سلطت صحيفة «ميدل إيست فوريوم» الضوء على ظروف وملابسات الإطاحة بشاه إيران محمد رضا بهلوي، وكيف خانه الغرب بعدما أصيب بمرض السرطان ولم يعد قادرا على تنفيذ أجندتهم السياسية في إيران، موضحة في تقرير طويل، اعتمدت فيه على وثائق رسمية كشف عنها في الولايات المتحدة وفرنسا، وبناء على مقابلات ومذكرات الأطراف الفاعلة حينها، أنه نفسه لم يكن على علم بمرضه الذي أحيط بسرية تامة.
وتناولت الصحيفة، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، الطريقة التي تمكنوا بها من الإطاحة به، ثم تمكين الإسلاميين الشيعة المتشددين، والذين انقلبوا عليهم لاحقا، واصفة ما فعله الغرب بخيانة حليف قديم، ففي 16 يناير 1979، غادر الشاه محمد رضا بهلوي، منصبه كملك لإيران، بعد أن حكمها لما يقرب من 38 عاما، تاركا البلاد في مواجهة ثورة شعبية هائلة، وبعدها مباشرة أصيب بمرض السرطان وتوفي في 27 يوليو 1980 بالقاهرة، عن عمر يناهز الستين.
وفقا للصحيفة، لعب مرض الشاه دورا في قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حيث أثر مرضه على مستوى إدراكه وسلوكياته وتصرفاته، كما رأى الغرب حينها.
سرية المرض
لا يوجد وقت معروف لظهور أعراض المرض على الشاه أو متى تم تشخصيه لأول مرة، ويعود أول تشخيص معروف للشاه لأبريل 1974، وفي منتصف سبتمبر 1974 تم اعتبار وضعه الصحي خطيرا، وفي يناير 1979، زاره طبيبه 39 مرة خلال هذا الشهر وحده.
وأشارت إلى أن مرضه ظل محاطا بالسرية في طهران، ولم يعرف الشعب بأمره إلا بعد الإطاحة به وبحثه عن ملاذ طبي آمن، حتى إن زوجته لم يتم إخبارها بحقيقة مرضه إلا في 1977، أي بعد تشخصيه بنحو 3 سنوات، في الواقع فإن الشاه نفسه لم يعرف بحقيقة مرضه إلا متأخرا، حيث أخبر من قبل أطبائه أنه يعاني فقط من ورم في الغدة الليمفاوية.
وفي ظل تلك الظروف، لم يكن حلفاؤه الغربيون على دراية بمرضه أيضا، رغم أن السلطات الفرنسية أخبرت بشكل خاص من قبل طبيبه، فرنسي الجنسية، والذي داوم على زيارته وهو أول من شخّصه، ورغم معرفتها حقيقة مرضه إلا أنها لم تخبر الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، إلا فيما بعد.
ففي يناير 1977، أخبرت وزارة الخارجية الفرنسية، الرئيس الأميركي جيمي كارتر بأن الشاه مصاب بمرض السرطان وأن فرص شفائه ضئيلة للغاية، وكانت الدول الغربية حينها تخطط لأن يبقى الشاه 12 عاما أخرى في الحكم، وأن يصبح الشخصية الرئيسية في طهران خلال فترة الثمانينيات.
إفشاء السر
بدءا من أكتوبر 1973، بدأ الأطباء يتوافدون على غرفة الشاه في طهران، بعدما أصيب بوعكة صحية، وحينها اتفق المسؤولون الإيرانيون على ضرورة إبقاء مرض رئيسهم سرا، حتى لا تتغير الأمور أو تتأثر إدارة الدولة، ووضع الشاه تحت الرقابة المنتظمة من قبل الأطباء.
وفي 1975، اجتمع الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار دستان معه، وحينها لم يكن الشاه علم بمرضه، المفارقة كانت كالتالي «الرئيس للفرنسي على دراية بمرض الشاه، بينما الشاه لا يعرف بأمر مرضه!»، غير أن الشاه تقريبا كان يشعر بقرب أجله، لذا كان يسارع في إجراء العديد من الإصلاحات حينها، وأشرك ولي عهده بشكل متزايد في إدارة أمور الدولة، واضعا حجر الأساس للتوريث.
وهناك أدلة متزايدة إضافية على أن الغرب كان يعرف بمرض الشاه بمن فيهم جيمي كارتر ووكالة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية والتي نبهتهم لخطورة الوضع إذا ما مات الشاه، وفي مقابلة في 2009 ، جادل «هنري بريخت» رئيس مكتب إيران في وزارة الخارجية من 1978 لـ1980، والضابط السياسي والعسكري في سفارة طهران، كان العديد من القادة الغربيين مدركين لحقيقة مرض الشاه حيث أخبروا بذلك من الجانب الفرنسي، في الوقت الذي لم يعرف فيه الشاه بأمر مرضه.
