كشف موقع ميدل إيست آي تفاصيل جديدة حول علاقة الإمارات بمستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأكدت أن هذه التفاصيل التي تكشفها إيميلات مسربة ستكون محل اهتمام التحقيق الذي يقوده المحقق الخاص مولر.
وفيما يلي النص الكامل للتقرير من ترجمة “عربي21”:
الكشف عن أن صديقاً حميماً للرئيس ترامب كان على استعداد لإشراك الإماراتيين بمعلومات داخلية خاصة
ستكون رسائل الإيميل محل اهتمام التحقيق الذي يقوده مولر، والذي يبحث فيما إذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قد دفعتا أموالاً دعماً لحملة ترامب الرئاسية.
ديفيد هيرست
كان بعض أقرب المقربين من دونالد ترامب على استعداد لتبادل معلومات داخلية خاصة حول تعيينات حكومة الولايات المتحدة مع يوسف العتيبة، السفير الإماراتي في واشنطن، بحسب ما تكشف عنه مجموعة جديدة من رسائل الإيميل المسربة.
بل لقد حصل السفير العتيبة على تعهدات من مستشاري الرئيس المنتخب بأنهم سيسعون لصون مصالح حكومة بلاده ووضعها على رأس أولويات سياسة الإدارة الجديدة في الشرق الأوسط. وتكشف رسائل الإيميل عن أن العلاقة بين الإماراتيين وبطانة الرئيس وأقرب مقربيه كانت قد ترسخت في وقت مبكر سابق عما كان يظنه كثير من الناس.
والرسائل المشار إليها هي تلك التي وقع تبادلها ما بين العتيبة وتوم باراك، وهو صديق قديم لترامب وملياردير كان يجمع الأموال لصالح حملته الانتخابية. تكشف الرسائل كيف عرض باراك إحضار ترامب، الذي كان حينها مرشحاً للرئاسة، لمقابلة السفير على كوب من القهوة في شهر إبريل / نيسان من عام 2016، وكيف تم تعديل المنصة الجمهورية لعام 2016 لضمان حذف مطالبة بنشر وثيقة من 28 صفحة يتضمنها التحقيق الخاص بأحداث الحادي عشر من سبتمبر من شأنها أن تدين المملكة العربية السعودية، وكيف سعى العتيبة للحصول من باراك على معلومات تتعلق بالمناصب العليا التي كان ينوي الرئيس المنتخب إجراءها.
كانت رسائل الإيميل هذه قد كتبت عندما كان ترامب ما يزال مرشحاً رئاسياً، وقبل ما لا يقل عن ستة أشهر من اللقاء الهام الذي جرى في برج ترامب في شهر ديسمبر / كانون الأول من عام 2016 بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وكل من مايكل فلين، مستشار ترامب السابق لشؤون الأمن القومي، وجاريد كوشنر، مستشاره لشؤون الشرق الأوسط، وستيفين بانون، كبير الاستراتيجيين لديه، وهو اللقاء الذي كشفت النقاب عنه صحيفة واشنطن بوست.
حينها كان الرئيس السابق باراك أوباما قد انزعج بشدة للزيارة غير المعلنة التي قام بها محمد بن زايد إلى نيويورك لدرجة أنه تم الكشف عن أسماء الأشخاص الذين شاركوا في اللقاء.
ستكون رسائل الإيميل محل اهتمام خاص من قبل التحقيق الذي يقوده المحقق الخاص مولر، والذي وسع دائرة تحقيقه في احتمال تورط الروس في التلاعب بالانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2016 ليشمل التحقيق ما إذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قد دفعتا أموالاً دعماً لحملة ترامب الرئاسية. وفعلاً، تم استجواب باراك من قبل فريق المحقق مولر في شهر ديسمبر الماضي، ويبدو من المعطيات أنه هو شخصياً غير مستهدف من قبل التحقيق.
وبذلك يتسلط الضوء على العلاقة التي تطورت ما بين الإماراتيين وبطانة ترامب الداخلية وأقرب المقربين إليه حينما كان ما يزال مرشحاً، بل وتصبح هذه العلاقة مستهدفة لذاتها من قبل المحققين.
ينتاب محمد بن زايد قلق شديد إزاء تحقيق مولر لدرجة أنه ألغى زيارة كانت مخططة لواشنطن الشهر الماضي، ويقال بأنه سعى للحصول على ضمانة مكتوبة بأنه لا هو شخصياً ولا أحد من مرافقيه سيتعرض للتوقيف أو الاستجواب، كما كان موقع ميدل إيست آي قد ذكر في تقرير سابق.
كيف تطورت العلاقة؟
بدأت الاتصالات بين باراك والعتيبة في عام 2009 وكانت حينها تتعلق بصفقة عقارية في كاليفورنيا، إلا أن العلاقة أينعت وازدهرت عندما أصبح ترامب مرشحاً رئاسياً في عام 2016 وعرض باراك ترتيب لقاء يجمع السفير بالمرشح الرئاسي.
