يصل، اليوم، وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، الموفد من رئيس بلاده إيمانويل ماكرون، إلى القاهرة في زيارة للجامعة العربية.
وكشفت فرنسا، في بيان الجمعة، عن إجراء وزير خارجيتها «حوارًا وثيقًا» مع المسؤولين، يتناول «المبادرات التي يتعين اتخاذها لهزيمة تنظيم الدولة بصورة دائمة، وحرمان النظام السوري من ترسانته الكيمائية، إلى جانب الرد على الاحتياجات الإنسانية والتوصل إلى حل سياسي».
وتسعى فرنسا إلى تحسين صورة فرنسا عربيا، عقب مشاركتها في الضربة الثلاثية الغربية بسوريا مؤخرًا، وبحث إمكانية مشاركة قوات عربية بديلة هناك.
وصرح خبيران مصريان في الشؤون الدولية، تحدّثا للأناضول بشكل منفصل؛ إذ يرى أحدهما أن «فرنسا بحاجة لصياغة جديدة لعلاقاتها بالمنطقة تخفف من وتيرة مشاركتها في الضربة الأخيرة بسوريا، ومغايرة لصورة سيئة عن رغبتها في العودة لحقبة الاستعمار بالمنطقة كما في القرن الماضي».
أما الخبير الثاني، فيرى أن قضايا ليبيا وعملية السلام في الشرق الأوسط والإرهاب ستكون تقليدية. مستدركًا: «لكن الملف الأهم هو سوريا، وأبرز ما فيه مناقشة احتمالية مشاركة قوات عربية بديلة عن الأميركية هناك، رغم الرفض المصري المتوقع، وهو ما بدا في إدراج لقاء أمين الجامعة العربية أحمد أبوالغيط، ضمن جدول الزيارة».
فيما يختلف خبير مصري ثالث، وهو أكاديمي متخصص في العلاقات الدولية مع الطرح السابق. مؤكدًا أن الزيارة تقليدية في ضوء العلاقات الثنائية الجيدة بين مصر وفرنسا، والتي تبدو في حضور وزير خارجية وليس رئيس البلاد، ولا تتحمل أكثر من ذلك.
وفي 21 أبريل الجاري، أجرى ماكرون، اتصالًا هاتفيًا، مع السيسي؛ لبحث «تداعيات الضربة الثلاثية» التي نفذتها واشنطن وباريس ولندن، فجر 14 من الشهر ذاته، على أهداف للنظام السوري، بعد أسبوع واحد من هجوم كيميائي شنه على بلدة دوما بريف دمشق، أوقع عشرات القتلى ومئات الجرحى.
وعقب الضربة، أعلنت مصر والجامعة العربية موقفا متشابها يعرب عن «قلق بالغ من التصعيد العسكري»، ويرفض استخدام أية أسلحة محرمة دوليا على الأراضي السورية.
الموقف تضمن أيضا مطالبة بإجراء تحقيق دولي شفاف في هذا الشأن، وسط أحاديث أميركية عن نية للانسحاب من سوريا وسط خيارات مطروحة بإحلال قوات عربية مكانها.
** أهداف مُعلنة
أعلنت الخارجية الفرنسية، الجمعة، في بيان نقلته سفارتها بالقاهرة، أن لودريان سيلتقي السيسي ووزير خارجية بلاده، وأمين الجامعة العربية.
وقالت إن «لودريان سيبحث مع محاوريه مجمل المسائل الإقليمية التي نحافظ بصددها على حوار وثيق»، وإضافة إلى جملة الأهداف المتعلقة بسوريا والتي ذُكرت آنفا، سيبحث لورديان ملف ليبيا والدور الأممي بشأن إجراء انتخاباتها في أقرب وقت.
وقد سبق الزيارة مشاورات مصرية، أمس السبت، مع مبعوث الأمم المتحدة غسان، سلامة، في القاهرة بشأن تطورات الأوضاع بليبيا، وتطرق البيان إلى محادثات بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط، وكذلك مواجهة الإرهاب، ودعم الاقتصاد المصري.
