كانت منابع الإحباط في الاتفاق النووي القديم صعبة للغاية، أو تحقيقها يتطلب جهدًا غير عادي، وتفاقم هذا أثناء سعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الاتحاد الأوروبي لتعديله فيما يتعلّق ببرامج تطوير الصواريخ البلاستية وسلوك إيران الإقليمي. وفي النهاية، الانسحاب فشل له؛ بعدما أخفق في تعديله بما يتوافق مع رغبات أميركا.
وأثبتت الوثائق الإيرانية المكشوف عنها مؤخرًا أنّ إيران تمتلك برنامجًا نوويًا كاملًا ومطوّرًا من قبل 2003، لكنّها ما زالت تنكره بشكل قاطع. لكنّ الاكتشافات الأخيرة حطّمت ادّعاءتها؛ ما يعطينا درسًا واقعيًا عن نوايا إيران السيئة.
هذا ما يراه الباحث في معهد كارنيجي للسلام «آرييل إي ليفايت» في مقاله بمجلة «ناشيونال إنتريست» وترجمته «شبكة رصد»، متسائلًا: هل يساهم الإجراء الأميركي الجديد في منع إيران من الحصول على أسلحة نووية؟ مطالبًا الإدارة الأميركية بالتركيز على هذه النقطة ومنع إيران من تطوير قدراتها العسكرية، سواء عبر اتفاق أو خارجه، والتعامل مع إجراءاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
ولا تسعى أميركا إلى ذلك؛ ما يمثّل قصورًا، إضافة إلى تورّطها في مواجهة مع شركاء إيران الاقتصاديين، كالدول الغربية، والسعي إلى فرض عقوبات على شركاتهم أمر سيئ لمصالح أميركا؛ بل يفيد المنافسين العالميين الآخرين مثل روسيا والصين.
وساهم قرار ترامب في تراجع العلاقات الودية مع الحلفاء الأوروبيين الذين بذلوا مساعي حقيقية للإبقاء على الاتفاق، إضافة إلى أنّ القرار ساهم في تقليص نفوذ أميركا وتعزيز الموقف الإيراني، وإعطاء سبب للقادة الإيرانيين في امتلاك القنبلة النووية؛ لشعورهم بتهديد وجودي من أميركا، المصممة على تغيير النظام في إيران؛ ومن المفارقات أنّ هذا يتزامن مع سعي ترامب لتقليص التزامات بلده في المنطقة.
وبخصوص الاتفاق الجديد الذي أعلنه وزير الخارجية «مايك بومبيو»، فإنه أكثر إيجابية من الاتفاق القديم، ويعالج بالفعل أوجه القصور؛ لكنّه للأسف يعتبر مزيجًا دنيئًا من الإكراه والدبلوماسية والعمل الاستخباراتي الحازم والتهديد بعمل عسكري.
تحديات وقصور
وكانت أبرز إيجابية في الاتفاق القديم (2015) تخلّي أميركا عن فكرة تغيير النظام بالقوة، التي ستكون لها عواقب سيئة على المنطقة تمامًا كما حدث في العراق عام 2003، ويواجه الاتفاق القديم أيضًا تحديات كالجهود التي ستضطر أميركا لبذلها لإقناع العالم بجدواه؛ خاصة بعد معاناتها في إقناعهم بجدوى الانسحاب منه.
ومن أوجه القصور في الاتفاق القديم وعالجها الجديد «غياب خطوط حمراء فيما يتعلق بالأنشطة الإيرانية الصاروخية»، وأيضًا كان وضع حد أدنى لمنع تطوير القدرات النووية أمرًا غريبًا نوعًا ما.
لكن، على كلٍ، الاتفاق الجديد يضع تحديات أمام أميركا؛ إذ يعد اختبارًا لقوة ردعها وقدرتها على بناء تحالف دولي أوسع، مطاببا الرئيس الأميركي بإعادة إحياء ائتلاف دولي أوسع يشمل الخليج و«إسرائيل»، وبدأت بوادره في القضية الفلسطينية، وأيضًا يجب السعي للتفاهم مع الصين واستغلال الإشارات الإيجابية الصادرة من روسيا، التي تتفهم أنّه يجب تحديد التوسّعات النووية في المنطقة.