فيما أكد الرئيس السابق لقسم الشرق الأدنى وجنوب آسيا في وكالة الاستخبارات المركزية «تشارلز كوجان»، أن الإدارات الفرنسية والأميركية كانت على علم بحقيقة مرضه، لكنهم فضلوا عدم إخباره.
ويضيف وزير الخارجية الإيراني السابق والمقرب من الشاه «أصلان أفشار»، أن الحكومات الغربية كانت على علم بمرض الملك، وهو ما أثر على سياساتهم تجاه طهران والشاه نفسه والإسلاميين عامة والذين تحدوا حكمه، مضيفا أنه دخل حينها في مناقشات مع المدير السابق لجهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسي «إيف بونيه» حول أمر مرض الشاه.
ومن 4 إلى 7 يناير 1979، ناقش الرؤساء، كارتر ودستان ورئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان والمستشار الألماني هيلموت شميت في مقاطعة جوادلوب الفرنسية، كيفية التعامل مع الوضع في طهران بعد مرض الشاه وورود إنذارات بتصاعد الشيعة المتشددين، واتفقت الأطراف على ضرورة الإطاحة بالشاه.
وأضافت الصحيفة، أن ما فعله الحلفاء الغربيون كان بمثابة خيانة لحليف قديم، لم يعد له فائدة، موضحة انهم أجروا اتصالات مع عدوه اللدود آية الله الخميني، والذي كان يعيش حينها في المنفى في إحدى ضواحي باريس، ووفقا لمذكرات كارتر، كان هناك إجماع في قمة غوادلوب، على أن الشاه لم يعد مفيدا للغرب، لذلك يجب الإطاحة به.
الغرب والثوره الإسلامية
بعد أن علم الغرب بمرض الشاه، انقلبت دفة الأمور ضده، وكما أكد أفشار، فإن الغرب هو المسؤوول الأول والأخير عن تمكين الشيعة المتشددين في طهران، موضحا أنهم اعتقدوا أن مرض الشاه سيضر بمصالحهم في الدولة الإيرانية، لكنهم لم يتوقعوا المستقبل.
ويؤكد «ألكسندر دي مارينش»، الرئيس السابق لقسم الوثائق بالخارجية الفرنسية، أنه حذر كارتر من الإطلاحة بالشاه، لكنه كان مصمما على ذلك، موضحا أن الجدال حينها تحول من جدوى الإطاحة به أو عدم الإطاحة به، إلى كيفية الإطاحة به.
فيما كشف الجنرال «ويسلي كلارك»، القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا، أن كارتر أرسل الجنرال «روبرت هويزر» إلى طهران في أوائل يناير 1979 لإقناع الجيش الإيراني بعدم التدخل لدعم الشاة، مضيفا: حاول الجنرالات الإيرانيون تحذير الأمريكيين، واتهموهم بأنهم «يلعبون بالنار» وأنهم بذلك على وشك تمكين الخميني المتشدد، ولما تلقى الأميركان الرد، أطاحوا بعدد من قيادات الجيش حينها، ردا على رفضهم.
أما «فلاديمير كوزيتشكين» ضابط الأمن الروسي تابع لـ«لكي جي بي» والذي عمل في إيران لفترة، فاتهم في مذكراته إدارة كارتر بتسهيل الأمور لتمكين الإسلاميين الشيعة، مؤكدا أن محللي جهاز المخابرات الروسية كانوا يعتقدون أن وكالة المخابرات المركزية دعمت الخميني، من خلال الإيرانيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، وكأن أحدهم «إبراهيم يزدي»، وهو مواطن أمريكي تواصلت معه إدارة كارتر بشكل سري، وكان أحد أقرب مساعدي الخميني.
كما تواصلت مع «صادق غزب زاده» خلال قمة جوادلوب، وحينها شكرهم على دعمهم للمعارضة ضد الشاه، وفي لقاء سري مع رئيس هيئة الأركان في إدارة كارتر «هاملتون جوردان» عقب الإطاحة بالشاه، استفسر غزب زاده عما إذا كانت وكالة المخابرات المركزية قد تغتال الشاه في منفاه في بنما، ووفقا للصحيفة من المفارقات أن زاده نفسه أعدم على يد الخميني فيما بعد بتهم التجسس لصالح الولايات المتحدة الأميركية.
وفي مقابلة أجرتها معه مؤخراً الـ«بي بي سي»، كشف «آية الله حسين علي منتظري»، المقرب من الخميني، أنه حاول إقناع المرشد الأعلى بإطلاق سراح الرهائن في السفارة الأمريكية كبادرة حسن نية، إلا أنه رفض زمن حينها توترت العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة وحتى من قبلها.
https://www.meforum.org/articles/2018/the-west’s-role-in-the-shah’s-overthrow