كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن انشقاق أمير إماراتي ولجوئه إلى دولة قطر.
وحسب كاتب التقرير، دافيد دي. كيركباتريك، فإن انشقاق الأمير الإماراتي يعطي لمحة نادرة يمكن من خلالها رؤية التوترات القائمة بين حكام الإمارات العربية المتحدة.
وفيما يلي تقرير الصحيفة بترجمة “عربي21“:
يوفر انشقاق أمير إماراتي وهروبه إلى قطر لمحة نادرة، يمكن من خلالها رؤية التوترات القائمة بين حكام دول الإمارات العربية المتحدة. وفي الوقت ذاته يضيف تعقيدا غير مريح للنزاع الدائر مع قطر، المنافس الإقليمي للإمارات.
الأمير المنشق هو الشيخ راشد بن حمد الشارقي، الذي يبلغ من العمر واحدا وثلاثين عاما. وهو الابن الثاني لحاكم الفجيرة، إحدى الإمارات الأصغر حجما، والأقل ثراء من بين الملكيات السبع التي تتشكل منها دولة الإمارات العربية المتحدة. كان الشيخ راشد حتى وقت قريب مسؤولا عن إدارة المؤسسة الإعلامية التابعة للحكومة في الفجيرة.
وصل الشيخ راشد بشكل مفاجئ إلى مطار الدوحة، عاصمة قطر، في وقت مبكر من صباح السادس عشر من أيار/ مايو، وتقدم بطلب لجوء سياسي.
بمجرد وصوله، أخبر الشيخ راشد المسؤولين القطريين بأنه بات يخشى على حياته بسبب خلاف نشب مع حكام أبو ظبي، الإمارة الثرية بالنفط، التي تهيمن على مقاليد الأمور في دولة الإمارات، وذلك بحسب ما أكده في مقابلات أجريت مع الشيخ راشد نفسه، بالإضافة كذلك إلى شخص قطري قريب من العائلة الحاكمة.
رفض ممثل عن السفارة الإماراتية في واشنطن التعليق على الخبر، ولم يتسن الوصول إلى حكام الفجيرة.
يعد هرب الشيخ راشد إلى الدوحة، الأول من نوعه منذ ما يقرب من سبعة وأربعين عاما من تاريخ الإمارات العربية المتحدة، وهي الحالة الأولى التي يقوم فيها عضو في إحدى العائلات السبع الحاكمة بتوجيه نقد لعني لحكامها، وذلك بحسب ما يؤكده خبراء متخصصون في تاريخ المنطقة وشؤونها.
وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، اتهم الشيخ راشد حكام الإمارات بالابتزاز وغسيل الأموال، رغم أنه لم يقدم دليلا يدعم به مزاعمه.
كما تحدث علانية حول وجود توترات بين الإمارات كان الحديث عنها في السابق يقتصر على التهامس، وتحدث بشكل خاص عن الاستياء إزاء قرار قيادة أبوظبي التدخل عسكريا في اليمن.
وقال إن حكام أبوظبي لم يستشيروا أمراء الإمارات الست الأخرى قبل إرسال قواتها إلى الحرب، التي مر عليها الآن ثلاثة أعوام لقتال فصيل متحالف مع الإيرانيين داخل اليمن. ومع ذلك يتصدر الصفوف الأولى من القتال جنود من الإمارات الأصغر حجما، مثل الفجيرة، وهؤلاء تقع في صفوفهم معظم الوفيات في الحرب، علما بأن الإعلام الإماراتي يزعم أن عدد القتلى الإماراتيين في حرب اليمن بالكاد يتجاوز المئة.
وقال الشيخ راشد إن عدد الوفيات من بين مواطني الفجيرة يفوق أعداد الوفيات من الإمارات الأخرى، واتهم أبوظبي بإخفاء الأرقام الحقيقية لأعداد القتلى.
وقال إنه قرر إعطاء المقابلة على أمل أن يؤدي الاهتمام الشعبي بقضيته إلى حماية عائلته في الفجيرة من الضغوط التي تمارسها عليها أبوظبي، وبدا عليه التفاؤل بأن التهديد بإفشاء المزيد من المعلومات قد يعزز موقفه في مواجهة أبوظبي كذلك. وأضاف: “أنا أول شخص من داخل العائلة الحاكمة يخرج من الإمارات العربية المتحدة ليكشف كل ما لديه عنهم.”
