نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريرا لمراسلها كيم سينغوبتا، يتحدث فيه عن خطة مؤسس شركة التعهدات الأمنية “بلاكووتر” لخصخصة الحرب التي تكلف أمريكا 76 مليار دولار في الشهر، وتعد أطول الحروب التي خاضتها، وهي الحرب الأفغانية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن إريك برينس تحدث في مقابلة أجرتها الصحيفة عن خططه التي عرضها على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووزير خارجيته مايك بومبيو، لتخفيض النفقات، وتحويل العمليات العسكرية إلى فريق دولي من المتعهدين الأمنيين.
ويلفت سينغوبتا إلى أن حديث برينس جاء على هامش قمة حلف الناتو وخطط ترامب لدفع دول الناتو لزيادة النفقات وعدد الجنود للمشاركة في أفغانستان، مشيرا إلى أن دولا أخرى تعاني من هجمات الرئيس بسبب عدم زيادة نفقاتها على الدفاع، وتزيد في هذه الحالة من نفقاتها لإرضائه.
وتذكر الصحيفة أنه من المتوقع أن تزيد بريطانيا من قواتها إلى أكثر من 1200 جندي، إلا ان برينس، وهو مؤسس أكبر شركة تعهدات أمنية في العالم “بلاكووتر” (وتعرف اليوم باسم أكاديمي) يرى أن زيادة عدد الجنود هو أسوأ ما يمكن لحلفاء الولايات المتحدة عمله.
ويورد التقرير نقلا عن برينس، قوله في مقابلة مع الصحيفة، إن زيادة القوات “ستعزز من استراتيجية الفشل، وهو أمر لم ينجح، ولن يكون مجديا، وسيؤدي إلى وفاة الجنود”.
ويفيد الكاتب بأن لدى الملياردير، الذي يترأس شركة استثمار خاصة، خطته الخاصة لحرف مسار الحرب في أفغانستان، فيقول:”ما يجب على ترامب عمله هو أن يقول للناتو إنه ليست هناك حاجة لإرسال قوات جديدة، ويجب عليهم إرسال المال”.
وتنوه الصحيفة إلى أن ترامب شجب خلال حملته الانتخابية الحروب الأمريكية العبثية في الخارج، مشيرة إلى قول برينس: “تنفق الولايات المتحدة 76 مليار دولار سنويا على أفغانستان، وهو أكثر ما تنفقه حكومة جلالة الملكة في بريطانيا على ميزانية الدفاع كلها”، ويضيف: “ما اقترحه لا يشكل إلا جزءا يسيرا، وسيؤدي إلى إنقاذ حياة الجنود الأمريكيين والبريطانيين والأفغان وبقية الحلفاء”.
ويبين التقرير أن ما يقترحه برينس في الجوهر هو خصخصة الحرب، مع أنه يفضل تسمية مقترحة بـ”ترشيد وإعادة هيكلة”، وهي الخطة ذاتها التي قدمها إلى البيت الأبيض في السابق، وحظيت بدعم مستشار ترامب السابق ستيفن بانون، وصهره ومستشاره جارد كوشنر، فيما رفضها الأعضاء البارزون في الإدارة، الجنرال أتش آر ماكماستر، وريكس تيلرسون، اللذان غادرا الإدارة، بالإضافة إلى وزير الدفاع جيمس ماتيس.
ويجد سينغوبتا أنه في الظرف الحالي هناك ما يشير إلى إمكانية القبول بالمقترح، خاصة بعد تعيين مايك بومبيو وزيرا للخارجية، وجون بولتون مستشارا للأمن القومي، لافتا إلى قول برينس إن ماتيس وافق على تحليله للمشكلة في أفغانستان ولكن ليس الحل.
وتستدرك الصحيفة بأن الرئيس عبر عن حنقه مرارا من الثمن الذي يجب أن تدفعه الولايات المتحدة لحماية مصالح الآخرين، إلا أن برينس، وهو شقيق وزيرة التعليم في إدارة ترامب بيتسي ديفوس، لم يلتق بعد بالرئيس ليناقش الخطة معه، مشيرة إلى أن وزير الخارجية بومبيو أكد بعد زيارة لأفغانستان أن الاستراتيجية ضد حركة طالبان ناجحة، إلا أن الحركة لم تعد تنتظر خروج الأمريكيين من البلاد.
