قالت صحيفة «لوب لوج»، إن النظام الإيراني والمتشددون الإيرانيون يلعبون الآن على نعرات القومية من أجل اجتذاب رضا الشعب الإيراني الساخط عليهم حاليا بسبب أوضاعه، متوقعة في مقال لـ«جاريث سميث» المختص بالشأن الإيراني، أن يفشلوا، خاصة أن العالم والإيرانيين يعرفون موقفهم من القوميين والذين حكموا إيران قبل الثورة الإسلامية، وهو ما يدل أيضا على وصولهم إلى اليأس والتخبط.
وأضاف الكاتب، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، لم يكن يقصد أثناء تهديده بتوقيع أقصى العقوبات على إيران، الحصار المنغولي للمدن الإيرانية، إلا أن آية الله علي خامنئي، أعاد على الإيرانيين القصة التي مضى عليها 4 آلاف عام، مؤكدا أن أميركا لن تستطيع تكرارها، وأن الرئيس الأميركي أغفل التاريخ ولم يتعظ منه.
وفي تصريح آخر نُشر على موقعه الرسمي، أعلن خامنئي أن «الأمة الإيرانية دولة مستقلة وعزيزة النفس»، موضحا أن السلالات الحاكمة التي سبقت قيام الجمهورية الإسلامية، اعتادات الخضوع لرغبات قوى خارجية، مدعيا أن الثورة الإسلامية في إيران غيرت هذا الواقع، وأعادت إلى طهران الكرامة والاستقلال الوطني.
ووفقا لما أوضحه الكاتب، فإن الوعي بالتاريخ والشعور الوطني، عاملان قويان جدا في إيران ويقبعان في وجدان الإيرانيين بأكلمهم، وهو ما يلعب عليه النظام السياسي في إيران والمتشددين الإيرانيين حاليا.
وفي ردها على قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015، أدانت طهران الخطوة الأميركية، وأكدت أنها ستلتزم ببنود الاتفاق ولن تنسحب منه، داعية الدول الأوروبية والطراف الأخرى في الاتفاقية إلى اتخاذ خطوات من أحل الحفاظ عليه.
وفي بيان للخارجية الإيرانية في 10 مايو، أكد أن الشعب الإيراني سيواصل طريقه في هدوء نحو التقدم والتنمية، مشيدا بالإيرانيين وواصفهم بالشعب الواعي والمتحضر، والجدير بالثقة والاحترام، وهو ما يوضح بحسب الكاتب، إلى محاولة استغلال الشعور القومي لصالح المتشددين.
كما ادّعى الكاتب، أن إيران تريد تبني الإحساس بالتفوق والنعرة العالية على جميع الشعوب، موضحا أن القادة الأميركيين يرون عكس ذلك، فدائما ما يصفونهم برعاة البقر، وبالمثل تشرع وسائل الإعلام الإيرانية في تصوير أميركا رغم براعتها التكنولوجية والاقتصادية، بأنها ضئيلة أمام حجم الإنجازات الإيرانية على مدى 4 آلاف عام.
وفي الوقت الذي تبنت في أميركا شعار القومية أولا بفوز ترامب، فإن إيران لا تعتبر استثناء ولا حتى الدول العربية التي تلعب على المفهوم منذ ستينيات وخمسينيات القرن الماضي.
النشيد الوطني الإيراني «اي إيران»
أكدت «نيما مينا»، كبيرة المحاضرين في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بلندن، أن النشيد الوطني السابق للدولة الإيرانية «اي إيران» أكد على الشعور القومي لدى الإيرانيين، أما حاليا فتعاني إيران من العديد من التناقضات، موضحة أيضا أن معظم الإنتاج الثقافي والإبداعي الحالي في إيران لم يقم به إيرانيون.
وترى مينا، أن استخدام النعرة القومية رغم تعارضها مع مبادئ الجمهورية الإسلامية في إيران، يشير إلى تخبط سياسي ووصول القادة الإيرانيين لمستويات مقلقة من اليأس والإحباط جراء ما أصابهم في الفترة الأخيرة، فهم مدركون جيدا الأثر الذي سببته الدعاية الطائفية من تقسيم للمجتمع الإيراني، واللعب على الوحدة والأمة حاليا، لن يجدي نفعا.
