استنتج «المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب»، في بحثٍ له، أنّ الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، القائمة على تعدّد الأحزاب، تشهد أعمالًا «إرهابية» صورية؛ ليست بحدّة نظيرتها الاستبدادية والمنغلقة، التي تشهد «هجمات إرهابية» كبرى وبمستويات أعلى.
وفسّر المحلل الإسرائيلي «عميشاي ماجن» ذلك بأنّ الانفتاح السياسي والحريات المدنية توفّران الظروف المناسبة التي تسمح بالتعبير عن المظالم المختلفة، وبشكل علني؛ ما يقطع الطريق على المتطرفين لاستخدامها لتوجيه المواطنين لخدمة أغراضهم.
وأضاف أنّ المجتمعات الديمقراطية توفّر أيضًا بيئة جاذبة للاستثمار، سواء في مجال الاستخبارات أو البنى التحتية، والمرونة الاجتماعية والرعاية الطبية المتخصصة ذات الخدمات الجيدة؛ ما ساعد على الحد من الأنشطة الإرهابية ومنعها قبل وقوعها، وحتى لو حدثت فإنها تكون أقلّ فتكًا.
بل وذهب إلى أبعد من ذلك، نتيجة ملاحظة الأعمال الإرهابية في العقدين الماضيين؛ وهو أنّ «الديمقراطيات الموحّدة والعالية الجودة أفضل وسيلة لمكافحة الإرهاب الذي عرفته البشرية».
هذا ما رصده رئيس الصندوق الوطني للديمقراطية «كارل غيرشمان» في تحليله بصحيفة «وورلد أفير» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّه في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، صادق وزير العدل الأميركي «جون أشكروفت» على الحكمة التقليدية السائدة آنذاك: «الإرهابيون يستغلون انفتاحنا»؛ محذّرًا من أنّ «الإرهابيين» يتعلّمون كيفية استخدام «الحرية» ضد المجتمع الأميركي.
مستوى الحرية
ويؤكّد الخبير الاقتصادي «ألبرتو أبادي» أنّ وقوع الأعمال الإرهابية يرتبط بطريقة أو بأخرى بمستوى الحرية في البلد؛ فالعلاقة بينهما عكسية: كلما قلّت الحرية زاد الإرهاب، والعكس. والبلدان ذات المستويات المتوسطة في الحرية السياسية أكثر عرضة للإرهاب من البلدان ذات المستويات السياسية المنفتحة العالية؛ والسبب أنّ الأنظمة المتوسطة هي الأكثر ضعفًا؛ لأنها تفتقر إلى ما يسميه عميشاي «القدرة على تهدئة المظالم»، والقمع لا يولّد إلا الإرهاب.
وقالت إحصاءات ذكرها «عميشاي» أنّه في المدة من 2002 إلى 2006 تبيّن أنّ الديمقراطيات أقلّ عرضة للهجمات الإرهابية من جميع الأنظمة الأخرى، وحتى الأنظمة الوسطى «بين الديمقراطية والقمع» شهدت معدّلات مرتفعة من الهجمات الإرهابية؛ ويمكن تسميتها أنظمة «مغلقة» أو «استبدادية متعددة الأحزاب».
وأضاف أنّ هناك معضلة أخرى خاصة بالأنظمة الديمقراطية، فالحريات السياسية فيها قد تتيح للمنظمات والأحزاب ذات الأيديولوجيات المتطرفة استخدام هذه الحرية للوصول إلى مواقع السلطة؛ ومن ثم فرض أيديولوجياتهم ووجهات نظرهم المتطرفة، وبالتي القمع. وتشهد الأنظمة الوسطى هذا النوع من الوصول السياسي للمتطرفين أكثر من الأنظمة ذات الديمقراطيات المرتفعة، التي تضمن ألا تصل جماعات ذات توجهات ومبادئ مختلفة لقيم المجتمع.
فرصة الوصول
وأوضح أنّ الـ14 عامًا الماضية شهدت فيها الأنظمة المغلقة أو الوسطى أكبر نسبة للهجمات الإرهابية من الاستبدادية المطلقة والحرية المطلقة، مفسّرًا ذلك بأنّ الوسائل الديمقراطية الشكلية في هذه المجتمعات قد توفّر لها أيضًا فرصة الوصول السياسي.
ويفسًر «عميشاي» هذا الاستنتاج بأنّ تكنولوجيا الاتصالات المتقدمة سهّلت على «الإرهابيين» استغلال الفرص الاستراتيجية الموجودة في الأنظمة المغلقة، إضافة إلى أنّ الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي صعّبتا على الأنظمة الأوتوقراطية إخفاء الأعمال الإرهابية؛ وبالتالي قوّضت الوهم المتوارث بأنّ «الديكتاتوريات أقلّ عرضة للإرهاب من الأنظمة الديمقراطية المتقدمة».
أرضية خصبة
في مصر على سبيل المثال، فشل نظام السيسي الاستبدادي في مكافحة الإرهاب، ولاحظت صحيفة «واشنطن بوست» في فبراير الماضي أنّ سياسات السيسي لمكافحة الإرهاب تشكّل مبررًا هامًا لديكتاتوريته وبقائه في منصبه؛ بعدما وفّر أرضية خصبة للتطرف. فبعد انقلاب يوليو 2013 ضد الرئيس محمد مرسي، شرع في قتل المتظاهرين بميداني رابعة والنهضة، واحتجز أكثر من 60 ألف سجين سياسي بين عامي 2013 و2017.
وما فعله السيسي ساهم إلى حد كبير في انتشار التطرّف بشمال سيناء ومحافظات الجمهورية، وحتى السجون المصرية تساهم إلى حد كبير في تخريج متطرّفين تابعين لتنظيم الدولة؛ فكلّ من يدخل السجن بريئًا يُحتجز جورًا ويُعذّب ويواجه ظروفًا غير إنسانية معرّض للانضمام إلى الجماعات المتطرفة بعد خروجه.
وتستمر مصر في تطبيق قانون الطوارئ، ويجدد كل ثلاثة أشهر؛ في مخالفة واضحة للدستور المصري، الذي فتح جميع الأبواب أمام الإرهاب، بقمع المعارضة وإغلاق المجال السياسي.