نشر موقع موقع «ميديا بارت» الإخباري الفرنسي، تقرير له بعنوان «ربيع القمع الذي لا ينتهي في مصر»، الأوضاع في مصر، خلال عهد عبد الفتاح السيسي، حيث تناول الأوضاع السياسية في مصر، في ظلّ سياسة التقشف الاقتصادي التي يتبعها السيسي، بعد «مهزلة الانتخابات الديمقراطية، وخلص إلى أنه لا أمل في «تلطيف الديكتاتورية المصرية»، مدللا على ذلك باعتقال مناضلين وفنانين ساخرين، بتهم من بينها «الانتماء إلى مجموعة إرهابية»، بعد أسابيع فقط من ولاية السيسي الثانية.
نشطاء خلف القبضان
ويروي التقرير حكايات ناشطين مصريين، في ظلّ عهد السيسي، بدأها بالناشطة أمل فتحي حيث كتب: «قضت أمل فتحي، المناضلة المصرية، نهارًا سيئًا. ذات صباح من شهر مايو، وفي حرارة خانقة، كان لها موعد مع المصرف لسحب بطاقتها الجديدة. وحين وصلت إلى شارع المعادي، تحرّش بها سائق التاكسي واضعا يده على جسدها. وعوض أن ينجدها الشرطي، قام هو الآخر بلمسها، قبل أن تلج المصرف.
وحين عادت إلى بيتها، قامت بنشر فيديو، على صفحتها في موقع «فيس بوك»، ضمّنته انتقاد كل ما يزعجها في البلد، التحرش الجنسي والإدارات الشاحبة وأيضا الزيادة الأخيرة لسعر تذكرة المترو. وهو ما تحول على الفور إلى «فضيحة عمومية». وفي الأيام التي تلت بث الفيديو، انتشر كلامها في الصحافة المصرية، وأدانته وسائل الإعلام الموالية في معظمها للسيسي.
وينقل التقرير عن زوجها، محمد لطفي، وهو من المدافعين عن حقوق الإنسان ومسؤول عن منظمة غير حكومية، «التنسيقية المصرية للحقوق والحريات» قوله: «في الصحافة، تمّ تدبير حملة ضدها، كاشفين أنها زوجتي، وأني أشتغل مع منظمة مشبوهة، إلخ». ويضيف: «في ليلة 10 إلى 11 مايو، عند الساعة الثانية صباحًا، وصلت القوات الخاصة إلى بيتنا وأوقفت أمل».
ويرفض محمد لطفي ترك زوجته وحدها، فيتمّ نقله وطفله الصغير بين ذراعيه إلى مركز الشرطة. وعلى الفور، يقرر المدعي وضعها في الاعتقال الاحتياطي بالتهم التالية: بثّ فيديو يدعو إلى قلب النظام، بثّ معلومات خاطئة تضر بصورة البلد والمصلحة العمومية والاستخدام السيئ للإنترنت. وبعد أيام، تمّ إيراد اسمها في ملف آخر بتهم الانتماء إلى مجموعة إرهابية وبثّ أفكار ذات طابع إرهابي.
وبعد بضعة أيام، وفي ظلّ ظروف وأسباب مشابهة، وجد وائل عباس، الصحفي الشهير والمدافع عن الحقوق الإنسانية، والفائز سنة 2007 بجائزة صحفية أميركية، الشرطة في انتظاره في بيته، لكنه استطاع أن يكتب على صفحته في «فيس بوك»: «الآن تعتقلني الشرطة»، ثم جاء دور حازم عبد العظيم، وهو رجل سياسي، داعم سابق لعبد الفتاح السيسي، أصبح معارضًا للنظام. ثم جاء دور شادي الغزالي حرب، والمحامي هيثم محمدين، والساخر شادي أبو زيد، الملقب بمحمد أوكسجين.
في غضون عشرة أيام، تم إيقاف عشرة أشخاص، يتابعهم الكثيرون على شبكات التواصل الاجتماعي، متهمين بثلاث قضايا: «441» و«621» و«734»، وهي تسقط تحت سلطة الأمن القومي. والجميع متهمون بالانتماء إلى مجموعة إرهابية وبثّ أفكار ذات طابع إرهابي.
ويشير التقرير إلى إدانة منظمة «هيومن رايتس ووتش» موجة الاعتقالات، وقولها إن «الاتهامات تبدو مرتَكِزة، فقط، على آراء معبر عنها على شبكات التواصل الاجتماعي، وأيضا على نشاطهم السلمي». كما نقل تأكيد سارة ليا وايتسن، مديرة شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «رايتس ووتش»، أن «حجم القمع في مصر كبير إلى درجة أن قوات السيسي توقف، الآن، نشطاء معروفين، بينما هم نائمون، فقط لأنهم تجرأوا على التعبير»، قبل أن تختم المنظمة: «الرسالة واضحة: كلمات انتقادية أو ساخرة تكفي، على ما يبدو، لإرسال المصريين إلى السجن».
