فتحت قضية شهادات التعليم الجامعي المزورة في الكويت الباب على مصراعيه أمام حملة تدقيق في شهادات الموظفين بالقطاعات الحكومية.
وأعلنت وزارة التعليم العالي، الأربعاء الماضي، اكتشاف شهادات جامعية مزورة من دولة عربية (مصر)، خلال الأشهر الماضية، وإلقاء القبض على وافد يعمل في الوزارة (مصري) متواطئا في الجريمة.
واستجابة لمطالبات نيابية وشعبية، كلف مجلس الوزراء وزير التربية ووزير التعليم العالي، د.حامد العازمي، وجهات حكومية أخرى بالعمل كلجنة لمتابعة القضية، وإحالة كل من يثبت ضلوعه فيها إلى القضاء.
وشكل وزير الصحة، الشيخ باسل الصباح، لجنة برئاسة وكيل الوزارة، د. مصطفى رضا، لتدقيق ومراجعة الشهادات الجامعية لموظفي الوزارة من أطباء وممرضين وصيادلة وفنيين وإداريين، كويتيين ووافدين، لاسيما تلك التي نالوها بغير طريق البعثات.
وقالت الوزارة، في بيان: “ستتم مخاطبة (التعليم العالي) للتأكد من صحة الشهادات التي قد تدور حولها شبهات، والبدء بالعاملين في مكتب الوزير، انطلاقاً من مبدأ الشفافية ودرءاً للشبهات”.
وتوعدت بـ”اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد من يثبت تلاعبه بأي شهادة علمية”.
وامتدت حملة التدقيق إلى جهات أخرى، بينها الهيئة العامة لذوي الإعاقة.
وذكرت صحيفة “الراي” الكويتية (خاصة)، نقلا عن مصادر نيابية، أن الهيئة بصدد “فحص الملفات وتقييم الإعاقة وإعادة النظر في نظام التشخيص لوصول المنافع الاجتماعية المقررة قانوناً للمستحقين الحقيقيين فقط، مع استمرار الهيئة بحصر مدعي الإعاقة وتقديمهم للعدالة واسترجاع ما صرف لهم دون وجه حق”.
ولم تستبعد المصادر، بحسب الصحيفة أمس، أن “يشهد هذا الملف إحالات للنيابة لبعض الملفات على غرار الشهادات المزوّرة، لاسترجاع الأموال المحصلة بغير وجه حق”.
** ضبط وإحضار
قضائيا ما زالت فصول القضية مستمرة، إذ أحالت النيابة العامة، أول أمس الإثنين، المقيم المصري، المتهم بالاشتراك في التزوير، إلى السجن المركزي، وقررت حجزه 21 يوما على ذمة القضية.
وبحسب مصادر مطلعة تحدثت للأناضول فإن النيابة أصدرت، أول أمس، مذكرات بضبط وإحضار ثلاثة كويتيين يعملون في وزارات مختلفة، للتحقيق معهم في تزويرهم شهادات حصلوا بموجبها على مزايا مالية ووظيفية ليست من حقهم.
وتابعت المصادر، طلبت عدم نشر أسمائها، أن النيابة أصدرت أمراً آخر بحجز كويتي يعمل مراقباً في وزارة الداخلية بعد تزويره شهادته الجامعية.
وأضافت أن طلبات الضبط والإحضار بلغت العشرات، وهو أمر طبيعي، لكثرة بلاغات وزارتي التعليم العالي والتربية المتعلقة بتزوير شهادات مختلف المراحل، متوسطة وثانوية وجامعية، ومن دول عربية وأجنبية.
** بيئة التزوير
وفق الكاتب الصحفي، ماضي الخميس، فإن “قضية تزوير الشهادات لا يتحمّلها المزوّر أو مَن ساعده وحدهم. أكبر من يتحملها هم المسؤولون الذين تعاقبوا على وزارة التعليم، سواء كانوا وزراء أو وكلاء أو وكلاء مساعدين”.
وأضاف للأناضول أن “القضية ليست في مَن ساعدَ على تزوير تلك الشهادات وتوثيقها، وليست في مَن قام بعملية التزوير مع سبق الإصرار والترصد واستفاد من تلك الشهادة سنوات طويلة، وقد يكون وصل من خلالها إلى أعلى المراتب والمناصب”.
وأردف أن القضية في البيئة التي نما فيها ذلك الفساد، وتأصل بها ذاك التزوير. البيئة التي منحت المزوّر القوة بأن يقوم بفعلته دون خوفٍ أو رهبة، والتي أعطت مَن ساعده على التزوير الفرصة بأن يقوم بفعلته دون الخشية من العقاب أو الحساب”.
وقال الكاتب الصحفي، وليد الجاسم، إن “الشهادات المضروبة والمزيفة والمزوّرة والملعوب فيها، وكذلك شهادات من يستأجر طالباً بديلاً يحضر المحاضرات باسمه ويخوض عنه الاختبارات، كل هذا شائع وقديم”.
وأضاف الجاسم، في حديث للأناضول، أن “بعض الطلبة الدارسين في الخارج كانوا يحملون معهم بعد انتهاء كل عطلة صيفية أجهزة الفيديو وبعض الهدايا الأخرى يعودون بها إلى الدول التي يدرسون فيها”.
وتابع أن “أصحاب الشهادات المضروبة حملوا الموبايلات الغبية معهم، ثم واكبوا تطور الزمن وحملوا الذكية، وأخيرا الكاش (مال نقدي) الذي صار سيد الموقف”.
وشدد على أن “التزوير والعبث مورس حتى في شهادات المرحلتين المتوسطة والثانوية، ومن ليس لديه شهادة كويتية يدبر شهادته من الخارج وهو في بلده ويكمل طريق الدراسات العليا بنجاح”.
** منظومة الفساد
وفق الأستاذ في جامعة الكويت، د. حمد المطر، لا تقتصر القضية على الجانب الأكاديمي: إذ قال: “نحن أمام كارثة حقيقية ليست فقط أكاديمية بل أخلاقية”.
وأضاف المكر للأناضول: “لا نريد حصر الموضوع بالوافد الكمبارس المزور، بل كشف منظومة الفساد والإفساد لدينا، ومن هم أبطالها الحقيقيون، والضرب بيد من حديد، فالعبث في التعليم عبث بالكويت”.
وأعلنت وزارة التربية والتعليم العالي في الكويت، السبت الماضي، أنها قدّمت 40 بلاغا إلى النائب العام بشأن شهادات جامعية جرى تزويرها، خلال العام الجاري.
وفي وقت سابق من العام الجاري، تم تحويل أصحاب ثماني شهادات في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب إلى النيابة العامة، بناء على توصيات لجنة شكلت لهذا الغرض.
وألقت السلطات الكويتية، العام الماضي، القبض على شاب كويتي متخصص في بيع الشهادات المزورة من دول عربية مقابل 12 ألف دولار للشهادة الواحدة، تدفع بالتقسيط.
وقال المتهم أمام النيابة العامة، إنه جمع ثلاثة ملايين دينار كويتي (نحو 10 ملايين دولار) خلال سنتين فقط، بعد بيعه 600 شهادة لنخب سياسية وأكاديمية في البلاد.
وأحالت الحكومة، في يوليو / تموز 2016، 270 مزورا لشهادات طب وهندسة يعمل أغلبهم في القطاع الخاص إلى النيابة العامة.