مات خالد سعيد تحت التعذيب و لم تكتف الحكومة ساعتها بذلك وإنما لفقت له قضية مخدرات, فأحدثت الصدمة حراكا داخل نخبة الشباب الناشطة تستهدف مواجهة الشرطة المصرية المتوحشة فلم يعد هناك مناصا من ذلك . صفحة على الفيس بوك , عدة مسيرات في الإسكندرية وعند منزل خالد سعيد .. كانت تلك عناصر الحراك الذي نما بسرعة و اكتسب زخما عززته الشبكات الاجتماعية قبل أن يقابل في تاريخه عدة فرص . ثورة في تونس المجاورة أطاحت برئيسها يتبعها يوم 25 يناير الذي تحتفل فيه الحكومة بعيد شرطتها . كانت هذه فرصة جيدة للتعبير عن غضب الشعب ضد الشرطة الفاسدة الوحشية و ربما يتطور الأمر إلى ثورة مشابهة لما حدث في تونس . قامت الثورة و الهدف إسقاط النظام فكانت المطالب تنحي رئيس الجمهورية و حل مجلس الشعب و الحزب الوطني و أمن الدولة . مضت الثمانية عشر يوما و تنحى مبارك بضغط من الجيش و تولى مكانه المجلس الأعلى للقوات المسلحة و حل مجلس الشعب و أمن الدولة … فهل سقط النظام ؟
أثبت العام و نصف التالي للمصريين أن النظام لم يسقط بتنحي مبارك و حل مجلس الشعب ووضع رجال الحزب الوطني خلف القضبان و تحويل أمن الدولة إلى الأمن الوطني . فقد بقى الحال كما هو بالنسبة لحكومات من رجال العهد السابق و سالت دماء المصريين في المظاهرات كما حدث في أحداث محمد محمود و العباسية و بورسعيد دون أن يقدم القاتل للعدالة في إستهتار واضح بالحياة البشرية . و ظل الاعتقال الإداري دون محاكمة باسم قانون الطوارئ لنشطاء الثورة و ظل أمن الدولة يعمل ضد المعارضين تحت الاسم الجديد . أصابت الحيرة و الإحباط قطاع واسع من المصريين نتيجة لعدم تغير الأمور تغيرا جوهريا رغم قيامهم بثورة أطاحت بطاغية لم يكن يتخيل أحد قبل 25 يناير إمكانية رحيله عن عرشه … فما الذي ينقص الثورة لتحقق أهدافها ؟ هل أخطأت الثورة السبيل حين توقفت عند مبارك ؟ تساءل – ربما – العديد من المصريين ساعتها بلهجتهم العامية " هو إيه النظام ؟!! " و الواقع أن إجابة هذا السؤال تستلزم الرجوع للخلف .. كثيرا .
جاء الاحتلال العسكري الغربي للوطن العربي بشكل عام بعد نهاية الحرب العالمية الأولى و سقوط الخلافة العثمانية تماما باستثناء مصر التي احتلها الإنجليز عام 1882 و دول المغرب العربي . ربما كانت الدولة المحتلة حينئذ متأكدة تماما أن تدخلها العسكري المباشر في الوطن العربي لن يكون دائما و بالتالي شرعت في إنشاء جيوش وطنية تحت قيادة عناصر تابعة لها وانتمت هذه الجيوش للدولة المحتلة تدريبا و تسليحا بل وصل الوضع في دولة مثل الأردن أن كان قائد الجيش إنجليزيا . رحل الاحتلال تدريجيا بعد الحرب العالمية الثانية وميز الفترة التي تلت ذلك انتشار الانقلابات العسكرية في الوطن العربي … فهل كانت مصادفة ؟ . إن جوهر الاحتلال هو إخضاع البلد المحتل للتبعية لدولة الاحتلال و لما رحل الاحتلال ماديا ترك خلفه قوة تابعة له في كل بلد عربي بحكم النشأة … القوات المسلحة . فالقوات المسلحة مؤسسة تابعة بطبيعتها لمن يوفر لها السلاح على اعتبار أنها تفقد معناها بغير توفر السلاح لها و بالتالي كانت المؤسسات العسكرية في الوطن العربي و التي قامت بالانقلاب تباعا على الديمقراطيات الناشئة حينها – كما في سوريا مثلا – مهمتها ضمان إستمرار تبعية الوطن العربي لدول الاحتلال بعد رحيله ماديا و الحيلولة دون حكم الدول العربية بإرادة مستقلة . أنتجت الإنقلابات العسكرية دكتاتوريات مثلت إمتدادا لعصر الإحتلال بصيغته العامة … التبعية .. حتى جاء الربيع العربي . فرض الربيع العربي قواعد جديدة على الإحتلال فعليه الآن الإستجابة تماما لرغبات الشعوب التي ثارت و نجحت في إسقاط الدكتاتوريات و لكنه إستراتيجيا لا يمكن أن يترك الشئون الأمنية و العسكرية تماما لإرادة الشعوب الحرة فهذا كفيل بقلب الموازين تماما خصوصا مع ظهور التوجه الإسلامي لغالبية الشعوب العربية . لذا فعليه أن يفرض معادلة مفادها بقاء الأمن في يد أتباعه بالضرورة مع ترك بقية الشئون الداخلية و الإقتصادية للشعوب . ..ترى أي المؤسسات تابعة للخارج بحكم طبيعتها ؟
* * *
مادة ( 195)
ينشأ مجلس للدفاع الوطني ، يتولى رئيس الجمهورية رئاسته ، ويضم فى عضويته رئيسى"مجلسي البرلمان ورئيس الوزراء ووزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية ورئيس المخابراتالعامة ورئيس أركان القوات المسلحة وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوى ورئيس هيئةعمليات القوات المسلحة ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع .
ويختص بالنظر فى الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها ، ومناقشة موازنة القواتالمسلحة على أن تدرج رقما واحداً فى الموازنة العامة للدولة ، ويجب أخذ أ ريه فى مشروعاتالقوانين المتعلقة بالقوات المسلحة ، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى ."
وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة ، ويعين من بين ضباطها"".
مادة ( 197)
المجلس المسئول عن الدفاع الوطني بأغلبية عسكرية كما أن المنصب المسئول عن سياسة الدفاع لا يشغله إلا ضابط من القوات المسلحة بأمر الدستور المصري الجديد بعد الثورة . إشارة خطيرة بعد أن ظننا أننا قضينا تماما على حكم العسكر بإقالة القيادة الفاسدة و إلغاء الإعلان الدستوري الذي شرع لتدخلهم في سياسة الدولة و كأن كل هذا كان حلا برعاية " الاحتلال " مقابل بوابة دستورية أخرى لسيطرة من يعرفهم الاحتلال على شئون الأمن الوطني … و السؤال هل يجوز أن يستمر عهد الاحتلال بعد الثورة أم أننا سنفرض الاستقلال التام ؟ … الإجابة عند الشعب المصري .