مرت مسألة شرعية النظام السياسي في مصر بثلاث مراحل منذ الإطاحة، في 3 يوليو/ تموز 2013، بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، وهو الحدث الذي تحل ذكراه اليوم.
بدأ الأمر بطلب “تفويض” لمواجهة “إرهاب محتمل”، ثم زاد الإعلام المؤيد بطرح “إنجازات” تحققت وتدعم هذه الشرعية، إلى أن وصل الأمر حاليا إلى دعوات متكررة من السلطة إلى “الصبر” في مواجهة ظروف اقتصادية صعبة.
غير أن محللا سياسيا مصريا رأى، في حديث للأناضول، أن الفترة الرئاسية الثانية للرئيس عبد الفتاح السيسي (2022:2018) تجاوزت عقدة شرعية الحكم، التي ألح عليها معارضوه خلال السنوات الخمس الماضية، إذ يحاول حاليا إرضاء الشعب الساخط جراء أوضاع اقتصادية صعبة.
طيلة الفترة الأولى للسيسي (2018:2014) كثيرا ما تحدثت وسائل إعلام مؤيدة بشكل واسع ومتكرر عن “نتائج” شرعيتي “التفويض” و”الإنجاز”، في مقابل مواقف، تتمسك بها جماعة الإخوان المسلمين ومعارضون آخرون، ما تزال تركز على إنكار الشرعية.
إرهاب محتمل
بعد أسابيع من الإطاحة مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان، من جانب السيسي، وزير الدفاع آنذاك، طلب الأخير، في خطاب متلفز، يوم 24 يوليو/ تموز 2013، من المصريين منحه “تفويضا” لمواجهة “إرهاب محتمل”.
وعقب يومين على هذا النداء العسكري، شاركت حشود مؤيدة فيما سُمي بجمعة “التفويض”، لمنح السلطات آنذاك “شرعية شعبية” لاتخاذ إجراءات استثنائية لمكافحة “الإرهاب المحتمل” في البلاد.
بموازاة ذلك، تمركزت حشود مضادة في ميادين أخرى، رفضا لما اعتبرته “انقلابا عسكريا” على مرسي، بينما رأه آخرون “ثورة شعبية”.
طيلة ثلاث سنوات، أبرزت وسائل الإعلام في مصر لافتة “الحرب على الإرهاب”، في ظل مواجهات أمنية لـ”بؤر إرهابية”، لا سيما في شبه جزيرة سيناء (شمال شرق).
وتحدث تقارير حقوقية محلية ودولية عن ما قالت إنها “انتهاكات وخروقات” واسعة لحقوق الإنسان، وهو ما نفته السلطات المصرية مرارًا.
أنجزت السلطات الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، في يونيو/ حزيران 2014، وفاز به السيسي، وهو ما ترتب عليه إنهاء لمرحلة الانتقالية.
لكن شرعية “التفويض” كانت ما تزال حاضرة في صدارة المشهد السياسي بمصر.
ودعا إعلاميون مقربون من السلطات إلى تجديد التفويض الشعبي للسيسي، عقب هجوم انتحاري استهدف كمينا عسكريا في منطقة “كرم القواديس” جنوبي مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء، في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، ما أسقط 28 قتيلا من أفراد الجيش وأصاب 26 آخرين.
لكن الدعوة لم تلق استجابة شعبية كبيرة سوى من تجمعات محدودة في بعض الميادين، بعكس نظيرتها الأولى التي لاقت استجابة أوسع.
وخلال افتتاح حقل غاز “ظهر” في البحر المتوسط، شمالي مصر، تحدث السيسي، في يناير/ كانون الثاني 2018، عن احتمال أن يطلب تجديد التفويض الشعبي لمواجهة من أسماهم “الأشرار”.
السيسي قال آنذاك: “سأقول للمصريين انزلوا تاني (مجددًا) اعطوني تفويض لمواجهة الأشرار أي أشرار (…) إذا استمر الإضرار بالأمن القومي لمصر “.
وتابع: “لو الأمر استمر وحد (شخص) فكر يلعب في مصر وأمنها هطلب منكم (الشعب المصري) تفويض تاني، وستكون هناك إجراءات أخرى ضد من يعبث بأمن مصر”.
حالة الطوارىء
بعد أربعة أشهر من فوز السيسي بالولاية الرئاسية الأولى، يونيو/ حزيران 2014، تم فرض حالة الطوارىء بمحافظة شمال سيناء، بعد هجومين أسفرا عن مقتل 29 جنديًا.