كتب باراك يقول للعتيبة في رسالة مؤرخة في السادس والعشرين من إبريل / نيسان 2016: “يسعدني أن أحضره لك في لقاء على كوب من القهوة إذا كنت مهتماً بذلك.” كان العتيبة حينها موجوداً في أبوظبي، ومن هناك رد على باراك يقول له بأن ثمة حالة من الارتباك الشديد حول ترامب بسبب ما اقترحه من فرض حظر على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة.
أصر باراك على أن ترامب ليس معاد للإسلام، وتقدم من السفير العتيبة بالعرض التالي: “بإمكاننا أن نجلبه إلى مربع التعقل والحصافة – فهو بحاجة إلى بعض العقول العربية الذكية بحق والتي بإمكانه أن يتداول معها – وأنت على رأس القائمة المقترحة.”
طوال المراسلات التي جرت بين الرجلين، كان باراك – وهو نجل مهاجر لبناني ويتحدث العربية – يكثر من استخدام عبارات مثل “أجندتنا” و “منطقتنا”، وعرض على العتيبة أن يعرفه على جاريد كوشنر، الذي كان سيصبح في المستقبل مستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط، قائلاً له: “سوف تحبه، فهو يتفق معنا في أجندتنا.”
ومن جانبه كان العتيبة حريصاً على تعريف مدرائه بدائرة المستشارين حول ترامب، وبدأ في ذلك بطحنون بن زايد، شقيق ولي عهد أبو ظبي ومستشاره لشؤون الأمن القومي. وفي السادس والعشرين من مايو / أيار، رد باراك قائلاً: “يوسف، هذا أفضل شيء يمكن أن نفعله. أعدك بأننا يمكن أن ننجز الكثير إذا ما تكرمت أنت وولي العهد بمنحي ساعة أو شيء من ذلك مع الرجل.”
ومع اقتراب موعد الانتخابات في نوفمبر / تشرين الثاني، تم حذف جزء من منصة الحزب الجمهوري لعام 2016 لما كان يحتويه ذلك الجزء من مادة محرجة للحكومة السعودية، حيث أن الجزء المحذوف كان يطالب بنشر وثيقة من ثمانية وعشرين صفحة تم جمعها أثناء التحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول وتتضمن إدانة لبعض أعضاء العائلة الملكية السعودية لتورطهم في تمويل المهاجمين.
كانت الفقرات المحذوفة قد أضيفت في الأصل من قبل نشطاء في اللوبي الذي يعمل بالنيابة عن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “إيباك”، وذلك بحسب ما ورد في رسالة إيميل أرسلها إلى باراك مدير حملة ترامب بول مانافورت.
بعد أسبوع من الهزيمة المفاجئة التي ألحقها ترامب بمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، طلب العتيبة الحصول على “أي معلومات” عن الأشخاص الذين يحتمل أن يختارهم الرئيس القادم لشغل المواقع الهامة في كل من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالة المخابرات الأمريكية السي آي إيه.
كتب العتيبة في السادس عشر من نوفمبر / تشرين الثاني يقول: “إذا كانت لديك أي معلومات حول التعيينات المحتملة في أماكن مثل الخارجية والدفاع والسي آي إيه ومنصب مستشار الأمن القومي، أكون ممتناً لك. سوف أقوم فقط بإحاطة المسؤولين عني بها. وأقدر لك عالياً أي مؤشرات تزودني بها في هذا المجال.”
رد باراك قائلاً: نعم، سأفعل، ونحن الآن مازلنا نحسم أمر هذه المناصب، وأنا واضع نصب عيني مصلحة منطقتنا. دعنا نتكلم عبر الهاتف عندما يتسنى لك ذلك.”
بعد خمسة أيام، حاول العتيبة تعيين فران تاونسند مديرة للاستخبارات الوطنية في إدارة ترامب. وتاوسند هذه كانت تشغل منصب مستشار الرئيس السابق جورج دبليو بوش لشؤون مكافحة الإرهاب والأمن الوطني، وكان العتيبة يصفها بأنه “صديقة عزيزة”.
كتب إلى باراك يقول: “رأيتها الليلة الماضية وأعتقد أنها ستشكل مكسباً كبيراً لكم، وهي أفضل من يشغل منصب مدير الاستخبارات الوطنية أو وزير الأمن الوطني، فهي من النوع الذي لا يفوته شيء.”
وفي مايو / أيار 2017 أكدت تاونسند أنها ضمن قائمة المرشحين لمنصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) بعد أن فصل جيمز كومي من منصبه. ولدى سؤالها عما إذا كانت ستقبل المنصب لو عرض عليها، صرحت تاونسند لصحيفة بوليتيكو: “هل تعلم ماذا؟ تعلمت في البيت الأبيض ألا أتعامل مع الفرضيات، وكل ما سأقوله هو أنني تشرفت وشعرت بالغبطة لمجرد فتح الموضوع معي.”
