من الكشف عن زيفها وعدم مصداقيتها خلال دقائق معدودة.
وأشارت الصحيفة إلى العديد من التناقضات بين الرواية السعودية والحقائق الملموسة في هذه القضية. وفي الوقت الذي أشارت فيه وسائل الإعلام إلى أن عدد الأطراف الذي قاموا بدخول القنصلية يوم الواقعة يبلغ 15 شخصا، فيبدو أن التساؤل جائز حول العدد اللازم لإخضاع رجل يبلغ من العمر 59 سنة في عراك بالأيدي. وإن لم يكن ذلك كافيا، فلا تزال الحاجة لاستخدام منشار عظام والاستعانة بأخصائي طب شرعي غير مفهومة بعد.
وأفادت بأن رواية ابن سلمان تفتقر للمصداقية نظرا لانتظاره ومساعديه لأكثر من أسبوعين قبل الاعتراف بمقتل الصحفي خاشقجي، وهو ما يحيل على أنه تم اغتياله بصفة متعمدة. علاوة على ذلك، فيبدو أن الحكومة السعودية أخفقت في التغطية على جريمتها من خلال التضارب في التصريحات، لاسيما عندما أعلنت عن وفاته داخل القنصلية بعد أن كانت صرحت في وقت سابق بأنه غادرها سالما.
وبينت الصحيفة أن إخفاء جثة خاشقجي وعدم الكشف عنها حتى الآن يندرج ضمن إطار مساعي ابن سلمان لإخفاء وحشية جريمته. وفي حال كانت وفاته غير متعمدة، فإنها تبرز لدى المجتمع الدولي حاجة ملحة للتساؤل حول السبب الذي منع المسؤولين داخل القنصلية من الاتصال بالإسعاف وطلب التدخل الطبي.
وحيال هذا الشأن، فإنها تبدو الادعاءات التركية التي تقضي بأن خاشقجي قُتل وتم تقطيع جثته ونقلها في حقائب ودفنها في غابات إسطنبول مقنعة أكثر من أي وقت مضى.
من الصعب الاعتقاد بأن المسؤولين السعوديين البارزين والمستشارين المقربين من محمد بن سلمان، والذين تمت إقالتهم على خلفية هذه القضية، اتخذوا قرارات هامة دون الرجوع إلى ولي العهد. في المقابل، يعد ابن سلمان أقوى رجل في المملكة العربية السعودية، وهو ما يجعل القول بأنه لم يعلم بشأن عملية قتل خاشقجي أمرا مستبعدا كليا، لاسيما في ظل دراية الجميع بالنهج الاستبدادي الذي يتبعه.
وأوضحت الصحيفة أن دونالد ترامب استغل التصريحات الأخيرة لابن سلمان لإنقاذ السفينة السعودية الآخذة في الغرق. وعلى هذا المنوال، يصعب تخيل قيام الحكومات الأوروبية باتباع الحل الفردي وتسليط عقوبات على نظام محمد بن سلمان في ظل امتناع الحكومة الأمريكية عن قيادة هذه المبادرة.
وبهذا الصدد، لن تُقدم الحكومات الغربية الأخرى، خاصة المملكة المتحدة، على اتخاذ أي خطوة جدية وستنتظر إشارة واشنطن قبل الشروع في إعادة تقييم علاقاتها مع الرياض.
وأوردت الصحيفة أن السياسة الواقعية المتمثلة في الحد من العقوبات وعدم التصرف إلى حين ظهور المزيد من الحقائق تعد غير ناجعة في الوقت الحالي. ويبدو أن قضية كمال خاشقجي تعمل على تغيير صورة المملكة العربية السعودية لدى الغرب بشكل عجزت عنه جرائمها الإنسانية في اليمن واعتقالها للناشطات الحقوقيات.
وفي حين يروج ولي العهد محمد بن سلمان لنفسه على أنه مصلح يقود بلاده على مسار أكثر انفتاحا وتسامحا، فيبدو أن قضية مقتل خاشقجي تسببت في تشويه سمعته بشكل عميق. بالإضافة إلى ذلك، فقد وضع الأمير الشاب نفسه في موقف يجعل الدفاع عنه أمرا صعبا للغاية.
وفي الختام، أبرزت الصحيفة أن قضية خاشقجي أماطت اللثام عن افتقار السعودية والعالم العربي لحرية التعبير في المنابر الإعلامية والمجال الصحفي، كما أنها كشفت عن العواقب الناجمة عن دعم أشخاص نافذين مثل ترامب لمبادرات تقوم على تشويه سمعة الصحفيين والإشادة بمضطهديهم.