حصل السودان على وعود سعودية بالاستثمار في قطاعات مختلفة مقابل مشاركة قوات له مع التحالف الذي تقوده المملكة في اليمن، لكنها لم تفِ بوعودها؛ ما حدا بالمعارضة السياسية السودانية لطلب انسحابهم، خاصة وأنّ كثيرين منهم قتلوا هناك. وبالرغم من القلاقل المتزايدة، أكّدت الحكومة السودانية مرة أخرى أنها لا تعتزم سحب قواتها، المقدّرة أعدادها بعشرة آلاف جندي، وتصدّرت دعوات الانسحاب عناوين الصحف السودانية متحدثة عن حركة سياسية متزايدة تطالب بإعادتهم إلى الوطن.
هذا ما رصده الكاتب السوداني خليل تشارلي في مقاله بصحيفة «ميدل إيست مونيتور» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ وجود قوات سودانية على أرض أجنبية دون موافقة البرلمان أمر غير دستوري؛ لكنّ الحكومة رفضت الامتثال لذلك، ثم طالبت جماعات المعارضة، مثل حزب الإصلاح، بسنّ قانون يطالب بالانسحاب الفوري.
ويزعم المسؤولون الحكوميون أنّ الرئيس «عمر البشير» لديه الحق في التصرف بطريقة أحادية الجانب، مؤكّدين أنّ القوات السودانية الموجودة حاليًا في «جزر القمر» بناء على طلب من الاتحاد الإفريقي، وهي جزء من وحدة تساهم في دعم المساعي الحكومية لطرد العقيد المنشق الذي يسيطر على جزيرة أنجوان، وبعد انتهاء المهمة، عاد ألفا جندي سوداني في أبريل 2008.
لكنّ الاعتراضات على الدعم العسكري الذي يقدّمه السودان للتحالف بقيادة السعودية يكشف أنّ هناك خسائر كثيرة في الأرواح، ولا تعود بفوائد سياسية أو اقتصادية عليه. وبالرغم من أنّه لا تتوفّر أعداد دقيقة عن القتلى؛ يؤكّد المعلّقون أنّ الأرقام ربما تكون أكثر بكثير من المئات التي أعلنتها الحكومة رسميًا، ويتّفق معظم الناس على أنّ أعداد القتلى جاوزت عشرات الآلاف، كما تدّعي قنوات الحوثيين.
للمصالح الخليجية
وأكّد الخبير السوداني عباس محمد صالح أنّ وجود القوات السودانية مجرد ترتيب سياسي مُصمَّم ومخطط له للحفاظ على مصالح دول الخليج، والسودان وجد نفسه وسط أزمتهم المستمرة والخلاف باتهامات قطر بدعم الإرهاب وجماعة الإخوان المسلمين وقربها من إيران.
ومع تزايد استياء دول الخليج ومصر من استمرار العلاقات الدبلوماسية الودية مع قطر وتركيا، يرى عباس أنّ بقاء القوات السودانية في اليمن بادرة طامحة للطمأنة، وتوضح أيضًا مدى التزام السودان بالرد السعودي على النفوذ الإيراني المتزاد، كما يمنح بلده مظهرًا لا يتعارض مع مبادرات «ابن سلمان».
خسائر وأضرار
لكن، انسحاب القوات السودانية من الحرب سيعرّضهم لخسارة 50 ألف جنيه إسترليني يتقاضونها شهريًا، وهي فائدة مالية يأمل الجنود النظاميون تجنّب خسارتها؛ والواقع أنّ الصراع اليمني وفّر مصدر دخل لمقاتلين سودانيين.
ويبدو أنّ السودان تخلّى عن الأمل في إمكانية الوفاء بالوعود التي قطعتها له السعودية، خاصة وأنّها لم تلتزم حتى الآن بتعهّداتها ببناء سدود مائية وتقديم دعم مادي للقوات المسلحة السودانية لتطويرها، بجانب الوعود بالاستثمار في الزراعة والتعدين.
وخرجت مبادرات من دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، لإقناع أميركا والقوى الغربية بضرورة إصلاح علاقتها مع السودان، ورفعها من قائمة الدول الراعية للإرهاب. لكن، يبدو أنّ السودان سئم الانتظار؛ وبالفعل غيّر سياسته الخارجية جزئيًا، بعيدًا عن الخليج؛ أملًا في تحقيق أهدافه.
مقترحات لحلّ الأزمة
وبعد تأثّره بالأزمة الاقتصادية وتدهور الحالة الاقتصادية، طرح البرلمانيون السودانيون هذا الأسبوع اقتراحًا يحمّل حكومة بلدهم الضررين الجسدي والنفسي اللذين لحقا بالعسكريين السودانيين وعائلاتهم؛ طالبًا من الحكومة شرح موقفها من الخسارة التي تعرّضت لها القوات المسلحة.
ودعت الحكومة إلى اقتراح يتيح استخدام الوسائل السياسية بديلًا للانتشار العسكري؛ في محاولة منها لإنهاء الصراع اليمني بطريقة سلمية ودون تفضيل لجانب على آخر.
وفي هذا الشهر، أثناء قمة الجامعة العربية بالسعودية، عقد الرئيس السوداني اجتماعات مع الملك سلمان وابنه محمد وأكّد من جديد دعمه للجهود في اليمن ومحاولات تأسيس حكومة عبدربه هادي منصور.
وتمركزت القوات السودانية في مناطق المواجهة باليمن؛ في محاولة لاستعادة شمال البلاد الواقع تحت سيطرة الحوثيين المدعومين من إيران. وفي الشهر الماضي أيضًا، وفي جلسة برلمانية مغلقة، وصف وزير الدفاع السوداني «الفريق عوض محمد أحمد بن عوف» استمرار المشاركة في حرب اليمن بأنها طبيعية تمامًا ولا تشكّل بأيّ حال خرقًا للدستور؛ مؤكّدًا، مثل آخرين ومن بينهم قائد قوات الدعم السريع «محمد حمدان داجلو»، علانية، الالتزام باتباع توجيهات البشير لحماية السعودية ودول الخليج.
ومن الواضح أنّ أيّ حكومة في السودان ستشعر بالقلق من ضلوعها في اليمن، ومع ضغوط داخلية مكثفة على هذه القضية؛ فالنفوذ السياسي الفريد الذي يهدد بسحب القوات يمنح السودان سياسة قيّمة تستحق المتابعة حاليًا، وعلى الأقل حتى حلّ المشاكل السياسية الحالية في المنطقة.