تمكن مقتدى الصدر من الفوز في الانتخابات العراقية الأخيرة بأغلبية المقاعد، ووفقا للإشارات الصادرة منه ومن التحالف الذي يقوده، فإن الفترة المقبلة في العراق ستشهد تحديا لإيران ووكلائها وميليشياتها، وهو ما أثار نوعا ما من الابتهاج لدى أعداء إيران، لكن وفقا لصحيفة «لوب لوج»ن فإن إيران لم ولن تخسر في العراق أو المنطقة، لماذا؟
أوضحت الصحيفة في تحليل لـ«ندا بولوروشي»، الباحثة السياسية في جامعة كولومبيا، أن تحالف سائرون فاز بفارق ضئيل فقط، رغم اعتماد التحالف والصدر على الخطاب القومي والشعبوي من أجل جذب الناخبين والمؤيدين، وهو ما خلق افتراضا بانهم يسعون إلى خلق تحالفات مع أي تكتل أو حزب لا ينتمي لإيران، وهو ما يعني في الواقع وفقا للمحلل، محاولة عزل هادي العامري عن ائتلاف الفتح، الائتلاف الذي حصل على المركز الثاني وفيه موالون لإيران.
وتابعت الكاتبة وفق ما ترجمت «شبكة رصد»: لكي نكون واضحين، فإن الانتخابات العراقية الأخيرة لن تمثل أي تهديد مطلقا لطهران وسياساتها، موضحة أن طهران لا تعتقد أن شركاءها وأحزابها ووكلاءها في بغداد سيتم القضاء عليهم، موضحة أن الانتخابات لو كانت ستؤثر على نفوذها وتواجدها لمنعتها بكل الطرق الممكنة.
أسباب التفاؤل الإيراني
أولاً، طهران ليست متأكدة من أن الصدر معادٍ لإيران فعلا، وربما تكون لعبة منه في محاولة لكسب قاعدة جماهيرية، موضحا أن خطاب القومية استخدم من قبل في العراق لنفس السبب ومن أشخاص وأحزاب وتكتلات مختلفة، ومضيفا: ربما ترى طهران أن خطابه المعادي لإيران جاء فقط في سبيل سعيه لتسلق سلم السلطة، خاصة وأن الصدر يقف مع إيران في رغبتها في إخراج القوات الأميركية المتبقية بالعراق.
ثانيا: ترى طهران أن الصدر في أسوأ حالاته شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وأفعاله، ولا يمكن الاعتماد عليه ما لم يتم التحكم فيها، وهو ما يعني كما أكد خبراء الشرق الأوسط «جيمس مولدون وياسمين الطاهر» أنهم يرونه متهورا ونرجسيا وانتهازيا، وقد يكون عكس ذلك، لكن في كل الأحوال تعتقد طهران أن الصدر حتى لو كان مناهضا لها، سينهار بنفسه خاصة وأنه يواجه معارك شرسة في الداخل العراقي من أشخاص مثل نوري المالكي وغيره.
ثالثًا: تعتقد طهران أن تحالف سائرون حتما سينقسم على نفسه، فوفقا للكاتبة، فتشكيل حكومة جديدة ليس بالمهمة اليسيرة خاصة في ظل تفشي الفساد، حتى في أكثر الدول أمانا واستقرارا تعد قضية تشكيل حكومة جديدة أزمة ليست بالسهلة، ومن المحتمل أن تتفاقم الخلافات داخل التكتل حول الأشخاص المرغوب فيهم وغير المرغوب فيهم، وحول طريقة الحكم وكيفية إدارته وقضايا الدستور وخلافه.
