كشفت مصادر يمنية مطلعة عن تجدد ملامح التأزم بين الرئيس، عبدربه منصور هادي ودولة الإمارات وحلفائها المحليين في مدينة عدن (جنوبا)، رغم مساعي التهدئة والوفاق التي هيأت عودته إلى المدينة الساحلية.
وأضافت المصادر لصحيفة “عربي21″، مشترطة عدم الكشف عن هويتها، أن لقاء أبوظبي بين الرئيس هادي وولي عهدها، الشهر الفائت، لم يقدم حتى الآن إجابات شافية عن أسبابه، خاصة مع عدم وجود أي “انعطافه” إيجابية في السلوك الإماراتي تجاه الشرعية.
وأشارت المصادر أن أجواء الخلاف تخيم في مدينة عدن، وهو ما يوحي أن التقارب بين هادي وبن زايد، لم يكن رغبة حقيقية من الأخير، بل جاء ضمن ضغوط مارستها الرياض، ولذلك ظهرت هشاشته سريعا.
وأكد أحد المصادر وهو قريب من الدائرة المحيطة بالرئيس اليمني أن معركة الحديدة، كانت أول اختبار حقيقي، لتقارب هش، أملته، حاجة الإمارات الملحة للغطاء السياسي لإطلاقها، رغم فشل الحملة في النهاية.
وقال إن حكومة هادي تدرك دبلوماسية “المكر” التي تنتهجها الإمارات، ولذلك سارعت لمد يدها وترتيب زيارته إلى عاصمتها، لمنحها الغطاء للبدء في معركة الحديدة ضد الحوثيين سرعان ما أعلنت وقفها مؤقتا.
وحسب المصدر فإن الإعلان عن معركة الحديدة ضد الحوثيين من قبل الإماراتيين في حد ذاته بدى ملتبسا، بعدما تصدرت “أبوظبي” المشهد عسكريا وإعلاميا ودبلوماسيا، في سلوك لاقى انتقادات شديدة بسبب غياب الصوت الحكومي عن هذه المعركة المهمة.
ومنذ 13 حزيران/ يونيو، تنفذ قوات يمنية تشرف عليها الإمارات، عملية عسكرية للسيطرة على الحديدة ومينائها الاستراتيجي على البحر الأحمر من مسلحي الحوثيين، وسيطرت خلالها على المطار، قبل أن يعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، في الأول من الشهر الجاري، وقف الحملة مؤقتا إتاحة الوقت الكافي للمبعوث الأممي “مارتن غريفيث” للوصول إلى انسحاب غير مشروط للحوثيين من المدينة والميناء.
كما لفت إلى أن لائحة “التأزم” مع الإماراتيين تشمل ميليشيات جديدة لا تقل توجها عن التشكيلات التي شكلتها في الجنوب مثل “الحزام الأمني” و”النخبة الشبوانية” و”النخبة الحضرمية”، على غرار قوات طارق صالح، وهي قوة تتمتع بدعم سخي من قبلهم دون الاكتراث لعدم اعترافه بالشرعية.
وذكر المصدر المقرب من هادي أن طارق صالح، ابن شقيق الرئيس الراحل، علي عبدالله صالح، من أبرز نقاط التوتر بين الرئيس منصور هادي والسلطات الإماراتية الذي تسعى لتمكين قواته من إدارة مدينة الحديدة بعد استعادتها.
وقال إن توترا نشب بين الرئيس اليمني والإماراتيين الذين يتصدرون مشهد الحرب في الحديدة، بعدما بدأ بنقل كتائب عسكرية من لواء النقل، أحد ألوية الحماية الرئاسية التي يقودها، نجله العميد، ناصر، لتعزيز ألوية العمالقة التي تخوض المواجهات على أكثر من محور.
وتابع حديثه الخاص لصحيفة “عربي21” إن توجهات هادي هذه قوبلت برفض إماراتي، بعدما لاحظت تجهيزه لواءين عسكريين، كان من المتوقع الدفع بهما إلى جبهات الساحل، باستثناء كتيبة واحدة من لواء النقل وصلت الى مشارف مدينة الحديدة ، وأخبرته أن لديها قوات جاهزة للقتال. في إشارة منها الى قوات طارق صالح
وأردف قائلا: لربما كان هدف من إرسال تعزيزات عسكرية من قوات ألوية الحماية الرئاسية “إنهاء الهيمنة الإماراتية على الساحل”، وثانيا ” إنقاذ أولوية العمالقة التي تتعرض لحرب استنزاف حقيقة على مشارف الحديدة في الدريهمي والفازة والحاج، جنوبي الحديدة، بعد تعرض كثير من تلك المناطق القريبة من الساحل والمحاطة بأشجار نخيل كثيفة، لاختراقات حوثية”.
وكان أخرها الأسبوع الفائت، في منطقة الحاج الأعلى الذي سيطر عليها الحوثيون واستولوا على آليات ومركبات تحمل شعار “حراس الجمهورية”، الاسم الذي يطلقه الجنرال طارق محمد عبدالله صالح على قواته.
وأكد المصدر أن طارق تلقى توجيها إماراتيا للخروج في تسجيل مصور السبت الماضي، أمام حشد من المقاتلين التابعين له في معسكره الجديد بالمخا، معلنا جهوزيته لخوض المعركة ضد الحوثيين، وأن اللقاء سيكون بالحديدة.
رؤية “أبوظبي” لطارق مشابهه كثيرا لرجالاتها في الجنوب، وتسعى صناعة “زبيدي ثان” هناك في المدينة الواقعة على البحر الأحمر.
