بشكل مفاجئ، تجدد الخلاف في مصر بين ممثلي السلفية العلمية والصوفية، المؤيدين بقوة لنظام الحكم.
وأواخر الشهر الماضي، تم تداول تسجيل مصور منسوب إلى ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، يتهم فيه الصوفيين بـ «الغلو في الدين والشرك والبدعة».
وهو ما دفع شيوخ الطرق الصوفية إلى وصف برهامي وجماعته بـ «الدعشنة»، في إشارة إلى تنظيم الدولة.
هذا المشهد المتكرر أرجعه باحث في شؤون الحركات الإسلامية إلى ما سماه «التبديد الموسمي للطاقات بسبب الفراغ السياسي»، فيما ذهب آخر إلى أن هذا الوضع «لن ينتهي إلا بإصلاح ديني حقيقي».
ومع خفوت نجم جماعات إسلامية كبرى، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، طرح السلفيون والصوفية أنفسهم بديلا قويا وسطيا قادرا على صناعة حشد وتأييد للنظام الحاكم في مصر.
** الحكم والدين
تتماهى المدرستان الصوفية والسلفية (العلمية) مع الأنظمة المتعاقبة على الحكم، وتعدان من أبرز مؤيدي عبد الفتاح السيسي، ورغم ذلك ثمة صراع دائم بينهما في الأمور الفقهية والدينية.
وعلى عكس توافق كل الطرق الصوفية في التأييد المطلق للأنظمة الحاكمة، تتمايز الحركة السلفية بين ثلاثة تيارات، أحدها مؤيد، وهو الأعلى صوتا والأكثر حضورا، والثاني معارض، والثالث فضل الانزواء تماما.
والصوفية ليست مدرسة للفقه الإسلامي، على عكس السلفية، إذ تهتم الصوفية بالشؤون الروحية أكثر من غيرها.
والقائمون على المؤسسات الدينية الرسمية بمصر صوفيون في الأصل، فشيخ الأزهر أحمد الطيب، والمفتي السابق علي جمعة، ينتميان إلى المدرسة الصوفية، وقد أعلن الأخير، مؤخرا، تدشينه طريقة صوفية تحمل اسم «الصدقية الشاذلية».
ورغم عدم وجود إحصاء رسمي بعدد منتسبي السلفية ولا الصوفية في مصر، تفيد تقديرات بحثية غير رسمية بأنهما تضمان ملايين الأنصار، لذا تمثلان ثقلا سياسيا واجتماعيا ودينيا معتبرا لأي نظام حاكم.
** توتر متجدد
يتجدد التوتر بين الصوفية والسلفية مع كل مناسبة مرتبطة بالاحتفالات والمظاهر الصوفية، على غرار «الموالد» الخاصة بذكرى مولد آل بيت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
وترى السلفية في زيارة الأضرحة مخالفة للدين، ما دفع أقطاب السلفية مرارا، إلى المطالبة بهدمها وتكفير زائريها، فيما يقول الصوفيون إنهم ينظرون إلى «الموالد وأضرحة أولياء الله» نظرة تودد ومحبة مع النبي وآل بيته.
وثار غضب واسع بين الصوفية، إثر بث موقع «صوت السلف» المحسوب على «الدعوة السفلية»، أواخر الشهر الماضي، تسجيلا مصورا لبرهامي يتضمن هجوما على الصوفية.
وقال برهامي إن «الصوفية أهل بدع، ولديهم غلو في الصالحين، وهذا يوقع المسلم في الشرك والبدع، خاصة أنهم لا يرجعون هذه الأمور لصحيح الدين والسنة النبوية الشريفة».
ورد عليه علاء أبو العزايم رئيس المجلس العالمي للطرق الصوفية، بالهجوم على برهامي والدعوة السلفية، واتهمهم بـ «الدعشنة».
وقال أبو العزايم، الرمز الصوفي المصري، للأناضول، إن «بوصلة هجوم برهامي والسلفيين موجهة بالخطأ نحو الصوفيين».
واستبعد وجود أي فرصة للحوار بين السلفيين والطرق الصوفية، بسبب الخلافات العقائدية بينهما، وردا على ذلك، قال محمود عامر الداعية السلفي البارز، إن «قاعدة أي خلاف بين المسلمين هي قول الله تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول)».
واستشهد عامر في حديث للأناضول، بأن النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم) لم يأمر بـ «طرق صوفية يكون لكل مجموعة منها شيخ وطقوس خاصة وموالد هنا وهناك».