تكميم الأفواه
ولفت الموقع الفرنسي إلى أنه قد تمّ تعزيز القوانين، حاليًا ففي 5 يونيو، صوّت النواب على نصّ جديد حول مكافحة جرائم الإنترنت، الذي يهدف إلى إرغام مزوّدي خدمة الإنترنت على الحفاظ على المعلومات الشخصية لزبائنها وتفاصيل أنشطتهم على الشبكة، التي من الممكن تسليمها إلى أجهزة الأمن بطلب من العدالة.
وفي بداية السنة، رَاهَنت الأوساط الدبلوماسبة الغربية على انخفاض في القمع بعد الانتخابات الرئاسية. وفي مارس، فاز السيسي بنسبة 97,08%، بعدما هدّد وأقصى أو اعتقل خصومه «مهزلة انتخابية» يقول «ميديا بارت»، غضّ عنها الطرف حلفاءُ مصر، وفي مقدمهم فرنسا.
وعلق على ذلك جاسر عبد الرازق، المدير التنفيذي لـ «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، بسخرية وتساءل «هل سنشهد انفتاحًا أثناء الولاية الثانية للسيسي، وخفضًا لمستوى القمع؟ ذاك هو السؤال بمليون دولار». ويضيف: «هذا ما نراه، فنحن لا نتجه نحو عدالة وحرية أكبر، ولكن، على العكس، نحو مزيد من القمع. الأمر واضح، وهو أن الولاية الثانية تبدأ عبر الهجوم على المعارضة العلمانية».
أعباء اقتصادية
وفي صيف 2016، طلبت الحكومة المصرية من صندوق النقد الدولي قرضا بقيمة 12 مليار دولار. في المقابل، تتعهد الحكومة بتخلص تدريجي من المساعدات التي تقدمها في مجال الطاقة، ووضع ضريبة على القيمة المضافة بنسبة 13% وتعويم العملة. وبين عشية وضحاها، فقدَ الجنيه المصري نصف قيمته مقارنة بالدولار. ومنذ بضعة أشهر، تُهيّئ الحكومة المصرية ووسائل الإعلام الشعب لارتفاع جديد في أسعار الكهرباء والبنزين. علما أن فاتورة الماء زادت، في بداية يونيو، بما يقرب من 50%»، وفق «ميديا بارت».
وقبل شهر، ارتفع ثمن المترو ثلاثة أضعاف بالنسبة لسكان القاهرة الكبرى الذين يسكنون في نهاية الخط، والذين يتوجب عليهم التوجه إلى وسط المدينة. وهي زيادة مفاجئة تسببت في تظاهرات احتجاج، على الرغم من حظر التظاهرات، في محطتي حلوان والسادات في ساحة التحرير.
ويرى جاسر عبد الرازق أن «المصريين في حالة غضب حقيقي، وهذا يستلزم مراقبة كل الأحزاب السياسية أو المناضلين السياسيين الذين يمتلكون القدرة على تنظيم أو تعبئة الناس».
ويؤكد مصطفى كمال السيد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، للموقع، أن السلطات المصرية «تخشى أن يستفيد المناضلون من ارتفاع الأسعار من أجل تنظيم تظاهرات»، مضيفا أنه «بعدما ألجمت السلطات الأحزاب السياسية والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني، لم يعد موجودا سوى القليل من المناضلين الذين تستطيع السلطات اعتقالهم، فالكثيرون موجودون في السجن»، وهو ما يجعل عدد المعتقلين في هذه الموجة، في نظره، محدودًا.
ولا يتفاجأ المدوّن والمناضل وائل إسكندر، الذي ينشط على شبكات التواصل الاجتماعي وهو شديد الانتقاد للسلطة، من هذا التطور: إذ يقول «لحد الآن، استراتيجية الرعب التي تنفذها السلطات اشتغلت بشكل كامل، ولم تصدُر أيّ إدانة دولية متبوعة بالأفعال. المجتمع الدولي يظل صامتا، وإذاً تقول السلطات في نفسها إنه يجب دفع الأمور إلى أقصى حد، من أجل إسكات كل أصوات المعارضة بشكل نهائي. وبصيغة عامة، فإنها طريقة لحكم البلد بواسطة الخوف».
