من المقرر أن تعقد زيمبابوي في الشهرين المقبلين أوّل انتخابات عامة دون مشاركة الرئيس السابق روبرت موجابي، الذي استقال في ظروف مثيرة يوم 21 نوفمبر الماضي؛ دون أن يتغيّر شيء في أوضاع الدولة تحت النظام الجديد، على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ والمستفيد الوحيد القوّات المسلّحة الزيمبابوية.
واحتفل ملايين الزيمبابويين بخروج موجابي من الساحة السياسة بعد 37 عامًا من الحكم الاستبدادي، وقال إنّ ثلاثة ملايين شخص يعيشون في المنفى بسببه، بجنوب إفريقيا وبريطانيا. ووعد الرئيس الجديد المحتمل «إيمرسون منانجاغوا» بفتح المجال السياسي وتنفيذ إصلاحات سياسية جوهرية تساعد على جذب الاستثمارات المالية التي في أمسّ الحاجة إليها، إضافة إلى تعهّده بتعزيز الثقة لدى المستهلك الزيمبابوي.
هذا ما تراه «شبكة الجزيرة» في تقرير لها ترجمته «شبكة رصد»، مضيفة أنّ الرئيس الزيمبابوي السابق، البالغ من العمر 93 عامًا، نهجًا عدوانيًا، ووسم المعارضين بأنهم عملاء أجانب ومخرّبون اقتصاديون ومحبو فوضى؛ في الوقت الذي سعى فيه إلى تمكين القوات المسلحة وتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي، والسيطرة على جميع الإدارات والمؤسسات الحكومية والشؤون المدنية؛ ما تسبب في إدخال زيمبابوي في مأزق اقتصادي.
لا جديد
ولا يسيطر الجنرال «كونستانتينو شيوينغا» على وزارة الدفاع وحسب، بل يتولى مرؤوسوه أيضًا مواقع استراتيجية مهمة داخل الحكومة؛ مثل الجنرال «بيرشلانس شري» رئيس هيئة الأركان، الذي يرأس وزارة الأراضي والزراعة، والكولونيل «سيبوسيسو مويو» وزير الشؤون الخارجية والتجارة الدولية.
وكوّن موجابي دائرة من الموالين له داخل الدولة من الخبراء والوثيقين والمخلصين؛ مثل «سيدني سيكراماي، والبروفيسور جوناثان مويو، ووكاسوكويري، وإجناتيوس تشومبو»، كما أدمج الجنود والمحاربين القدامى في إدارته، معتمدًا على تكتيكيات من الماضي.
وبالرغم من سخرية العالم وهجومه على زيمبابوي، وطريقة الحكم وما يدور في أروقة السياسة؛ أشادوا بـ«منانغاجوا تسفانجيراي»، الأب الروحي لحركة المعارضة الحديثة، الذي توفي في فبراير الماضي بسرطان في القولون.
ومن المتوقّع ألا يتغيّر أيّ شيء متعلّق بالسياسة الزيمبابوية والقمع؛ فالرئيس الجديد المحتمل ستكون لديه السيطرة المطلقة على الأجهزة الشرطية والمخابرات، وبجانب سلطة تعيين رئيس المحكمة العليا ورئيس اللجنة الانتخابية وجميع السفراء والدبلوماسيين والمسؤولين، والمدعي العام ورؤساء ووزراء الأجهزة الحكومية، إضافة إلى استمرار سياسات المحسوبية؛ ما يضرّ بالاقتصاد الوطني والإصلاح الديمقراطي.
كما سيسيطر على هيئة الإذاعة والتلفزيون الزيمبابوية، وهما المنظمتان الإعلاميتان الحكوميتان اللتان تعملان آلة دعاية جديرة بالثقة والتأثير في الحملات الانتخابية، ويعدّان تقارير مؤيدة للحكومة وموالية للحزب الحاكم، وخالية من أيّ انتقاد أو معارضة.
كما تسيطر الحكومة الزيمبابوية على جميع الصحف الإقليمية والوطنية؛ مثل هيرالد وكرونيكل مانيكا بوست، إضافة إلى مراقبة جميع منصّات الإنترنت، فيس بوك وتويتر ويوتيوب؛ وما يثير القلق أيضًا الغموض بشأن التمييز الحكومي ضد الأحزاب السياسية، الخاضعة جميعها إلى رغبة النظام.
مطاردة المواطنين
والأسوأ من ذلك أنّ وزير الزراعة دعا إلى وقف البناء على الأراضي الزراعية؛ وهو ما يذكّرنا بما تفعله الحكومة المصرية، التي تطارد حاليًا المواطنين المعتدين على الأراضي الزراعية، وتستهدف تعظيم الإنتاج الزراعي وتقليل الاضطرابات في القطاع الاقتصادي.
ويقال إنّ الوزير يمتلك مزرعة مساحتها 300 هكتار في مدينة دمبوشافا، التي تبعد 27 كيلومترًا عن شمال هراري. وقال راديو نهاندا، المنفذ الإعلامي ببريطانيا، إنّ زوجته حصلت على عقد خدمات بالسفر يساوي ملايين الدولارات؛ وما يحدث ليس مثيرًا للجدل، ويعرفه الزيمبابويون والعالم أجمع.
ديمقراطية زائفة
وضلع الجيش تحت قيادة تشيوينغا في نهب الألماس بمنطقة تعدين في شيودزوا بمانيكالاند، إلى جانب رفض الرئيس الجديد سنّ أيّ تشريعات تحافظ على حرية الصحافة كما وعد، أو إجراء أي إصلاحات أمنية، أو حتى محاسبة المخطئين؛ ويسعى إلى خلق انطباع دولي بأنّ زيمبابوي دولة مستقرة جاذبة للاستثمار، في الوقت الذي يقود فيه حملات قمعية بالداخل.
والمستثمرون الراغبون في العمل بزيمبابوي بعد رحيل موجابي يرغبون أيضًا في رؤية سياسة قوية مستقرة، وسياسات اقتصادية سليمة، قبل أن يضخّوا أموالهم في الدولة الواقعة جنوب إفريقيا. وإذا فاز الرئيس المقبل إيمرسون منانجاغوا فسيكون قائد القوات المسلحة المذكور في موقع مثالي لخلافته في 2023، وإكمال سلسة الديمقراطية الزائفة لصالح القوات المسلحة.
وقبل الانقلاب، قال «شيوينجا» إنّ الجيش الزيمبابوي لن يكون له انخراط في الأمور السياسية، ولن يتدخل في مجريات العمل السياسي أو الاقتصادي؛ تمامًا كما وعد قيادات القوات المسلحة المصرية بعد انقلاب 2013.
وقال شيونجا إنّ الجيش مهتمّ بحماية الثورة في المقام الأول، وبالرغم من تصريحاته هذه؛ فهو مشهور بالقتل خارج نطاق القضاء والتدخل المسلح في الأمور السياسية.
وفي النهاية، كلّ ما يحدث في زيمبابوي حاليًا نسخة مكررة وطبق الأصل لما حدث في مصر في 2013.