واعتبر عامر أن الصوفية «منتسبون للإسلام ومخالفون لقواعده، وبالتالي يجب أن يحذر الناس منهم».
** فراغ سياسي
الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد بان، رأى أن تجدد التوتر بين الصوفية والسلفية هو «شكل من أشكال الفراغ السياسي في مصر».
وأضاف «بان» في حديث للأناضول، أن «الخلاف يمثل إشغالا للرأي العام في قضايا وهمية».
وتابع: «كنت أتمنى أن يتحدث حزب النور (الذراع السياسي للدعوة السلفية) عن رأيه في الحقوق والحريات أو الممارسة السياسية بمصر، بدلا من تبديد الطاقات في الهجوم على هذا التيار أو ذاك».
ومضى قائلا إن «برهامي يثير مثل هذه القضايا موسميا لتبديد الطاقات وإشاعة حالة من حالات الإشغال، التي تتبرع بها بعض القوى أحيانا دون أن تنخرط في نقاشات جادة حول أمور جادة»
وشدد على أن «الخلاف (السلفي الصوفي) لا طائل من ورائه.. نتكلم عن مجموعات مسلمة كل منها له وجهة نظره ما دام لم يخالف شيئا من ثوابت الدين».
وأشار أن «السلفيين لديهم ثوابت كغيرهم من التيارات الإسلامية الأخرى، التي من خلالها يقيسون أو يصبون الآخرين على مقاسها»، وأردف أن الخلاف السلفي الصوفي بالأساس هو خلاف فقهي وعقدي، محذرا من أنه يحمل «شكلا من أشكال التكفير الذي يجب أن تتحرز منه التيارات الفكرية والسياسية».
** إصلاح ديني
«قضية تقليدية وخلاف في تصورات اعتقادية»، هكذا وصف عمار علي حسن الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، تجدد التوتر بين السلفية والصوفية.
وتابع حسن في حديث للأناضول، أن «هجوم برهامي الأخير على الصوفية لا يعني بالضرورة رغبة من الطرفين في الصراع، إنما تخلقه الظروف»
وعزا الخلاف إلى أن «السلفيين ينظرون إلى المتصوفة باعتبارهم ليسوا فقط مختلفين عنهم في التصور الديني، وإنما يرون أيضا أن ما يُقدمون عليه يضر بالاعتقاد، وهذه من آفات السلفيين، فهم يفرطون في المسائل المرتبطة بالعقيدة».
ومضى قائلا إن الخلاف «ليس ظرفيا أو طارئا، وإنما خلاف عقيم يمكن أن يمر بمراحل تهدئة نتيجة وساطة السلطة أو ظروف اجتماعية معينة تتطلب من السلفيين نوعا من التحايل في مواقفهم وآرائهم، لكن هذا لا يعني أبدا أنهم تخلوا عن آرائهم الحادة في المتصوفة».
على الجانب الآخر بحسب الباحث المصري، فإن «المتصوفة أكثر تسامحا في المسائل الخاصة بالعقيدة، لكنهم يعتقدون أن السلفيين أصحاب تشدد وغلو، وأن كثيرا مما يعتقده السلفيون يضر ضررا بالغا بجوهر الدين».
واعتبر أن الخلاف «لن ينتهي، طالما هناك سلفيون ومتصوفة».
وتابع: «لا أعتقد بانتهائه إلا بإصلاح ديني حقيقي، وبجيل جديد يؤمن بالمعرفة والعلم والتقدم، ويرى أن هدف الدين هو السمو الأخلاقي والنفع العام، بعيدا عن تشدد السلفيين أو بعض تصورات المتصوفة».
واستبعد حسن أن يكون للتوتر الحالي «بعد سياسي».
وقال إن «السلفيين استطاعوا أن ينظموا أنفسهم بسرعة شديدة، لما لديهم من مشروع سياسي مستتر متمثل في إقامة خلافة، ما إن يجد الفرصة سيظهر، أما المتصوفة في مصر فليس لديهم ذلك المشروع»
وختم بأن «الصوفيين غالبا يساندون السلطة السياسية، بينما من السلفيين جزء تابع للسلطة دوما ومؤمن بطاعة ولي الأمر، مثل الجامية (فصيل سلفي)، ومنهم جزء مختلف مع الدولة، والأخير يمكن أن يغضب من مساندة الصوفية للسلطة السياسية».
المصدر: الأناضول