خامسا: تحالف سائرون لم يفز بفوارق كبيرة في معظم المحافظات العراقية، حيث فاز بـ54 مقعدا من أصل 329، وفي كل الأحوال لن يستطيع الصدر أن يكون رئيس الوزراء، فنتائج الانتخابات تتطلب تشكيل حكومة ائتلافية، وتعتقد طهران في هذا الصدد أنها ستكون جزءا من الحكومة المقبلة، من خلال رجالها ووكلائها في الأحزاب الأخرى، فوجود حكومة ائتلافية يعني أن هناك أشخاصا وأحزابا من كل الأطياف ستشارك فيها، وبذلك تصر طهران على أن النتائج النهائية للانتخابات العراقية لا تتعارض مع مصالحها.
كما تعتقد طهران أن الصدر وحلفاءه لن يستطيعوا في كل الأحوال عزل أو تهميش باقي السياسيين والأحزاب المدعومة من إيران، حيث أمضت طهران أكثر من 15 عاما في بناء شبكات وتوفير خدمات اجتماعية ومساعدة العراقيين ومحاربة «تنظيم الدولة» معهم، وتمتلك قواعد وأشخاصا مهمين مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وعمار الحكيم رئيس الوزراء الأسبق وهادي العامري، وهم عن تحالفات دولة القانون والفتح وحيدر العبادي من قائمة النصر وغيرهم.
وأشارت المحللة السياسية، إلى أن الصدر كان أعلن عن رغبته في العمل مع العبادي والحكيم بالإضافة إلى رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، مضيفا أن جميع الأطراف هناك تدرك حاليا، أن الصدر لم يفز بهامش كبير يمكنه من السيطرة على عملية تشكيل الحكومة بمفرده.
كما يُتوقع أن تستخدم طهران قواتها الناعمة لفرض سيطرتها، موضحا أنها تمتلك شركات هناك تعمل في مجالات السياسة والأمن، لهذا السبب إذا فشل سليماني وكوادره في التأثير على اختيارات تحالف سائرون بقيادة الصدر، فالأمر لن يمثل مشكلة بالغة.
حسابات طهران
تفهم طهران أنها لا تستطيع دفع قضيتها في العراق أو تقدمها أكثر من اللازم، حيث يرجع تورطها في العراق إلى محاولتها ترسيخ نفسها وحماية مصالحها، وفي هذا الصدد من المحتمل أن تكون العراق بالنسبة لإيران أكثر أهمية من سوريا، موضحا أن هناك تناقضا بين تفشي النزعة القومية العراقية المتزايدة والتحيز ضد إيران، وبين الواقع السياسي على الأ{ض، فإيران متقدمة رغم نتائج الانتخابات.
ووفقا للكاتبة، لا يعني ما سبق أن طهران لا يوجد لديها أية تخوفات بشأن أهدافها طويلة الأمد في العراق، فمثلها مثل أي دولة أخرى، ترغب في منع وصول المنافسين أو الأعداء من الدول الأخرى، خاصة وأن هناك علاقات دافئة بدأت في النمو الآن بين الصدر والسعودية والإمارات، والذي نظم إليهما زيارات نادرة وعلنية.
وتشعر طهران بالقلق على وجه التحديد من أن السعودية أخذت بنصيحة واشنطن الأخيرة، حول ضرورة شروعها في بناء دعم سياسي ونفوذ بالعراق عبر تقديم حوافز اقتصادية واجتماعية، مضيفة أيضا: من المؤكد أن الرياض تعمل الآن على بناء شبكة من الاتصالات مع المسؤولين العراقيين المختلفين ومحاولة الوصول للشعب العراقي وإقناعه بها، وهو ما تبين من خلال الأموال التي أنفقتها على الصدر ورجاله في الانتخابات الأخيرة، فضلا عن المشاريع الاقتصادية في محافظة البصرة؛ فالقوة المالية للمملكة ستعطيها نفوذا موازيا للنفوذ الذي تملكه طهران هناك.
في النهاية، وفي أسوأ الأحوال ترى طهران أن الانتخابات العراقية بمثابة نكسة، لكنها في الوقت نفسه غير قلقة على مصالحها هناك.