في حين أفاد مصدر ثان بأن الإمارات وطارق صالح، لجأوا لعملية تجنيد واسعة من قبل طارق صالح من القرى والريف التهامي في المناطق والبلدات التي تم السيطرة عليها، التي وجدوا فيهم بسالة في القتال، بعد الانتكاسات والهزائم المتكررة لقواته التي شكلها من بقايا الحرس الجمهوري سابقا، كان أخرها في منطقة الجاح جنوبي الحديدة.
ولفت إلى أن المعاناة التي يواجهها السكان المحليين في القرى والبلدات القريبة من الساحل، وحالة الإهمال والتهميش التي عانت منها سابقا، دفعت بالإماراتيين ونجل شقيق صالح، إلى استغلالها واستقطاب أبنائها وتجنيدهم مقابل مبلغ بسيط من المال قد يصل لمئة دولار أمريكي (48ألف ريال يمني).
وبحسب المصدر ذاته أن هذه المرة، تحاول “أبوظبي” الابتعاد عن التسميات المثيرة المعتادة في الجنوب، بل يجري إيهام المجندين أنهم سيكونون نواة لقوات رسمية “الأمن المركزي”، وهو اسم القوة التي كان يقودها، شقيق طارق، العميد، يحيى محمد صالح، قبل أن يتم تغيير اسمها لـ”قوات الأمن الخاصة” بموجب هيكلة الوحدات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في حكومة، محمد سالم باسندوة.
انحسار وارتفاع
بموازاة ذلك، انحسر الاستعراض الإماراتي في جبهات الساحل الغربي، وارتفع منسوبه في مدينة عدن، التي يتواجد فيها الرئيس هادي منذ عودته في منتصف حزيران/يونيو الماضي، حيث تسعى أدوات “أبوظبي” استعادة أجواء الخلاف السابقة التي تفجرت بصراع دموي أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي. حسبما ذكرته المصادر
ما يعزز ذلك، التصريح الذي أدلى به، رئيس ما يسمى ” المجلس الانتقالي الجنوبي”، عيدروس الزبيدي، وعبر موقع “إرم” الإماراتي، الأربعاء، لوح به بإسقاط حكومة رئيس الوزراء “أحمد بن دغر”، باعتبارها “معادية”، وهو الدعوة التي أشعلت فتيل المواجهات في يناير مطلع العام الجاري.
وكان لافتا، تناغم تصريحات رجالات الإمارات في الجنوب الموجه ضد الحكومة الشرعية، بدءا بالزبيدي، ومرورا بخالد بحاح، المقال من منصبي نائب الرئيس ورئيس الحكومة في نيسان/إبريل 2016، الذي قال في حوار مع قناة “الحرة” الأمريكية، الأربعاء إن حكومة خلفه بن دغر “إخوان مسلمين”.
وهي مؤشرات إضافية تقول المصادر، على أن الأزمة تعود لمربع الصفر، وتوجه حقيقي لإشغال هادي حكومته عن أي ترتيبات لتحسين الأوضاع في مدينة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى.
وتضيف أن الكثير راهن على زيارة هادي للعاصمة الإماراتية، لتجنب وقوع أزمات مثل تلك التي نشأت في السابق، والتوصل إلى تفاهمات بينهما، إلا أن المؤشرات على الواقع مخيبة للآمال، ولعلها تنذر بحرائق جديدة بعدن.
وأوضحت أن أبوظبي تصر على سلوكها وتسير بعيدا عما كان مأمول، ما يفتح الباب على مصراعيه، لفصل جديد من الصراع.
في حين قال مصدر يمني ثالث إن التقارب الإماراتي مع الشرعية، لم يكن ناتج عن رغبة حقيقية لطي صفحة الصراع مع حكومة هادي، بقدر ما كان مكرا من أبوظبي، لتمرير أجندة فشلت في تنفيذها بدون غطاء من الأخيرة.
واستدل على ذلك بأن سلطات “أبوظبي”، وجدت أن كل إمكانياتها وميلشياتها التي أنشأتها (مليشيات طارق صالح)، لا تعطيها القدرة على التقدم باتجاه الحديدة، ولهذا اتجهت للتقارب مع هادي، ضمن خطة تكتيكية، لشرعنة تحركاتها، مستثمرة حاجة الشرعية لتحرير هذه المدينة الاستراتيجية.
ومضى قائلا :بغض النظر عن نيتها في تحرير جدي للحديدة، من عدمه، فإن الوقائع على الأرض أكدت أنها سياساتها العسكرية فشلت، وأن الوقت يذهب لصالح تمكين مليشيا الحوثي، مالم يحسم أمر استعادتها سريعا.
وكان الرئيس هادي قد زار “أبوظبي” والتقى ولي عهدها، بعد بلوغ الأزمة بينهما حدا غير مسبوق، انعكس على ملف الاستقرار في مدينة عدن، التي يتخذ هادي وفريقه الحكومي منها مقرا له، وصلت حد الانفجار العسكري في عدن أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، وتدخل الإمارات لإسناد محاولة انقلابية قادها المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات “الحزام الأمني” برا وجوا.
ومطلع أيار/ مايو الماضي، نشبت أزمة حادة مع الجانب الإماراتي إثر إرساله قوات عسكرية معززة بالآليات إلى جزيرة سقطرى سيطرت على مطارها ومينائها، في تحرك وصف بأنه ينازع اليمن على السيادة الوطنية.
فيما وصلت الأزمة إلى الأمم المتحدة، قبل أن تتدخل الرياض لتقود اتفاقا يقضي بمغادرة القوات الإماراتية من جزيرة سقطرى، وعودتها إلى ما قبل ذلك الانتشار العسكري.