حذف تصريح معاد للسعودية
تم استجواب باراك من قبل محققي مولر في ديسمبر / كانون الأول الماضي، وحينها سئل عن بول مانافورت، الذي كان قد أوصى بتعيينه مديراً لحملة ترامب. ومعروف أن مانافورت وجهت لهم تهمة رسمية من قبل مولر.
في يوليو / تموز من عام 2016، أي بعد شهر من تعيينه مديراً لحملة ترامب، أرسل مانافورت رسالة إيميل إلى باراك كان قد تلقاها من مصدر داخل الحزب الجمهوري حول حذف إشارة إلى تمويل سعودي مزعوم لمرتكبي تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. فيما بعد أحيلت رسالة الإيميل إلى العتيبة، وعليها تعليق بخط باراك يقول فيها إنها كانت “سرية في واقع الأمر ولكنها مهمة، فالرجاء عدم نشرها.”
مازال مرسل الإيميل الأصلي مجهولاً. أما نص ما ورد في رسالته فكان على النحو الآتي:
“بول. هذا شيء بإمكانك أن توصله إلى صديقك توم باراك. لقد تأكدت من حذف اللغة التي بدت معادية للعائلة الملكية السعودية من المنصة. كانت هذه العبارات قد أضيفت إلى النص من قبل نشطاء يعملون لصالح إيباك وكانت ستشكل جزءاً من منصة عام 2016. وعندما رأيت التعديل الذي أجازته اللجنة الفرعية، أصدرت تعليمات لفريقينا السياسي بحذف العبارات المذكورة تماماً من اللجنة.”
كما برزت شخصية باراك من خلال المراسلات كما لو كان القناة الرئيسية التي تم من خلالها تعريف المرشح الرئاسي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
لقد سعى محمد بن سلمان إلى تقديم نفسه إلى ترامب من خلال طلب لقاء مع مانافورت في نيويورك. ثم جرى نقاش حول أفضل القنوات لترتيب لقاء بين الرجلين.
وعندما قام السفير السعودي بالاتصال بشخص ذي رتبة متوسطة داخل شركة الاستثمارات الكبرى المعروفة باسم بلاكستون، تحرك باراك بسرعة لقطع الطريق على هذا التواصل.
“اتصل بي بول وسوف يفعل ذلك إذا ما حصل التعارف من خلالنا. أرغب في أن أكرس في ذهن دونالد الرابط ما بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وهو ما بدأناه فعلاً مع جاريد كوشنر. وأعتقد أن من الأهمية بمكان أن تكون أنت حجر الزاوية في هذا الأمر.”
يكشف تبادل الرسائل الإلكترونية هذا عن أن ترامب نفسه كان حريصاً على أن يتم ترتيب الاتصال بينه وبين محمد بن سلمان عن طريق باراك نفسه حصرياً، وذلك أن باراك كان أقرب مستشاريه مودة لديه.
كتب باراك يقول: “لم يرغب المرشح في أن يتم ترتيب اللقاء عن طريق بلاكستون وذلك لعدة أسباب. ولكن إذا ما تم الترتيب عن طريقك وطريقي فسوف نتأكد من أن الأمور تسير بسهولة وانسياب، بشكل جميل وصحيح، وبأن يغذى المرشح بالمعلومات الصحيحة.”
باراك والعتيبة يصبحان صديقين حميمين
كما تظهر المراسلات كيف أن باراك والعتيبة تحولا إلى صديقين حميمين. ولا أدل على ذلك من أن المراسلات بينهما بدأت بعبارات مثل “صاحب السعادة” وانتهت بعبارات مثل “مرحباً يا حبيبي”.
ذات مرة، طلب السفير الإماراتي من خلال هذه المراسلات معروفاً يسدى إلى زوجته عبير العتيبة. أراد لها أن تقابل السيدة التي تصمم أزياء ميلانيا ترامب، حيث كتب العتيبة يقول: “هل ثمة فرصة في التعرف على مصممة أزياء ميلانيا حتى تستفيد منها عبير في تصميماتها؟”
بعد عشاء جرى ترتيبه مع عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، بدا باراك غاية في التذلل وهو يمطر مضيفه بوابل من المديح.
ومما قاله في ذلك: “كانت تلك واحدة من أفضل وأروع وأهم الأمسيات التي قضيتها منذ وقت طويل. بيتك المذهل، طعامك اللطيف، والنبيذ الذي لا مثيل له، وثلة الضيوف الذين يندر أن تجد مثلهم في الذكاء والفصاحة. شكراً جزيلاً لك على كرم ضيافتك، ولتشريفي بأن أكون واحداً من هذه المجموعة. أنت رجل رائع بحق.”
اتصل موقع ميدل إيست آي بسفارة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، وكذلك بكل من باراك وتاوسند للتعليق، ولكن لم يرد أي منهم قبل نشر هذا التقرير.
بحسب ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز، تمكنت شركة باراك واسمها كولوني نورثستار من جمع ما مقداره سبعة مليارات دولار من الاستثمارات منذ أن فاز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري له للرئاسة، وكان أربعة وعشرون بالمائة من مجمل تلك الاستثمارات قد جاء من دول الخليج.