فور إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، أصدرت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بيانًا مشتركًا أعربوا فيه عن تخوّفهم والتزامهم المستمر تجاه خطة العمل المشتركة، إضافة إلى الدعوات المتزايدة ليضع الاتحاد الأوروبي تدابير لحماية شركاتهم من العقوبات الأميركية المعاد فرضها، بما فيها دعوة وزير الاقتصاد الفرنسي وقادة الأعمال الأوروبيين. وأعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي «فيديريكا موغيريني» عن خطة تشمل تسع نقاط لضمان استمرار مبيعات النفط والغاز الإيرانية والحصول على التمويل الدولي.
وثمّة سيناريو آخر: لجوء دول الاتحاد الأوروبي إلى التفاوض مجددًا مع أميركا بشأن الإعفاءات المطلوبة على شركاتهم التي تتجاوز الحدود الإقليمية، ربما في مقابل فرض عقوبات جديدة من الاتحاد الأوروبي على أنشطة إيران الصاروخية وأنشطتها العسكرية في سوريا واليمن. وكلّ هذا مجرد محاولة للتخفيف من حدة آثار الانسحاب الأميركي من خطة العمل المشتركة.
هذا ما يراه الباحث في معهد ستوكهولم لأبحاث السلام «تيتي راستو» والباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية بجامعة جنوب فلوريدا «سينا أوزدي» في تحليلهما بموقع «لوب لوج» وترجمته «شبكة رصد»، موضحين أنّ انسحاب ترامب من الاتفاقية ربما يكون مدفوعًا بقِصر نظرٍ تجاه الصفقة التي رآها تجاوزت حق أميركا؛ فلم تثبت أيّ سياسة مختلفة اتخذها تجاه إيران جدواها.
ويعتقد ترامب أنّ سلوك إيران سيتحسّن عن طريق الصغط والإجبار، وهو عكس الحقيقة؛ فإيران كانت مستعدّة للتفاوض. ولكن، على المدى البعيد، وكما جادل ترامب في مايو: «رفعت الصفقة العقوبات الاقتصادية على إيران… في الوقت الذي كانت فيه أميركا تمتلك أقصى قدر من النفوذ؛ إذ كان يمكنها بسهولة التوصّل إلى اتفاق تريده، لكن ذلك لم يتم».
ويتّفق نهج ترامب تمامًا مع نهج مستشاره الجديد للأمن القومي «جون بولتون»، الذي يؤيّد التدخّل العسكري لتغيير النظام الإيراني بالقوة، معتقدًا أنّه يوفّر بذلك حلًا لجميع المشكلات التي تواجه أميركا مع إيران؛ لكنها «مغالطة»، وكان هذا ممكنًا لو استمرّت إيران في أنشطتها النووية؛ لكنها التزمت ببنود الاتفاقية.
وهو الرأي الذي يعتقده الأوروبيون أيضًا؛ إذ يؤمنون بأنّ العقوبات القوية كانت ستجلب إيران إلى طاولة المفاوضات، وحينها يمكن مناقشة خطة العمل المشتركة من جديد، والوصول إلى أهداف أميركا، وكان يمكن بسهولة للغاية تحقيق أكثر الأهداف، دون إلحاق الضرر بالحلفاء وشركاتهم العاملة في إيران.
وكان من المفيد أيضًا للأوروبيين تقييم التهديدات التي تشعر بها أميركا من الاتفاق النووي الإيراني بشكله الحالي؛ فبالرغم من أنّ الاتفاقية تناولت برنامج الصواريخ الباليستية بشكل فضفاض، ركّزت على برنامج الصواريخ المتوسطة المدى. وكما أعلن المسؤولون الإيرانيون من قبل أنّ بلدهم ليس بحاجة إلى توسيع نطاق الصواريخ، مؤكّدين أنّ هدفهم تحقيق الردع الإقليمي فقط، ولا ينوون الاعتداء على أيّ دولة ما لم تبادر هي بالاعتداء.
وردًا على انسحاب أميركا من الاتفاقية، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أنّ إيران ستبقى في خطة العمل المشتركة إذا ضمنت مصالحها من الأطراف الأخرى، خاصة الاتحاد الأوروبي؛ وبالمثل أكّد آية الله خامنئي الحاجة إلى «ضمانات حقيقية وعملية» من الأوروبيين؛ وهو ما يعني من الناحية العملية ضمان استمرار الأعمال بين أوروبا وإيران بغض النظر عن العقوبات الأميركية.
وقد يؤدي الانسحاب الأميركي من الاتفاقية وتأثّر الشركات الأوروبية العاملة مع إيران إلى حرب كارثية عبر المحيط الأطلسي؛ خاصة إذا ما استمع ترامب إلى نصائح مستشاره جون بولتون، الذي هدّد الشركات الأوروبية بفرض عقوبات أميركية إذا أرادت مواصلة التجارة مع إيران. وكما ورد، نشرت «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، أحد الأعداء الأوفياء للصفقة النووية، مذكّرة في أميركا توصي بخطوات لردع الشركات الأوروبية عن مواصلة العمل مع إيران بعد الاتفاق.
وذكروا أنّ ما يحدث يتجاوز قدرة الاتحاد الأوروبي على منع جميع الأضرار الناجمة عن إعادة فرض العقوبات مرة أخرى خارج حدودها الإقليمية؛ لذلك سيتعيّن على دول الاتحاد الأوروبي أن تفكر في طريقة أخرى يمكن بها تجاوز الآثار السلبية للعقوبات الأميركية.