وأمام هذه الاعتقالات، نشر الاتحاد الأوروبي بيانا خجولا؛ اعتبرت فيه فيديريكا موغيريني، رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، أن العدد المتصاعد من الاعتقالات للمدافعين عن حقوق الإنسان، والمناضلين السياسيين والمدوِّنين في الأسابيع الأخيرة في مصر هو تطوّرٌ مثير للقلق». وكالعادة، لم يتأخر ردّ وزارة الخارجية المصرية، رافضة الانتقادات وملوّحة باللازمة المعتادة، وهو ما تكفل به المتحدث باسم الوزارة، أحمد أبو زيد حيث ادعى: أن مصر «دولة قانون»، حيث «حرية التعبير والرأي» مضمونة. ولم يعتقل أو يُحاكَم أيّ مواطن بسبب أنشطته في مجال حقوق الإنسان أو أنه انتقد الحكومة، ولكن لأنه ارتكب جرائم يعاقب عليها القانون.
وبحسب الوكالة الرسمية، فإن عبد الفتاح السيسي أصدر عفوًا عن 712 سجينًا، منذ بداية رمضان، في منتصف مايو، ويشير مسؤولو الأمن إلى أن معظم المفرج عنهم شباب اعتقلوا لأنهم تظاهروا ضد الحكومة. ولم تنشر بعد قائمتهم، ومن المستحيل التحقق من هذه المعلومات. ومنذ سنة 2013، تقدر المنظمات غير الحكومية عدد من اعتقل لأسباب سياسية، ما بين 40 ألفا و60 ألف شخص.
دمج الأحزاب
ويلفت التقرير إلى طرح البرلمان فكرة همس بها طاقم السيسي (النواب الموالون من النظام) بمنح دينامية للمشهد السياسي المصري، عن طريق خفض أعداد الأحزاب ودمجها، لهذا استطاع حزب «مستقبل وطن»، الذي يطمح إلى أن يكون القوة الأولى في البرلمان. وفي أسابيع قليلة، تجميع 250 نائبا تركوا أحزابهم، على الرغم من أن البرلمان يحظر على النائب تغيير حزبه السياسي أثناء ولايته البرلمانية.
ويرى الدكتور مصطفى كامل السيد، أن «الرئيس يعتقد أنه إذا نقص عدد الأحزاب، فسوف يكون نشاطها أكبر، وستكون للأحزاب قدرة أكبر على تعبئة المواطنين وعلى لعب دورها على المسرح السياسي». وفي الحقيقة، فإن الأمر يتعلق بتمثيل ديمقراطية وفضاء للمعارضة، مع إنشاء كتلة برلمانية قوية، أطلقها داعِمو عبد الفتاح السيسي المقربون، في مواجهة حزب أغلبويّ يدعم الرئيس. وهو مفهوم قريب مما كان عليه «الحزب الوطني الديمقراطي» تحت حكم حسني مبارك – إن لم يكن السيسي هو من يرفض، رسميًا، ربطه بحزب أو بآخر، وفق الموقع الفرنسي.
ويضيف: «إننا لا نفكر في حزب معارضة حقيقي. وكما كان عليه البرازيل، بعد انقلاب 1964، تحت الحكم العسكري، كان يوجد حزبان. ما الفرق بينهما؟ ثمة حزبٌ كان يقول نعم للحكومة، وآخَر كان يقول: نعم، بالتأكيد». ويختم بقوله: «من دون تغيير السياق السياسي، ومن دون حريات مدنية وسياسية أكثر، فإنه لن يحدث أي تغيير، حتى في ظل وجود حزبين أو ثلاثة. لا يمكن أن تتغير طبيعة النظام نفسها».
تأمين الولاء لتغير الدستور
سبق ونقل موقع «مدى مصر» عن مصدر إداري (لم يكشف عنه) «تم تحريك مسار من أجل تعديل الدستور، بخاصة البنود المتعلقة بالولايات الرئاسية» فالدستور المصري، في الواقع، يحدد ولايتين فقط لرئيس الجمهورية، بينما يريد السيسي من الآن مراجعة الدستور من أجل البقاء في السلطة. وهو ما يعتقده الناشط وائل إسكندر حين يقول إن «اعتقالات شهر مايو تجب قراءتها من هذا المنظور».
ويتابع الموقع الفرنسي أنه «في بداية الأسبوع، هوجم حفل إفطار رمضاني نظمه تحالف أحزاب يسارية والحركة الاجتماعية الديمقراطية، بحضور العديد من المثقفين ووزراء سابقين وأساتذة ودبلوماسيين من قبل عشرين شخصاً. فقلبوا الطاولات وكسروا الأواني وألقوا بالكؤوس. وقد اتهمهم الحضور بأنهم بلطجية، وقد ضربوا العديد من الضيوف بالكراسي والزجاجات، متسبيين في جرح بعضهم، وهم يصرخون: عاشت مصر، عاش السيسي، يسقط الخونة والعملاء».