ويشير التقرير إلى أن من الانتقادات التي وجهت للانسحاب في عام 2013، أنه تم الإعلان عن سحب القوات مقدما، بشكل سمح للمقاتلين في حركة طالبان بالانتظار في معسكراتهم في باكستان، واجتياز الحدود لتنفيذ هجمات مستغلين الفراغ الأمني، منوها إلى أنه لتجنب سيناريو كهذا فإن دعاة الخصخصة وتحقيق النتائج التي يريدها ترامب، بدلا من الاعتماد على استراتيجية فك ارتباط طويلة الأمد، يصرون على أنه يجب على قادة الدول الغربية نشر قوات على المدى الطويل.
ويذهب الكاتب إلى أنه في ظل هذه الظروف، فإن استخدام جيوش تابعة لشركات خاصة سيكون مستساغا من الناحية السياسية، ويجنب الحكومات مناظر أكياس الموتى، التي ستظل تنقل في السنوات المقبلة.
وتورد الصحيفة نقلا عن مصادر دبلوماسية أمريكية، قولها إنه يمكن تقييم الخطة والاستفادة من بعض ملامحها في المستقبل، فيما لا يزال الآخرون متشككين منها، حيث علق مسؤول في البنتاغون، قائلا: “هذا مثل ما ورد في مجلة (المرتزقة)، وهو أمر يطرح الكثير من المشكلات العملية واللوجستية، بالإضافة إلى مشكلات قانونية ومعنوية وأخلاقية ضخمة.. لن يدعم الجيش هذا النوع من التسيب”.
ويلفت التقرير إلى أن برينس، الذي خدم سابقا في القوات الخاصة “نيفي سيل”، يصف خطته بأنها “استراتيجية اقتصادية للقوة”، حيث يتركز مقترحه على إنشاء فرق صغيرة من المتعهدين الخاصين، وليس “المرتزقة”، يتم تجنيدهم من الجنود السابقين في الجيوش الغربية، والإشراف على القوات الأفغانية تدريبا ومعارك، ويتم دعمها من خلال الطائرات التي يقودها المتعهدون الأمنيون بمساعدة طيارين أفغان.
وينقل سينغوبتا عن برينس، قوله إن ثمن هذا كله معقول، وأضاف: “نحتاج إلى 90 طائرة ومروحيات قتالية، ونقل وإجلاء الجنود الجرحى، ونعرف الظروف، وقد طارت 26 مروحية من مروحياتي هناك، بالإضافة إلى أننا حددنا المقاتلات، ولدينا الأرقام المتسلسلة للتي نريد شراءها، وأرسلت وزارة الدفاع طائرات سريعة ثمنها 100 مليون دولار لتدمير حقول أفيون، قيمتها 100 دولار، ولن نقوم بأمر كهذا”.
وقال برينس للصحيفة إن سلاح الجوي الأفغاني بدأ يحصل على تدريب أمريكي منذ عام 2007، وهناك الكثير الذي يجب عمله، “ويجب أن يحصلوا على الأشياء التي لم تتوفر لهم بعد.. وبناء على الخطة، فإن المتعهدين سيقومون بقيادة الطائرات، أما عمليات الاستهداف فسيقوم بها الأفغان، ما يعني أن القرار النهائي سيكون في أيديهم”.
وترى الصحيفة أن ما يقترحه برينس يظل مثيرا للجدل في ضوء السجل الذي تركته شركة التعهدات الأمنية في كل من العراق وأفغانستان.
ويقول سينغوبتا إنه كان في العراق عندما وجد نفسه وسط مذبحة ارتكبها المتعهدون الأمنيون في ساحة النسور في عام 2007، وقتل فيها 17 مدنيا عراقيا، مستدركا بأن المدافعين عن “بلاكووتر/ أكاديمي” يقولون إن نقادها اختاروا عددا من الأحداث السيئة لتشويه سمعتها، والتغطية على العمل المهم الذي قامت به في الأماكن الخطيرة.
ويؤكد التقرير أن برينس سيحصل على أموال من الخطة الأفغانية، لكن ما يشغله الآن هو تبني طرف لها، ويقول إن هناك جدوى اقتصادية من الخطة، ففي الوقت الحالي يرابط 15 ألف جندي أمريكي في أفغانستان، إلى جانب 5 آلاف جندي من دول أخرى، بالإضافة إلى مقاتلات حربية، وهو عدد أقل من الذروة، حيث كان في أفغانستان حوالي 140 ألف جندي في قوة المساعدة الدولية.