وتمتد العلاقة بين الأسر الحاكمة في إيران والدين إلى أمد بعيد، ويعتمد الاثنان على بعضهما البعض، ففي القرن الـ16، استخدمت الأسرة الصفوية الحاكمة الدين الشيعي لمواجهة الإمبراطورية العثمانية، مدعية أنها تريد إنشاء دولة قومية حديثة.
ويجادل العديد من المؤرخين بأن الثورة الإسلامية عام 1979 شددت على إرساء الدين ومبادئه وليس مبادئ الأمة والقومية، إلا أنه وبشكل عام لا يزال معظم الإيرانيين قوميون، فهم على سبيل المثال يعمدون إلى التوفيق بين التقويم الإسلامي القمري والتقويم الإيراني الشمسي وهو التقويم القومي، وفي الوقت نفسه يشعرون أيضا باستياء عام من العرب.
الحرية مقابل الدين
أوضح الكاتب أن هناك اختلافا ثقافيا كبيرا، يحدث في المجتمع الإيراني، فوفقا لـ«سيد جولكار»، الأستاذ المساعد في جامعة تينيسي بتشاتانوغا، لا يوجد تجانس ثقافي في إيران في فترة ما بعد الثورة، موضحا أن ما بعد الثورة تجد أن الجمهورية الإسلامية تواجه صراعا ثقافيا وتتعارض مع وجهات النظر العالمية، فهناك هجين ما بين الحداثة وما بين الأصولية وهو ما يتضح في المليشيات التي تقودها والقائمة على أساس ديني مثل جماعة حزب الله في لبنان والحرس الثوري الإيراني.
وأضاف: على إيران أن تقتنع بأن هناك تعارضا بين الحرية والدين كما يصورونه، وعليهم أن يدركوا أيضا أن الحرية لا تقل أهمية عن الدين، أما على مستوى الشعب الإيراني، فإنهم يفضلون قطعا الحرية، مشيرا إلى أنهم يتجمعون على المقاهي وليس في المراكز الدينية.
وأشار أيضا إلى وجود معسكرين أساسيين في إيران، معسكر العلمانيين ومعسكر المتشددين، وهو ما يؤكد الخلاف وعدم التجانس الثقافي المشار إليها، ويسلط جولكار الضوء على الاختلافات بين حزب الله والإيرانيين القوميين أو التقليديين والذين يشملون علمانيين، فحزب الله مثلا يدعم ولاية الفقيه، أما الآخرون فيدعمون دولة دستورية تقوم على حكم القانون.
وأشار جولكار إلى أن هذه الاختلافات تظهر في كل تفاصيل الحياة العادية، بدءا من أسماء الحيوانات الأليفة وأسماء الأطفال إلى نظام الحكم، فهناك من يسمي أطفاله بعلي أو فاطمة مثلا، بينما آخرون يختارون أسماء غير عربية أو إسلامية، مثل ساويرس.
وشدد جولكار على أن مساعي الجمهورية الإسلامية في اللعب بكارت الهجين القومي لن تنجح، لكن على أية حال فإن مساعي المتشددين حاليا للعب على النعرة القومية، تشير إلى أن الإيرانيين يفضلونهم بالفعل على المتشددين، كان محمود أحمدي نجاد على سبيل المثال، يتمتع بجاذبية قومية وحظي بشعبية فاقت شعبية المرشد الأعلى.
وفي إشارة إلى تأصل مفهوم القومية داخل الإيرانيين، أشار الكاتب إلى الدعم الذي قدمته حركة مجاهدي خلق، وهي حركة يسارية قومية، إلى الرئيس العراقي صدام حسين، واتهم مجاهدو خلق بأنهم خونة من قبل رجال الدين.
وكدلالة أيضا على تفضيل العالم للقومية في إيران، أكد مستشار الأمن القومي لترامب جون بولتون، العام الماضي، أن مجاهدي خلق هم الأنسب لحكم إيران، وهو ما قابله الحكام الإيرانيون والمتشددون بغضب شديد.