أكدت صحيفة «ميدل إيست آي»، أن فرنسا تنسق مع مصر والإمارات من أجل دعم خليفة حفتر، موضحة في مقال لـ«جمعة الجمعاتي»، الأكاديمي والسياسي الليبي، أن فرنسا دعت إلى اجتماع خلال الشهر الجاري لجميع الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية وأطرافا خارجية للتوصل إلى حل للنزاع وإعادة الاستقرار للمنطقة، إلا أن الكاتب يؤكد أن فرنسا تسير فقط وراء مصالحها، موضحا أن الصراع في ليبيا لن يحل بالسهولة التي تتخيلها فرنسا.
وأضاف الكاتب وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أن فرنسا تريد التسريع بإنهاء الأزمة لحماية مصالحها، متخلية عن الأسس اللازمة لحل النزاع وهو دستور وانتخابات، كما أن الأطراف داخل ليبيا لا ترى في فرنسا وسيطا نزيها، خاصة بعد دعمها القوي لخليفة حفتر، والذي ترى فيه حليفا أساسيا يحمي مصالحها.
يشار إلى أن فرنسا دعت لعقد اجتماع دولي يوم 29 مايو الجاري، حول ليبيا، وهو الاجتماع الذي سيضم القادة السياسيين الليبيين الفاعلين بشكل أساسي حاليا، وهو عجيلة صلاح رئيس مجلس النواب في طبرق وخالد مشري رئيس المجلس الأعلى للدولة بطرابلس وفايز سراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في طرابلس وخليفة حفتر قائد الجيش الليبي الوطني.
ووفقا للتقارير دعت فرنسا أيضا العديد من الدول المشاركة في الصراع الليبي بما فيهم الدول الأربع الدائمون في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى إيطاليا وألمانيا وتركيا والإمارات وقطر وكل جيران ليبيا.
كما دعت الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، ويهدف الاجتماع، إلى التقريب بين الأطراف المتنازعة في ليبيا والتأكيد على الوصول لاتفاق ترعاه الأمم المتحدة، لبدء تنظيم الانتخابات الليبية قبل نهاية العام الجاري.
اتفاق أم اختراق؟
أكد الكاتب أن فرنسا تريد توقيع اتفاق ليبي يتكون من 13 نقطة رئيسية، «التوحيد الفوري للبنك المركزي الليبي والتشاور حول وضع جدول زمني لإجراء استفتاء على مسودة الدستور قبل أو بعد الانتخابات، واعتماد وتنفيذ القوانين الانتخابية المقترحة لعام 2018، وعقد مؤتمر سياسي شامل في ليبيا ومتابعة تنفيذ ما يتم التوصل إليه، في 3 أشهر فقط».
ووفقا للكاتب، إذا عقد الاجتماع في باريس كما هو متوقع، فلن يكون الاجتماع الأول الذي تنظمه فرنسا حول الوضع الليبي، حيث سبقه اجتماع في يوليو 2017، استضاف فيه للرئيس الفرنسي المنتخب حديثا، إيمانويل ماكرون، فايز سراج وخليفة حفتر، وأسفر الاجتماع الذي لم يستمر سوى ليوم واحد عن بيانا من 11 نقطة، وقع عليه الطرفان، وكان أبرز ما فيه، وقف إطلاق النار وعقد انتخابات وطنية في أقرب وقت ممكن.
إلا أن الاجتماع لم يسفر عن تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، رغم أنه كان ينظر إليه على أنه نجاح دبلوماسي فريد لفرنسا، لكنه لم يحقق أي انفراجة في الوضع الليبي، وحينها انتقدت إيطاليا التحرك الفرنسي، ورأت أن فرنسا تريد تسليط الضوء عليها كفاعل رئيسي وساعٍ إلى السلام.
إلا أن المختلف في اجتماع هذه المرة، هو أن الجميع يتوقع أن يكون اجتماعا أكثر شمولا، بحضور كل أطراف الصراع في ليبيا، كما يبدو أن فرنسا والعديد من الدول الأوروبية ترى أن من مصلحتها، العمل على هدوء الأوضاع داخل الدولة الليبية، إلا أن الشكوك حول دوافع فرنسا، ما زالت تؤرق الجانب الإيطالي، لا سيما وأن إيطاليا تشهد تغيرا ديناميكيا في سياستها الداخلية حاليا.
الدوافع الحقيقية لفرنسا
من المتوقع أن تفوز حكومة يمينية في إيطاليا قريبا، ويتوقع أن يفوز الحزب اليميني المتطرف القومي، بقيادة جيوسيبي كونتي، ويرى السياسيون الإيطاليون أن الانخراط السياسي الفرنسي المفاجئ المتزايد مع ليبيا وعلى أعلى مستوى، يهدف إلى تهميش إيطاليا ومصالحها في ليبيا، والتي ترتكز في القام الأول على وقف تدفق المهاجرين وإمدادات الغاز الليبي، والتي تمثل مكاسب للشركات الإيطالية العاملة في مجال النفط، مثل إيني.