إلا أن وصوله إلى الدوحة شكل معضلة للقطريين، وذلك جزئيا لانعدام اليقين فيما يتعلق بخلاف الشيخ راشد مع أبوظبي.
وكانت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قد قادتا حملة لعزل قطر، فقطعا كل العلاقات الدبلوماسية والتجارية معها؛ في سبيل الضغط على هذه المملكة الصغيرة الثرية بالنفط، حتى تلتزم بالسياسة الخارجية المشتركة ذاتها، وتنضم إليهما في التشديد على الإسلام السياسي. وما زاد الضغوط استضافة أبوظبي حفنة من المبعدين من أعضاء العائلة الحاكمة في قطر، والسعي إلى تضخيم واستغلال انتقاداتهم للأمير الحالي، وتقديمهم للجمهور على أنهم الحكام البدلاء.
لكن قطر رفضت الإقرار علانية بتواجد الشيخ راشد على أراضيها. وأكد الشخص المقرب من العائلة القطرية الحاكمة أن قطر سمحت للشيخ راشد بالبقاء، إلا أن ناطقا باسم الحكومة استنكف مرارا عن الاستجابة لطلبنا التعليق على الموضوع.
يقول الخبراء بالمنطقة إن قطر قد تخشى أن يحصل تصعيد في المواجهة بينها وبين دولة الإمارات العربية المتحدة إذا ما بدا أنها ترعى عضوا من أعضاء العائلة الحاكمة وتوفر له ملجأ في أراضيها. إلا أن الشخص القطري قال إن الحكومة تشعر بعدم الارتياح إزاء تفاصيل الخلاف بين الشيخ راشد وإمارة أبوظبي.
ولقد اتهم الشيخ راشد في مقابلته وكالات المخابرات التابعة لأبوظبي بابتزازه وتهديده بنشر أشرطة فيديو محرجة ذات طبيعة شخصية. ووصف الفيديوهات بأنها مفبركة، إلا أنه رفض الكشف عن محتوى المادة فيها، ما أثار احتمال أن تؤدي الفيديوهات فيما لو تم نشرها إلى إحراج مضيفيه القطريين أيضا.
كما زعم الشيخ راشد أن وكالات المخابرات ضغطت عليه حتى يقوم بتحويل عشرات الملايين من الدولارات نيابة عنها إلى أشخاص لا يعرف عنهم شيئا في بلدان أخرى، الأمر الذي بدا منتهكا للقوانين الإماراتية والدولية التي تحظر غسيل الأموال.
وقال إنهم قالوا له أرسل المال هنا، وأرسل المال إلى هناك، وذلك جزءا من أجندتهم، مضيفا إنه قام فعلا بتحويل ما مجموعه سبعون مليون دولار إلى الأردن ولبنان والمغرب ومصر وسوريا، وكذلك إلى أماكن أبعد مثل الهند وأوكرانيا.
ولكنه لم يتمكن من تقديم دليل يعزز ما وجهه من اتهامات، وقال إن إيصالات تحويل تلك الأموال بقيت في الفجيرة.
وبحسب الرواية التي سردها، فقد رفض الشيخ راشد في أي مطالب إضافية ابتداء من الربيع الماضي، وذلك حينما أورد أحد ضباط المخابرات الإماراتيين ذكر عائلته، حكام الفجيرة. وقال الشيخ راشد إنه فسر عبارات ضابط المخابرات على أنها تعني أن الوكالات أرادت منه السعي لكي يحل محل شقيقه الأكبر وليا للعهد.
يقول الخبراء ممن درسوا منطقة الخليج “الفارسي” إن زعماء الإمارات الأخرى كثيرا ما يتذمرون فيما بينهم بشأن هيمنة أبوظبي على دولة الإمارات العربية المتحدة وبشأن سياستها الخارجية. يقول دافيد بي روبرتس، الأستاذ في كينغز كوليج بجامعة لندن والدارس للخليج “الفارسي”: “من النادر أن تتسرب مثل هذه السياسات النخبوية إلى العلن في دولة الإمارات العربية المتحدة.”