شهد الفلسطينيون هذا الأسبوع مرور 70 عامًا على النكبة، 70 عامًا لانتهاكات بالجملة ضد حقوقهم الإنسانية والوطنية، وما زالت مستمرة منذ ذلك الحين. بدأ التطهير العرقي للفلسطينيين بـ418 قرية فلسطينية، لكنه اتّخذ اليوم شكلًا مختلفًا؛ فحفل افتتاح السفارة الأميركية في القدس، بالتزامن مع مجزرة بحق الفلسطينيين على بعد 40 كيلومترًا فقط، يظهر بوضوع إنكار أميركا و«إسرائيل» الكامل للتاريخ الفلسطيني والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الاحتلال.
وتعدّ «مسيرات العودة الكبرى» مبادرة للتظاهر من أجل حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والمعترف بها دوليًا؛ لكنّ قوات «إسرائيل» لم تمهلهم، وقابلتهم بعنف ووحشية؛ بتعليمات واضحة من القيادات السياسية والعسكرية.
وادّعى وزير دفاع الاحتلال «أفيجدور ليبرمان» أنّه لا يوجد أبرياء في غزة؛ ما مثّل تحريضًا ضد الفلسطينيين، ولهذا السبب لم تُقابل أعمال العنف ضدّهم بأي إدانة أميركية. بل والأكثر من ذلك أنّها تزامنت مع ضحكات المسؤولين من الجانبين واحتفالاتهم أثناء حفل السفارة.
هذا ما يراه المفاوض الفلسطيني البارز «صائب عريقات» في مقاله بصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ المشكلة أصبحت واضحة بشكل لافت؛ فبينما يذبح 40 فلسطينيًا بدم بارد في غزة، يضحك المسؤولون ويحتفلون على بعد أميال قليلة منهم، بل ويلقون اللوم على الفلسطينيين، كما فعل جاريد كوشنر أثناء كلمته في حفل الافتتاح؛ وهو ما يمكن أن يستخدمه مؤيدو الاحتلال في الدفاع عن سياساته.
ما قاله جاريد كوشنر حجّة مفلسة أخلاقيًا، وتكشف الانحطاط الأخلاقي لإدارة ترامب، وهو تكملة لمساعي جرينبلات وفريدمان ونيكي هالي، الذين أصرّوا على تشجيع سياسات الفصل العنصري بدلًا من الحث على إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه التي طال انتظارها.
ونقل السفارة الأميركية غير قانونيّ؛ خاصة وأنّه عشية ذكرى النكبة الفلسطينية، ما أظهر الدعم الأميركي المطلق للاحتلال؛ ما يشكّل نهاية «الصفقة النهائية»، وهو ما يرفضه الشعب الفلسطيني، الذي أيقن أنّها محاولة أميركية لفرض اتفاق أميركي إسرائيلي مكتوب يتعدّى جميع الخطوط الحمراء.
وتقع السفارة الأميركية على أرض محتلة من الأساس، في انتهاك لقرار مجلس الأمن رقم 478، وامتداد لطبيعة سياسة ترامب وتشجيعها على ارتكاب الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي؛ ولا نرى فرقًا بين السفارة الأميركية والمستوطنات اليهودية.
وما فعله ترامب أنّه أخذ القدس من على طاولة المفاوضات، بالرغم من ادّعاءه أنّ ذلك لجلب الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. وأظهر التاريخ الحديث أنّه بغض النظر عن التباين في السلطة، فلن يقبل الشعب الفلسطيني بأيّ حل آخر سوى حقوقه المشروعة. إضافة إلى ذلك، دعمت أميركا الموقف أثناء مؤتمر مدريد وبرعاية اتفاقات أوسلو بأن تبقى القدس قضية لا يمكن حلها إلا بتوافق الطرفين.
لا معايير دولية
ويواجه المجتمع العالمي اليوم أكبر تحدٍّ في التاريخ الحديث، في الوقت الذي شجّعت فيه إخلال «إسرائيل» بالمعايير الدولية الراسخة؛ وتسعى الدولتان إلى حرمان الفلسطينيين من حقوقهم إلى مالا نهاية.
أوضح الواقع أنّ «إسرائيل» لن تقبل بأيّ فلسطيني على أرضه التي احتلتها، وتحرمهم من حقهم في إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وفقًا لحدود 1967؛ والسلام الذي يبنى على باطل لا يضمن العدالة أو المساءلة واحترام حقوق الإنسان.
وما فعلته أميركا إهانة صارخة وعمل عدائي ضد الشعب الفلسطيني، ونقل السفارة إلى القدس بينما تندلع مذبحة في غزة لن يمنعنا من الحديث عن السلام، بل على العكس؛ يجب أن تكون بمثابة تذكير للمجتمع الدولي بأنه في حاجة ملحة لتحقيق سلام عادل وشامل.
ما زلنا ملتزمين بالرؤية الفلسطينية للسلام التي عرضها محمود عباس أمام مجلس الأمن الدولي، كان آخرها في فبراير 2018، ودعا المجتمع الدولي لتحمّل المسؤولية بطريقة مثمرة، تتطلب مساءلة قوات الاحتلال عن جرائمها، وإرساء القوانين والقرارات التي أقرتها الأمم المتحدة فيما يتعلق بفلسطين.
السلام الذي ينتظره الفلسطينيون لن ياتي بالديكتاتورية الأميركية وتحريضه، ولا بالرصاص الإسرائيلي الذي يعقب التحريض؛ ونحن نحزن لشهدائنا في فلسطين، ونوصي نتنياهو وفريدمان وجرينبلات وكوشنر بأن يستمعوا لنصيحة الشاعر محمود درويش التي أكّد فيها أن إرادة الشعب لن تنكسر وهويته لن تُمحى.