بينما تهتم فرنسا بالتهديدات الإرهابية وتعتبرها من أولوياتها في ليبيا، وليس ملف الهجرة، والذي لا يؤثر على فرنسا بقدر ما يؤثر على إيطاليا، كما تسعى باريس إلى تحقيق مكاسب تجارية في ليبيا، حيث رفعت شركة توتال الفرنسية من تواجدها في سوق الطاقة في ليبيا، واشترت حصة قدرها 16% من امتيازات ليبيا النفطية، ومن المتوقع أن تمنح الصفقة الشركة إمكانية الوصول إلى احتياطيات النفط الرئيسية وتحقيق إنتاج فوري وإمكانية استكشاف كبيرة في أماكن أخرى.
كما أثارت التدخلات الأخيرة لفرنسا في الملف الليبي، العديد من التساؤلات، حول ما إذا كانت وسيطا نزيها، خاصة إذا عرفنا أنها تقدم دعما عسكريا ولوجيستيا لخليفة حفتر.
التحول في الموقف الفرنسي
على مدار السنوات الثلاث الماضية، دعمت فرنسا حفتر عسكريا، بإرسال مستشارين عسكريين وقوات خاصة فرنسية إلى شرق ليبيا، كما اعترفت فرنسا علناً بدعمها العسكري في يوليو 2016 بعد مقتل ثلاثة جنود فرنسيين من القوات الخاصة في تحطم مروحية بالقرب من بنغازي.
وأعطى الدعم الفرنسي، شرعية سياسية وعسكرية لخليفة حفتر، وجعله أكثر قبولا على الساحة الدولية وشجعه في حملته العسكرية التي بدأت في عام 2014، أما من الناحية التاريخية، لم تكن ليبيا مستعمرة فرنسية مثل تونس والجزائر المجاورتين، بل كانت تحكمها بشكل إداري مباشر.
ومنذ ذلك الحين، تحافظ فرنسا على اتصالات وثيقة مع العديد من القبائل الليبية، خاصة في منطقة فزان، وهي منطقة يمكن أن تكون غنية باحتياطات من النفط والغاز والمعادن واليورانيوم، كما توفر فزان امتداداً جغرافياً طبيعياً لفرنسا بسبب وجودها وتأثيرها في البلدان المجاورة مثل تشاد والنيجر ومالي، حيث تتمتع فرنسا بوجود عسكري واقتصادي وسياسي قوي جداً في تلك المناطق.
الخطوات المنسقة
أشار الكاتب إلى أن أحد الأهداف الرئيسية لاجتماع باريس المقترح هو الضغط من أجل إجراء انتخابات رئاسية سريعة في ليبيا قبل نهاية هذا العام وحتى قبل اعتماد الدستور الجديد عبر استفتاء شعبي، لكن الكثيرين يرون أن فرنسا نسقت في هذا الشأن مع الإمارات ومصر؛ من أجل تعزيز سيطرة حفتر على ليبيا.
ويشار إلى أن الدول الثلاث من أبزر داعمي حفتر وسيطرته العسكرية على مدينة درنة شرق ليبيا، ويأتي الاجتماع من أجل تعزيز موقعه العسكري وإعطائه سيطرة كاملة على الشرق، خاصة بعد أن بدأ الحملة العسكرية ضد درنة، وهي الحملة التي لها عواقب وخيمة على المدينة وسكانها.
كما ترى فرنسا في حفتر، الحليف الذي سيخدم مصالحها النفطية في ليبيا ومنطقة شمال وغرب أفريقيا، موضحا أن فرنسا في عجلة من أمرها لتنفيذ أجندتها الضيقة بشأن ليبيا، حيث أعلنت دول مثل أمريكا وإيطاليا عن قلقهما من إجراء انتخابات في ليبيا دون وجود أسس دستورية قوية.
كما تصر العديد من الأطراف الليبية المؤثرة، على أن أي انتخابات يجب أن تأتي بعد اعتماد دستور دائم وجديد عبر استفتاء.
وختم الكتاب بأن فرنسا بالفعل قد تنجح في تحقيق نجاح دبلوماسي قصير الأمد، إلا أنها لن تغير الحقائق على الأرض، فالمشكلة الأساسية هنا أن الكثيرين في ليبيا لا يعتبرونها وسيطا نزيها.
وكما قال أحد الخبراء في ليبيا، فالدعم الفرنسي لحفتر، لن يؤدي إلا إلى زيادة التدخل الأجنبي في النزاع الليبي، ولن يفضي إلى حل دائم للصراع، إلا من خلال تعزيز الحكم المدني القائم على حكم القانون والمؤسسات الديمقراطية.
http://www.middleeasteye.net/columns/france-honest-broker-libya-conflict-298155148