** تحسين صورة
يعتقد سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن «فرنسا بدأت تستشعر وجود حالة غضب عربي بسبب مشاركتها مع أميركا وبريطانيا في العدوان الثلاثي على سوريا».
ومن ثم فهي «حريصة كل الحرص»، من وجهة نظر اللاوندي، على العودة إلى الحل السياسي «عبر بوابة مصر التي هي (بالنسبة لفرنسا) من أوائل الدول المؤمنة به».
ويضيف للأناضول: «فرنسا تريد تحسين صورتها التي ساءت، خاصة وأن البعض رآها تتجه نحو حلمها بإعادة الاستعمار باعتبارها دولة استعمارية قديمة».
وبخلاف ملف سوريا، يقول عن الملفات المهمة للزيارة، إنه «سيتم بشكل أو بآخر الحديث عن مواجهة الإرهاب وقد يكون هذا مدخل الحديث عن ليبيا».
** قوة بديلة
قال سعيد صادق، الأكاديمي المصري المتخصص في العلاقات الدولية، أن «شعبية ماكرون باتت ضعيفة ومشاركته في الضربة الأخيرة أعادت بفرنسا لحلمها الاستعماري القديم في نظر البعض».
لكنه اختلف عنه في مدى تأثير الانتقاد أو الغضب العربي على العلاقات الفرنسية، في ظل عقد باريس صفقات عسكرية وبيعها أسلحة للجميع.
ويرى صادق، في حديثه للأناضول، أن ملف سوريا هو الأهم في ظل اتجاه عالمي نحوها، وسط حديث عن مشاركة قوة عربية بديلة عن تلك الأميركية الموجودة هناك.
ويؤكد أن مقابلة وزير خارجية فرنسا لأمين الجامعة العربية تؤكد هذا الاتجاه. متوقعًا طرح لودريان مشاورات ومبادرات بشأن تلك القوات مع مصر وأبوالغيط.
كما توقع الأكاديمي المصري امتناع بلاده عن هذا الخيار، والتمسك بالحل السياسي، وأهمية وجود غطاء دولي لأي شيء آخر بخلاف ذلك.
ويشدد على أن أي حديث آخر حول حوار بشأن ليبيا وفلسطين والعلاقات الثنائية مع مصر هو تكملة للصورة ليس أكثر. موضحًا أن القاهرة وباريس أكثر دراية بالملف الليبي والفلسطيني، ولا حاجة لمشاروات معمقة فيه الآن.
** زيارة تقليدية
وبعيدًا عن كل التوقعات وما تحمله الزيارة، يرى الأكاديمي المصري جهاد عودة، المتخصص في العلاقات الدولية، أنها «ستشمل اهتمامات تقليدية للاستراتيجية المصرية الفرنسية».
ويوضح أن «الزيارة تأتي من وزير خارجية تنفيذي محافظًا في حديثه، وليس على المستوى الرئاسي».
ومن ثم فهو يرى أنه «لا جديد في العلاقات المصرية الفرنسية يمثل فارقًا أو استثنائًا يُمكن أن يُحدث تحولات بعد الزيارة».
وتنامت العلاقات الفرنسية المصرية، في السنوات الأخيرة؛ إذ مثلت صفقات التسليح العسكري «رأس الحربة» في العلاقات بين البلدين، وباتت باريس أحد أهم مصادر التسليح المصري، بجانب الولايات المتحدة وروسيا.
وتعد فرنسا سادس مستثمر في مصر لعام 2016 بمخزون استثمارات أجنبية مباشرة يقدر بـ1.6 مليار يورو في العام نفسه.
ووصلت المبادلات التجارية بين البلدين إلى 2.5 مليار يورو في 2017، منها 1.9 مليار صادرات فرنسية، بحسب بيان لوزارة الخارجية الفرنسية.