نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تقريرا، جاء فيه أن قانون الصحافة الجديد الذي أصدره النظام المصري، يأتي في سياق الحرب النفسية التي يشنها على شعبه من أجل مصادرة حقه في التعبير، وهذا القانون لا يغير شيئا على أرض الواقع، لأن انتهاكات نظام السيسي كانت تحدث حتى دون غطاء قانوني، وهو لا يمكنه السيطرة على نشاط عشرات الملايين من المصريين على شبكة الإنترنت.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته “عربي21“، إن شعورا بالغضب عم الفضاء الافتراضي في مصر خلال الأسبوع الماضي، بعد أن تم تمرير قانون الصحافة الجديد المثير للجدل، بأغلبية الثلثين في البرلمان المصري، في انتظار أن تتم المصادقة عليه من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأكد الموقع أن هذا القانون يمنح الحكومة صلاحيات غير مسبوقة، للسيطرة على الإعلام الحكومي والخاص، ويضيق بشكل خطير على عمل وسائل الإعلام، وهو بمثابة إعلان وفاة لما تبقى من حرية تعبير في شبكة الإنترنت في مصر. حيث أن هذا القانون المؤلف من ثلاثة محاور، يعزز سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة الرابعة في البلاد.
واعتبر الموقع أن هذا القانون، رغم أنه جديد، فإن هذه القصة ليست جديدة بالمرة، بل إنها أضحت متكررة وقديمة ومزعجة. إذ أنه بات معروفا أن الدكتاتورية الحاكمة في مصر، وضعت على رأس أولوياتها في الخمس سنوات الماضية، أي منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد، سحق كل اشكال الاحتجاج، وفرض سيطرة كاملة على وسائل الإعلام.
ولهذا الغرض، دأبت السلطات المصرية على حبس وتهديد الصحفيين، ومنعهم من تغطية الأحداث، وأغلقت أكثر من 500 موقع إنترنت خلال العام الماضي. ولذلك فإن المنظمات الدولية المدافعة عن حرية الصحافة، لطالما صنفت مصر في أسوأ المراتب ضمن مؤشر الدول المضطهدة لحرية الإعلام، فيما لا يزال 20 صحفيا على الأقل وراء القضبان لحد الآن.
وقال الموقع إن هذا لم يكن كافيا بالنسبة للنظام المصري، ففي كانون الأول/ديسمبر قامت شركة “إيجل كابيتل” التي تترأسها وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، بالاستحواذ على مجموعة “إعلام المصريين”. وقد تم غلق موقع مدى مصر، بعد أن نشر تحقيقا حول كون شركة “إيجل كابيتل” ليست إلا واجهة لنشاط جهاز المخابرات العامة المصري، في القطاع الخاص والشركات.
ونقل الموقع تصريح هشام قاسم، المدير التنفيذي السابق في صحيفة المصري اليوم، الذي أكد أن “خورشيد تواصلت مع كل القنوات والصحف المصرية، عارضة عليها التفاوض حول شراكة مع جهاز المخابرات العامة، أو قبول استحواذ هذا الجهاز عليها، ويأتي ذلك تفاعلا مع التعليمات التي أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لإجبار كل وسائل الإعلام على الوقوف في صف واحد خلف الرئيس، تماما كما كان يحدث في عهد جمال عبد الناصر”.
وأوضح الموقع أن القانون الجديد جاء ليكمل هذه المساعي، حيث تم وضع تعريف جديد لماهية “الوسيلة الإعلامية”، بشكل يكمم حرية التعبير بالكامل، حيث أن القانون الجديد لا يعاقب فقط الصحفيين على نشر ما تعتبره السلطات “أخبارا زائفة”، بل إن كل رواية للأحداث لا تردد الرواية الرسمية، تعرض صاحبها للتبعات. كما أن هذا القانون يعتبر الأشخاص العاديين الذين لديهم أكثر من 5 آلاف متابع على منصات التواصل الاجتماعي وسيلة إعلامية قائمة الذات، وبالتالي هم يقعون تحت طائلة المجلس الأعلى للإعلام.
وأشار الموقع في نفس السياق إلى أن رئيس المجلس الأعلى للإعلام يتم تعيينه بأمر مباشر من الرئيس، الذي كان في خطاب رسمي مليء بالتهديدات ضد “أعداء الدولة” في شباط /فبراير 2016، قد حذر المصريين من الاستماع لأي شخص باستثنائه هو.
وأضاف الموقع أن السيسي بعد عام واحد، أصدر مرسوما بتأسيس المجلس الإعلامي، وأرفقه بقوانين فضفاضة وتعابير غامضة كالمعتاد، بشكل يمنحها السلطة لملاحقة أي شخص، وليس فقط الصحفيين، بتهمة “تحريض الناس على خرق القانون”، أو “النيل من الأفراد والأديان”.
والآن، بحسب الفصل 12 من القانون، فإن وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة مطالبة بالتقدم للحصول على ترخيص لحضور الاجتماعات العامة أو إجراء حوارات مع المواطنين، حتى في الأماكن العامة التي كان هذا الأمر مسموحا فيها من قبل.
وأضاف الموقع أن الأمر يزداد سوء مع الاطلاع على بقية فصول القانون، الذي خلق عقبات بيروقراطية ومالية إضافية أمام وسائل الإعلام الرقمية، حيث يشترط توفير رأس مال لا يقل عن 2.5 مليون جنيه مصري لإنشاء قناة على الإنترنت. وأي خرق لهذا القانون، يؤدي لتسليط غرامة ثقيلة تتراوح بين 1 و2 مليون جنيه، إلى جانب سحب الترخيص.
واعتبر الموقع أن هذا القانون يعني باختصار أن كينونة المصريين كبشر أصحاب وعي بحسب تعريف الإنسان في سنة 2018، تم اختطافها من قبل هذا النظام غير القادر على النظر إلى ما أبعد من أنفه.
وأشار الموقع إلى أن هذه الإجراءات تعيد إلى الأذهان ما قام به نظام حسني مبارك في سنة 2011، حين أوقف خدمة الإنترنت في كامل أنحاء البلاد في 28 كانون الثاني/يناير، تاركا 90 مليون مصري في عزلة تامة عن العالم. إلا أن تلك الخطوة، تماما مثل الخطوة التي قام نظام السيسي الآن، كانت تهدف لعكس عقارب الزمن وإيقاف الأحداث التي انطلقت قبل ثلاثة أيام، وقد ثبت لاحقا أنها كانت محاولة ساذجة.
وأكد الموقع أن قوانين الطبيعة ودروس التاريخ، تؤكد استحالة السيطرة على كيفية استخدام عشرات الملايين من الناس لشبكة الإنترنت، ولذلك فإن تطبيق هذا القانون الجديد على نطاق واسع أمر مستحيل. وهذه المحاولة تمثل وجها آخر للحرب النفسية التي يشنها النظام، حيث أنه دأب على ملاحقة الوجوه البارزة، من أجل ترهيب الآخرين التي يتجرؤون على التعبير في شبكة الإنترنت، وهي ممارسات ظلت متواصلة حتى قبل صدور هذه القوانين.
وفي الختام، اعتبر الموقع أن هذه الأوضاع التي تعيشها مصر، والتي تذكرنا بروايات الكاتب جورج أورويل، حيث تصبح الحرية عبودية والجهل قوة، بات القضاة فيها لا يحتاجون لانتظار قانون من أجل إصدار أحكامهم، والسجانون أيضا لا يحتاجون مذكرة من أجل إلقاء الناس وراء القضبان.