أكّد دونالد ترامب، في تصريح علني من قبل، أنّ هناك محاولات من أفراد داخل العائلة المالكة السعودية يحاولون السيطرة على ساسة أميركيين. وبالرغم مما قاله، ما زال الكونجرس يدعم المملكة، وبالرغم من تحذير وزير الدفاع جيمس ماتيس بضرورة تسريع السلام في اليمن؛ لكنّ ولي العهد محمد بن سلمان لم يستمع، وما زال يواصل حملته الإجرامية في حق المواطنين اليمنيين.
ويقدّم محمد بن سلمان نفسه على أنه المُصلِح الجديد، لكنّ تصرفاته لا تعكس ما ينادي به؛ إذ سجن معارضيه واستولى على أموالهم وممتلكاتهم، ولم تنجح أيٌّ من سياساته الخارجية، بل أفضت إلى كوارث في سوريا ولبنان واليمن وقطر؛ لكنّ اليمن أكبر أخطائه.
وقرّرت إدارة أوباما دعم المناورات السعودية داخل اليمن، في محاولة غير مجدية لتهدئة تخوّفاتها بشأن الاتفاق النووي الإيراني في 2015. وفي محاولة للتغطية على الدعم الأميركي، قال قائد القيادة المركزية الجنرال «جوزيف فوتل» إنّ أميركا ليست طرفًا في الصراع؛ لكنّ الشعب اليمني يموت بالقنابل والأسلحة الأميركية التي باعتها إلى السعودية.
هذا ما يراه الباحث في معهد كاتو «دوغ باندو» في تحليله بمجلة «ناشيونال إنتريست» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّه في محاولة لتبرير مبيعات الأسلحة إلى الجانب السعودي، ذكر فوتيل أنّ أميركا لا تعرف ما الذي تفعله السعودية بهذه الأسلحة بعد بيعها. وأكّد «روبرت كارم»، مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي، أنّ أميركا لا تراقب الطائرات السعودية؛ ما يكشف أنّ أميركا شريك في العدوان السعودي ذي العواقب المروّعة على الشعب اليمني.
وقال «بيري كماك»، من مؤسسة كارنيجي للسلام، إنّ أميركا، عن طريق الدعم الذي قدمته إلى السعودية في اليمن؛ مكّنت تنظيم القاعدة، وعزّزت من النفوذ الإيراني وقوّضت الأمن السعودي، وجعلت اليمن على حافة الانهيار، وتحوّلت إلى ساحة للخراب والدمار وحملات النزوح الجماعية.
ويقع اليمن في الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، وللسعودية تاريخ طويل من محاولات السيطرة عليه منذ عام 1934؛ حتى عندما استقلّ اليمن في الستينيات، وبدأت الاضطرابات الداخلية تتفاقم بعدما تقاتلت دولتا الشمال والجنوب إلى أن توحّدتا في نهاية المطاف عام 1990؛ لكنّ الصراع ما زال مستمرًا، وإن كان بدرجة أقل.
وجلس الرئيس علي عبدالله صالح لسنوات على قمة السلطة في اليمن، وكان «الحوثيون»، ذوو الأصل الشيعي، عدوّه المشترك مع السعودية وأميركا. ولاحظ المحلل السياسي «جريجوي غوز» أنّ الحوثيين أرادوا أن يكونوا تابعين لإيران أكثر بكثير مما أراد الإيرانيون تبعيتها، وفي 2009 اكتسب صالح الدعم السعودي ضد الحوثيين.
وبعد الإطاحة به في 2012، وسط غموض ثورات الربيع العربي، خلفه عبدربه منصور هادي. لكنّ «صالح» أراد استعادة السلطة؛ ولذا تحالف مع الحوثيين، ما حدا بالسعودية والإمارات للتدخل ومحاولة إعادة عبدربه منصور، ثم انتهت الأمور باغتيال صالح على يد الحوثيين في 2017. وفي هذه الأثناء، لم يكن لدى إيران كثير لتفعله، وقالت المخابرات الأميركية إنّ إيران عارضت أصلًا سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية.
واليوم، لم تعد هناك دولة يمنية؛ بفضل السعودية، كما أكّدت مجموعة الأزمات الدولية في أبريل الماضي، موضّحة أنّ اليمن تشرذم بسبب الانقسامات التاريخية، والآن أصبح أشبه بالبلد المقسّم لمجموعات صغرى متداخلة في صراع إقليمي أكبر منها بكثير.
والأسوأ من ذلك: العواقب التي طالت الشعب اليمني؛ إذ أعلنت الأمم المتحدة أنّ اليمنيين يواجهون أزمات متعددة، بما فيها النزاع المسلح والنزوح وخطر المجاعة وتفشي الأمراض (مثل الكوليرا)، حتى أصبحت أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفي شهر واحد قُتل عشرة آلاف شخص، بجانب الملايين الذين نزحوا.
وذكر التقرير نفسه أنّ الأمم المتحدة أبلغت عن إصابة أكثر من مليون يمني بالكوليرا، واصفة الوضع بالمتفشي؛ إذ طال الوباء جميع محافظات الدولة الـ23، وخلّف قرابة 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي و14 مليونًا معرضون لخطر المجاعة.
من جهتها، أوضحت «ميريت إكسيل ريلانو»، ممثلة صندوق الأمم المتحدة للطفولة في اليمن، أنّ أنظمة المياه والصرف الصحي آخذة في الانهيار، وأكثر من نصف المرافق الصحية معطلة؛ ما مثّل عائقًا أمام وصول 15 مليون يمني للخدمات الصحية الأساسية والمياه النظيفة. وكمّا لو أنّ هذه المشكلات ليست كافية؛ نزح أكثر من ثلاثة ملايين يمني.
وكما يعرف الجميع، رفض ابن سلمان تحمّل أيّ لوم عن الأوضاع في اليمن، ومدافعًا عن أفعال السعودية؛ قائلًا: آمل أن تتوقف هذه المليشيا عن استخدام المآسي الإنسانية لصالحها، التي تهدف بها إلى إثارة تعاطف المجتمع الدولي، إنهم يحجبون المساعدات الإنسانية ويخلقون مجاعات وأزمات.
وادّعاءات ابن سلمان خاطئة ومشوّهة، وما يفعله التحالف السعودي أسوأ بكثير مما يفعله الحوثيون؛ فالهجمات الجوية السعودية والإماراتية استهدفت المرافق والأسواق والمستشفيات والمدارس. ومنذ ثلاث سنوات وحتى الآن، ما زالت الضربات مستمرة والوضع يتزايد خطرًا.
ومن المزري أن تصبح الهجمات على المدنيين استراتيجيات عالمية، واتّهمت لجنة من خبراء الأمم المتحدة السعودية مؤخرًا باستخدام «التجويع» سلاحًا في الحرب؛ مدلّلين على ذلك بالحصار المفروض على الموانئ اليمنية، الذي قيّد إدخال الوقود والماء والمواد الطبية.
وقال «ماثيو ريزنر»، من مركز المصلحة الوطنية، إنّ جرائم التحالف السعودي ذهبت لأبعد من ذلك بكثير؛ فهناك أدلة متزايدة على استهداف السعودية قصدًا للبنى التحتية المدنية لقطاعات التصنيع وافتعال أزمة انعدام الأمن الغذائي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، كما استهدفت مئات الغارات الجوية المزارع والأسواق ومرافق تخزين الأغذية، وتدمير أكثر من مائتي سفينة صيد.