جاء قرار وزير الري، محمد عبدالعاطي، بأن الدولة بحاجة إلى ترشيد المياه سواءً كانت مياه الشرب أو مياه الزراعة، لأن مصر تستخدم حاليا 11 مليار متر مكعب مياه شرب، مشيرا إلى أن الحل الوحيد لأزمة العجز في المياه، هو أن نلجأ لتحلية مياه البحر مثلما حدث في مدينة العلمين الجديدة، ليفتح باب التساؤلات حول فعالية تلك المياه في الزراعة والشرب.
وأضاف عبدالعاطي، خلال زيارته لحزب الوفد، أمس السبت، أن 95% من مساحة مصر صحراء، وأن الزيادة السكانية تؤثر بشكل كبير على الوضع المائي في الدولة، مشيرا إلى أن ارتفاع درجة الحرارة في بعض أوقات السنة يؤثر هو الآخر على الوضع المائي.
نوه الوزير إلى أن السبب في العجز المائي في مصر هو أن 97% من المياه في مصر مياه عابرة للحدود، كما أن مياه الأمطار في مصر قليلة وكل ذلك تحديات تواجه الوضع المائي لدينا، كما أن أكبر تحدٍ للدولة هو الزياده السكانية، فكلما زاد عدد السكان زاد استخدام المياه، وتابع: «نحتاج إلى 900 مليار جنيه لعمل محطات صرف صحي وتنقية المياه ولإدارة المخلفات الصلبة والسائلة».
تاريخ تحلية المياه
يرجع تاريخ تحلية المياه إلى عصر ما قبل الميلاد؛ حين وصف أرسطو طريقة لتبخير المياه غير النقية ثم تكثيفها للحصول على مياه صالحة للشرب. وبحلول العام 200 ميلادية كان البحارة اليونانيون يقومون بغلي مياه البحر في مراجل نحاسية على أسطح السفن، ثم يعلقون قطع كبيرة من الإسفنج على فوهاتها لتمتص ما يتصاعد من بخار ماء. ويتم بعد ذلك تجميع المياه النقية عند طريق اعتصار وتصفية قطع الإسفنج المبللة.
وتنطوي هذه الطريقة على الفكرة الرئيسية المستخدمة حاليا في أكثر طرق تحلية المياه شيوعا وهي طريقة التقطير؛ حيث يوقد على ماء البحر حتى يغلي ويتبخر ثم يتم تكثيفه على أسطح باردة ثم تُعالج المياه العذبة وتُجمع في خزانات ضخمة.
تحلية المياه بالنضح العكسي لا تتضمن تسخين الماء بل يدفع بالماء المالح من خلال فلاتر.. ومصر تحتاج 66 مليار متر مكعب سنويا من المياه العذبة.
كمية طاقة
وتستهلك عملية تسخين المياه كمية كبيرة من الطاقة، يستخدم فيها الوقود الأحفوري (البترول ومشتقاته) والكهرباء أو المفاعلات النووية أحيانا، وتلك الطريقة هي الطريقة المفضلة لدى الدول التي يتوافر فيها الوقود الأحفوري بتكاليف زهيدة (مثل دول الخليج). أما الطريقة الأخرى الناشئة حديثا فهي طريقة التحلية باستخدام الأغشية المنفذة وتسمى أحيانا بطريقة النضح العكسي. وهي طريقة أقل كلفة من طريقة التقطير؛ حيث إنها لا تتضمن تسخين الماء مطلقا وإنما يدفع بالماء المالح تحت ضغط عال خلال أغشية (فلاتر) غير منفذة للأملاح، لينضح الماء النقي منها مخلفا ركاما من الأملاح، التي يمكن إعادة تدويرها لأغراض تجارية أو صناعية.
وتستخدم تقنيات النانو حاليا في تطوير هذه الأغشية لزيادة كفاءتها وإطالة عمر تشغيلها. وتستخدم هذه الطريقة على نطاق واسع في الدول المتقدمة التي تتجنب التوسع في طريقة التقطير بسبب ارتفاع تكلفة الوقود الأحفوري والأضرار البيئية الناتجة عنه. أما الطريقة الأقل شيوعا فهي طريقة التحلية بالتجميد.
وتبلغ تكلفة تحلية المتر المكعب (1000 لتر) نحو نصف دولار أميركي في المتوسط، إن استخدمت طريقة الأغشية (النضح العكسي)، أما إذا استخدمت طريقة التقطير ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة، فإن هذا التقدير يتضاعف ليصل إلى دولار أو يزيد. لذا فمن الواضح أن طريقة النضح العكسي هي الطريقة التي سيعمل العلماء على تطويرها في المستقبل المنظور.
طريقة غير مجدية
الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية، قال، في تصريح لـ«رصد»: «إن تحلية مياه البحر مكلفة للغاية، ولم يتم اعتمادها على نطاق تجاري حتى الآن. تبلغ تكلفة إنشاء محطة التحلية التي توفر سنويا نحو عُشر (واحد من عشرة) مليار متر مكعب من المياه العذبة، ما يقارب 500 مليون دولار».
وأضاف نور الدين أن «المياه المحلاة من البحر ينقصها كل عناصر المياه العذبة أو الجوفية، والدليل على ذلك السعودية؛ حيث لا يشرب المواطنون من تلك المياه ويضطرون إلى شراء مياه معدنية».
وتبلغ احتياجات مصر من المياه العذبة نحو 66 مليار متر مكعب سنويا، يُستهلك 60 مليار متر مكعب منها في الزراعة و6 مليارات متر مكعب في الشرب والاستخدامات المنزلية.
ويوفر نهر النيل نحو 55 مليار متر مكعب، يضاف إليها نحو 6 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية. وبهذا نجد أن هناك عجزا لا يقل عن 5 مليارات متر مكعب سنويا. ويا للعجب، فها هي مصر هبة النيل باتت على مشارف فقر مائي يهدد استقرارها وأمنها القومي.