وما تزال حالة الطوارىء، في سياق شرعية “التفويض”، مفروضة على شمال سيناء، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بل واتسع نطاقها لتشمل كافة أرجاء مصر، قبل أكثر من عام.
وفي أبريل/ نيسان 2017، وقع تفجيران استهدفا كنيستين، شمالي مصر، وأسقطا 47 قتيلا، وتبناهما تنظيم “داعش” الإرهابي.
وإثر الهجومين فُرضت حالة الطوارىء في عموم مصر لمدة ثلاثة أشهر، وتم تجديدها أربع مرات حتى الآن، أحدثها في أبريل/ نيسان الماضي.
كشف حساب
في أواخر 2017، عرفت مصر حملة شبه رسمية تستعرض ما تعتبرها إنجازات ثلاث سنوات من رئاسة السيسي.
الحملة جاءت في ظل تقارير تتحدث عن تراجع شعبية السيسي، إثر المصاعب الاقتصادية، فضلا عن تنازل السلطات المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر للسعودية،.
وقبل أشهر من انتخابات الرئاسة الأخيرة، مارس/ آذار الماضي، توارى الحديث السياسي والإعلامي عن شرعية التفويض والطوارىء اللازمين لمواجهة الإرهاب، مقابل التركيز على “الإنجازات” التي تحققت خلال الولاية الأولى للسيسي.
وطيلة ثلاثة أشهر قدم وزراء ومسؤولون مصريون رصدًا لما قالوا إنها إنجازات تحققت في مختلف المجالات، وهو ما اعتبره مراقبون آنذاك بمثابة كشف حساب لولاية السيسي الأولى.
وجرت انتخابات الرئاسة الأخيرة وسط احتفاء إعلامي لافت بتحقيق “إنجازات إنشائية”، بينها بناء عاصمة إدارية جديدة، شرقي القاهرة، وإنشاء شبكة طرق جديدة، وبناء آلاف الوحدات السكنية لطبقة محدودي الدخل، فضلا عن إطلاق مشاريع غذائية تحقيق الاكتفاء الذاتي من انتاج الكهرباء.
وفي 2 أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات بمصر (مستقلة، مقرها القاهرة) فوز السيسي بولاية رئاسية ثانية بنسبة 97.8%.
وتواجه الحكومة المصرية انتقادات شعبية بسبب زيادة أسعار السلع والخدمات، إثر تقليص الدعم، لا سيما على الوقود.
وعادة ما تواجه الحكومة، بحسب مراقبين، هذه الانتقادات بالتركيز على تحقيق إنجازات تبدو نتائجها جلية على الأخص في قطاعي الإنشاءات والصحة، مثل القضاء على فيروس الكبد الوبائي “سي”.
معضلة الاقتصاد
وفق مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي مقره القاهرة)، فإن “الولاية الرئاسية الثانية للسيسي تجاوزت إشكالية الشرعية، وطغت معضلة الاقتصاد على مكافحة الإرهاب”.
ورأى غباشي، في حديث للأناضول، أنه “آن الأوان أن يخفت تسويق الحكومة المصرية لجهود مكافحة الإرهاب مقابل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد”.
وأضاف أن التحدي الأكبر أمام السيسي في ولايته الثانية متوقفا على “إرضاء” الشعب بعد تراكم الأعباء الاقتصادية التي ترتبت على قرارات حكومته بتقليص الدعم عن الوقود وارتفاع الأسعار.
واعتبر المحلل السياسي المصري أن “المحك الأساسي لشرعية السيسي الآن هو معالجة الخلل الناجم عن عجز الحكومة عن التعاطي مع الأزمات الاقتصادية وليست شرعية التفويض لمواجهة الإرهاب، مثلما حدث قبل خمسة أعوام”.
وقبل ايام، جددت جماعة الإخوان، عبر بيان، عدم الاعتراف بشرعية السيسي، وذلك في الذكرى الخامسة لمظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، التي مهدت للإطاحة بمرسي.
على الجانب الآخر أعاد السيسي الحديث عن تحديات كانت تواجه مصر، لاسيما في ملفي الأمن والاقتصاد، مطالبا المصريين مجددا بالصبر في مواجهة المعاناة جراء الإصلاحات الاقتصادية.
المصدر: الأناضول