لدينا هدف واحد: «إنقاذ الأرواح وإجلاء الجرحى». كانت هذه كلمات «رزان النجار»، الطالبة المتطوّعة البالغة من الغمر 21 عامًا، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الشهر الماضي، واليوم دُفنت بعد قتلها برصاص قناص احتلالي.
أثناء مقتلها، كانت يد «رزان» في الهواء تحرّك بها يد متظاهر مصاب، مرتدية البالطو الأبيض؛ ومن الواضح أنه لم يكن رادعًا للقناص الذي قتلها، وأيضًا مؤشر على ثقافة جيش الاحتلال المتمثّلة في التجاهل التام لحقوق الإنسان الأساسية والبنية الغامضة لإيذاء كل من يقف في طريقهم.
هذا ما تراه الدكتورة «عائشة سوني»، واحدة من أفضل مائتي شاب في جنوب إفريقيا عام 2017، في مقالها بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفة أنّ «اتفاقية جنيف» الرابعة التي وقّعت «إسرائيل» عليها توفّر حماية خاصة لموظفي الخدمات الطبية والعاملين في المجال الإنساني، كما تضمن احترام حرية التنقّل وتوفير جميع التسهيلات المادية اللازمة لأداء واجباتهم؛ بما في ذلك انتشال الضحايا ونقل المدنيين المصابين والمرضى.
وإلى جانب خرق القانون الدولي، انتهك قتل «رزان» حدود اللياقة الإنسانية؛ وقال الجيش الاحتلالي إنّه سيحقق في مقتلها، لكنّه أضاف أنّ قواته تعمل «وفقًا لإجراءات التشغيل القياسية».
وبالتأكيد إجراءات التشغيل القاسية هذه تشمل الاستهداف النشط لموظفي الرعاية الصحية، وإطلاق النار على صدور المسعفين.
باعتباري طبيبة وإنسانة، أستطيع القول بكل ثقة إنّ «إسرائيل» تجاوزت كلّ الحدود جراء جرائمها الأخيرة؛ ما يمثّل انحدارًا خطيرًا وغير أخلاقي، ويتجاهل العواقب.
وشارك عشرات الآلاف من الفلسطينيين في مسيرات العودة منذ 30 مارس الماضي، بهدف تسليط الضوء على الحصار الإسرائيلي العنصري لقطاع غزة، وكذلك الإقرار على حق العودة للاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم 750 ألفًا شرّدتهم «إسرائيل» عام 1948.
المستشفيات تكافح
وكان لي شرف زيارة غزة وأنا طبيبة في 2013، وكان من الواضح تأثير الحصار الإسرائيلي على جميع جوانب الحياة اليومية، من نقص في الإمدادات خاصة الطبية، وكان من الواضح آثار المذابح الإسرائيلية الروتينية وقصف السكان المدنيين.
على وجه الخصوص، عانت مستشفى الشفاء في غزة من نقص في الإمدادات، وتكافح مثل جميع المستشفيات العامة التي عملت فيها بجنوب إفريقيا. كيف تمكّنت مستشفى الشفاء من السيطرة على أعداد الضحايا منذ 30 مارس وحتى الآن؟! هذا الأمر محيّر!
أيّ نظام للرعاية الصحية في العالم، يكافح تحت عبء الكمّ الهائل من ضحايا حادثٍ ما ومصابيه؛ فما بالك بالأعداد التي سقطت المدة الماضية في غزة. ومع ذلك، ظلّ النظام الطبي في غزة يكافح لسنوات على حافة الانهيار نتيجة للحصار الإسرائيلي.
أدّت الاحتجاجات على طول الحدود مع غزة إلى إصابة آلاف الأشخاص، بمن فيهم مئات الأطفال، وعديد منهم أصيب بذخيرة حية؛ وكان من بين القتلى مسعف فلسطيني، أطلق النار عليه في 14 مايو الماضي أثناء إنقاذه متظاهرًا مصابًا.
ومنذ 13 مايو وحتى الآن، أصيب نحو 24 آخرين من العاملين في المجال الطبي؛ ثمانية منهم بالذخيرة الحية، وستة بشظيات رشاش، وتسعة بسبب تعرضهم للغاز المسيل للدموع، وفقًا لتقرير نشر على صحيفة «هآرتس».
وبالرغم مما سبق، قد يكون مجرد إحصاءات لمصابين وقتلى؛ لكنني تفاجأت من التعدي على قدسية المجال الطبي، فنحن نقسم القسم ونضحّي كثيرًا؛ على أمل خدمة الإنسانية، وكرّست «رزان» حياتها بالكامل لهذه القضية.
لماذا لا تنتهج «إسرائيل» المعايير الأخلاقية نفسها التي ينتهجها إعلامها؟ هذا السؤال، الذي ظلّ طويلًا دون إجابة، ساهمت أميركا في إقرار هذا الوضع؛ باستخدام حقّ النقض ضد قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي القرارات التي تدين «إسرائيل» بالكامل.
دائما ما يتعرّض عُمّال الإغاثة في غزة إلى الخطر أكثر من الآخرين، ومن جميع العاملين في الرعاية الصحية في باقي دول العالم، وعبر محاولاتهم إنقاذ سكان غزة؛ فإنّهم يعرّضون انفسهم للخطر، وما يفعلونه بمثابة تضحية كبرى يقدمونها لفلسطين. وسُتخلّد «رزان» بطلة للأبد. لكن، كم من الشباب يجب أن يفقد روحه أثناء أدائه واجبه قبل أن يُعترف بوحشية الكيان الصهيوني؟