وتذكر الصحيفة أن برينس تقدم بالخطة للبيت الأبيض قبل عام، ووصف مستشار الأمن القومي السابق ماكماستر، الذي عارض الخطة، قائلا: “كان ماكماستر جنرالا بثلاث نجوم وبحاجة لنجمة رابعة، ولم يكن ليقبل أي شيء غير تقليدي كهذا”، وأضاف: “سمعت أن الرئيس ترامب قرأ خطتي في مكتبه البيضاوي، وأخبر ماكماستر أنه يفضلها على خططه، وربما كانت هذه بداية خاطئة لي مع ماكماستر”، وكان الجنرال يقترح إرسال 70 ألفا من الجنود الإضافيين إلى أفغانستان، “وربما لم يعجب بما قدمته”.
ويفيد التقرير بأن برينس تحدث من إسبانيا في طريقه إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث قال إنه تحدث مع بومبيو “وهو مهتم بما قلت”، وأضاف: “لم أناقشها مع جون بولتون، وبالنظر إلى خلفيته فإني أعتقد أنه لا يريد الالتزام باستراتيجية تقليدية ليست ناجحة، وسأواصل عرض هذا الموضوع في الأشهر المقبلة”.
ويرى الكاتب أن تخفيض القوات على الأرض قد يساعد لمعالجة التدخل الباكستاني في أفغانستان، حيث تدعم عناصر في المخابرات والجيش حركة طالبان، فيقول برينس:”رغم كل الشكاوى من الدعم الباكستاني لحركة طالبان، وحقيقة منحهم ملجأ لأسامة بن لادن في أكاديميتهم العسكرية، فإن باكستان لا تزال تتلاعب بنا.. وفي الوقت الحالي فنحن نعتمد على خطوط الإمدادات في باكستان لتزويد 15 ألف جندي و30 ألف جندي داعم، فنحن لسنا بحاجة إلى هذا المستوى من الدعم اللوجيستي”، ويضيف: “يمكن جلب الإمدادات من خلال أوزبكستان، وبعد ذلك يمكن الضغط على القيادة الباكستانية لوقف الدعم الشرير الذي تقدمه لحركة طالبان وشبكة حقاني وتنظيم الدولة”.
وبحسب الصحيفة، فإن برينس تحدث مع بومبيو عندما كان مديرا للوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية “سي آي إيه”، التي أدت بالإضافة إلى قوات العمليات الخاصة دورا في إسقاط نظام حركة طالبان عام 2001، واستخدمت الحرب ذاتها التي يقترحها برينس.
وينقل التقرير عن برينس، قوله: “بعد 11/ 9 قامت حفنة من (سي آي إيه) وقوات العمليات الخاصة بهزيمة حركة طالبان، وهي ليست حركة قوية، ويمكن هزيمتها بالأسلوب والرجل المناسبين.. ليس الأمريكيون فقط، بل المراقبون من بريطانيا وأستراليا وكندا وجنوب أفريقيا وأي طرف، لديهم فريق جيد”.
ويستدرك سينغوبتا بأن هناك مشكلة في خطة برينس، وهي أن ترامب خاضع لتحقيق المحقق الخاص روبرت مولر، والتدخل الروسي في الانتخابات، ومنها لقاء برينس مع مدير صندوق سيادي روسي مقرب من فلاديمير بوتين، وقال برينس إنه ليس قلقا من التحقيق، مؤكدا أن اللقاء كان بالصدفة.
وتكشف الصحيفة عن أن برينس لا يزال يركز اهتمامه على أفغانستان، ويريد تقديم خطته ضمن سياق تاريخي، وهناك عناصر بريطانية فيها، حيث يؤكد ضرورة وجود شخصية مثل نائب الملك، الذي يؤكد استمرار السياسة والميزانية والقيادة.
ويورد التقرير أنه مثال على هذا هو شركة الهند الشرقية، التي خلقت الإمبراطورية البريطانية في الهند، ويقول إن “شركة الهند، وكانت مجموعة صغيرة اعتمدت على المصادر المحلية، وظلت تعمل لمدة قرنين أو يزيد، ولا أدعو للاستعمار، دعنا نترك السياسة جانبا”.
وتختم “إندبندنت” تقريرها بالقول إنه “لا يمكن لأحد تجنب السياسة، صحيح أن شركة الهند كسبت مالا كثيرا لمساهميها وللتاج البريطاني، إلا أنها تعد في الهند أداة للاستغلال، وقادت أساليبها للثورة الهندية، التي يطلق عليها حرب الاستقلال الأولى، وقررت الحكومة البريطانية التدخل، وأخذ زمام الأمر من شركة الهند الشرقية”.